لماذا فشلنا لكي نكون مثل تركيا؟

19 اغسطس 2014

تركية تقترع في أزمير لانتخاب الرئيس (أغسطس/2014/الأناضول)

+ الخط -

أثبتت الانتخابات الرئاسية التركية أن رجب أردوغان، وحزبه العدالة والتنمية، لا يزالان يتمتعان بشعبية محترمة، على الرغم من الأزمة السياسية التي واجهتهما قبل فترة. أزمة كادت أن تقوض الصورة الساحرة للحزب، وأن تطيح الرصيد السياسي والأخلاقي لأردوغان. فبعد نجاح الحزب في الانتخابات البلدية، ها هو مرشحه يحقق أمله الكبير في أن يصبح رئيس تركيا، فكان له ذلك، حيث أصبح أول رئيس تركي منتخب مباشرة، وتحقق له ذلك من دون تزوير وبكل شفافية. وما كانت هذه النتيجة ممكنةً، لولا قوة المؤسسات التركية التي بقيت صامدة، على الرغم من حدة التجاذبات السياسية.

تمثل الانتخابات التركية نقطة مضيئة في نفق مظلم، دخلته المنطقة بسبب المخاطر الكبرى التي تهدد معظم الدول العربية. لا نقول ذلك لمصلحة مرشح حزب العدالة والتنمية الفائز بمنصب الرئاسة، وإنما نقصد بالنقطة المضيئة هذه الديمقراطية التركية الصامدة في مناخ إقليمي هائج ومحتقن، والذي ينذر بالفوضى، والعودة إلى أكثر وجوه الاستبداد قبحاً.

ليست تركيا وحدها التي تمثل حاليّاً الاستثناء الديمقراطي. فأكثر من 60% من الدول الإسلامية غير العربية تعيش، حاليّاً، في ظل أنظمة ديمقراطية تعتبر مستقرة إلى حد ما. المعضلة الوحيدة في هذا الفضاء الحضاري والجغرافي هو الجزء المتعلق بالعالم العربي، والذي لا يزال يقاوم بشراسة كل المحاولات لدفعه نحو التحرر من نمط الاستبداد الغبي، وغير المنتج.  وعلى الرغم من أن صحيفة إيكونومست البريطانية لا تشكل مرجعاً في هذا المجال، إلا أنها اعتبرت أخيراً أن تونس هي الدولة العربية الوحيدة التي تتبنى حاليّاً النموذج الديمقراطي، ووصفت مصر والجزائر والمغرب بكونها "ديمقراطيات مزيفة".  وقدرت الصحيفة في تقريرها أن دول الربيع العربي "التي خرجت للمطالبة بإنهاء حكم الفرد الواحد وترسيخ أنظمة ديمقراطية" انتهى بها المطاف إلى استنساخ نماذج مشابهة للتجربة الجزائرية".

هناك جهود تبذل لتجعل التحول في العالم العربي حقيقيّاً وفاعلاً، وذلك نظراً لحجم الكلفة الباهظة التي قدمتها شعوب الربيع العربي، طوال السنوات الأربع الماضية، غير أن القوى المضادة والمناهضة للديمقراطية لا تزال قوية وشرسة، وهي تنذر حقاً باحتمال توظيف كل هذه التضحيات، من أجل الإجهاز على إرادة الشعوب، بحجة حماية هذه الشعوب من الفوضى المتوحشة.

لقد عاد الحديث، اليوم، بقوة عن دور الاستبداد في تحقيق الوحدة الوطنية والاستقرار والأمن. وهو خطاب لا تروج له فقط الدوائر التي تضررت من الثورات، أو الانتفاضات الاحتجاجية، وإنما انخرطت في الخوض فيه أجزاء واسعة من المواطنين في هذه الدول، الذين أصبحوا يترحمون علناً على مرحلة الحكم الفردي، ويذكرون بخير أيام المستبدين السابقين غير المأسوف عليهم.

كما أن دوائر غربية عادت لتشتغل من جديد على فرضية الطبيعة غير الديمقراطية للشعوب العربية، التي يراد إقناعنا من خلالها بأن الحريات وحقوق الإنسان والفصل بين السلطات، وغيرها من الآليات الديمقراطية، مفاهيم غريبة عن ثقافتنا وتاريخنا، وبالتالي، ليس من مصلحتنا الاجتهاد في محاولة تجذيرها في بيئتنا، لأنها ليس فقط غير قابلة للتوطين في البيئة العربية، وإنما الأخطر أن هذه المفاهيم والآليات ستدمر المنطقة، وستفجر بناها الداخلية، وستنسف ما حققته في المراحل السابقة.

حقيقة، لا تنطلق هذه المواقف والأفكار المناهضة لحق الشعوب في ممارسة حقها في التعبير والاختيار والمحاسبة من فراغ. تم التعبير عنها في مرحلة أولى للتشكيك في مشروعية الثورات، لكن الحال تغير، اليوم، بعد أن تغيرت تضاريس الواقع. ما يجري في العراق وسورية لا يبشر بخير. فالأوضاع تسير هناك نحو الأكثر سوءاً، وهو ما غذّى البحث من جديد عن "مهدي منتظر"، حتى لو كان مزيفاً.

ما لا يقال في هذا المشهد المخيف أمران. أولهما أن شعوب العالم التي أصبحت ديمقراطية لم يكن انتقالها سهلاً وميسراً، وإنما سلك الكثير منها مساراتٍ صعبة ومؤلمة. وثانياً إن مسؤولية النخب ثقيلة في هذا المجال، لأن التاريخ علمنا أن الديمقراطية لا يبنيها إلا ديمقراطيون. فالخطأ ليس في السعي نحو الديمقراطية التي ستبقى اختياراً مستقبلياً، يمثل الحل الأقل سوءاً للشعوب. ولأنه، في المقابل، لا خير يرجى من الاستبداد الذي لا ينتج على المديين، القصير والمتوسط، إلا الفساد والفوضى وانهيار الأوطان. ويكفي، في هذا السياق، استحضار تجربة نوري المالكي، البائسة في وسائلها، والقاسية في نتائجها. 

 

266D5D6F-83D2-4CAD-BB85-E2BADDBC78E9
صلاح الدين الجورشي

مدير مكتب "العربي الجديد" في تونس