لماذا تُجرّم المقاومة؟

25 يونيو 2017
زيارة ترامب إلى الرياض أسست لهذا التجريم (الأناضول)
+ الخط -
تعكف الإدارة الأميركية، في الآونة الأخيرة، على إنضاج مشروع قانون يمكن الإشارة إليه بـ "قانون مكافحة الدعم الدولي للإرهاب الفلسطيني لعام 2017"، وينص مشروع القانون على فرض عقوبات على المنظمات والدول والهيئات والأفراد الذين يقدمون الدعم للمنظمات الفلسطينية المنخرطة في أنشطة المقاومة المسلحة ضد "إسرائيل"، وخص منها بالذكر حركة المقاومة الإسلامية حماس، وحركة الجهاد الإسلامي. وأشار مشروع القانون إلى دولة قطر تحديداً، متهماً إياها بتقديم دعم مالي وعسكري لحماس، معتبراً هذا الدعم بأنه مؤثر، مشيراً إلى تصريح وكيل وزارة الخزانة الأميركية لشؤون الإرهاب والمخابرات في مارس 2014؛ أن قطر (الحليف القديم للولايات المتحدة) دعمت حماس بشكل علني ولسنوات طويلة.

وأشار مشروع القانون أيضاً إلى الدعم المالي والسياسي والعسكري المقدم لكل من حركتي حماس والجهاد الإسلامي من إيران، والذي لم يتوقف برغم الخلاف في وجهات النظر بين هذه الأطراف من الأزمة السورية، معتمداً في ذلك على تصريحات موسى أبو مرزوق، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وخالد القدومي ممثل حماس في إيران. بل جاء عليه بكثير من التفصيل، مستعرضاً دور "إسرائيل" في تعطيل وصول السلاح للمقاومة الفلسطينية في غزة، من خلال عملياتها الأمنية والعسكرية في البحر الأحمر. وفي ذات السياق، اعتبر مشروع القانون أن حماس بعد وثيقتها المعلنة في مايو 2017م لا تزال تدعو إلى مواصلة "الإرهاب" لتدمير "إسرائيل".

الهيمنة الأميركية
جدير بالذكر، أن القرار الأميركي- سالف الذكر- لم يصدر بعدُ، ولكن توجهات الإدارة الأميركية في هذا الصدد معروفة لدى الأطراف العربية التي ارتبطت عسكرياً وسياسياً وأمنياً واقتصادياً بالإدارة الأميركية، التي دأبت على توظيف هذه المنطقة بشكل يخدم مصالحها وطموحاتها العالمية، وبما ينسجم مع طبيعة المتغيرات على الساحة الدولية والإقليمية، كونها تضم موارد طبيعية كثيرة تشكل أهمية كبيرة للاقتصاد الأميركي، وبما يعزز موقعه التنافسي أمام الاقتصاديات العالمية. وفي نفس السياق، تسعى الولايات المتحدة الأميركية إلى تدوير عائدات النفط العربية، ولا سيما الخليجية منها، بطريقة تنسجم مع استمرار الهيمنة الأميركية على المنطقة العربية، ولكي لا تتحول هذه العائدات إلى قوة اقتصادية تشكل فيما بعد وسيلة ضغط على المصالح الأميركية؛ ففي الوقت الذي توجه فيه الاستثمارات الخليجية بحجمها الكبير إلى الاقتصاديات الأوروبية والأميركية، نجد أن الاستثمارات الأميركية في منطقة الخليج أسهمت بدور مهم في تعزيز الاقتصاد الأميركي، علماً أن هذه الاستثمارات أحدثت آثاراً سلبية علي المستويات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية في هذه المنطقة، نتيجة الهيمنة الأميركية على الأسواق الخليجية، التي توفر فرص عمل ومصدر دخل لمئات الآلاف من الأميركيين. فالميزان التجاري في هذه العلاقة، والذي يعمل لصالح الولايات المتحدة الأميركية، أوقع هذه الدول في تبعية شديدة، بحيث بقي دورها الاقتصادي مرهوناً بالولايات المتحدة التي تحكمها اعتبارات المصلحة، وليس اعتبارات المنفعة المتبادلة، فغدت أولويات هذه الدول العسكرة بدل التنمية.

تؤكد القواعد والتسهيلات العسكرية في منطقة الخليج، والتي زودت بكل وسائل الراحة والترفيه للجنود الأميركيين، أنها جاءت لتبقى أطول فترة ممكنة. ولكي تنفرد الولايات المتحدة بمنطقة الخليج وتؤدي دور الضامن الوحيد؛ لجأت إلى عقد اتفاقيات أمنية مع دول مجلس التعاون الخليجي، وأقامت مجموعة من الترتيبات الأمنية والمشاريع الدفاعية التي تكفل إحكام السيطرة على هذه المنطقة، مما جعل هذه الدول تعاني من خرق أمنى واضح، إلى جانب التبعية الاقتصادية والسياسية التي حولتها من دول غنية إلى دول مديونة أو دول لديها عجز في الموازنة، وبما يحمل آثاراً سلبية على الأمن القومي العربي، وفي نفس الوقت تمثل هذه الآثار عامل قوة ودعم للاستراتيجية الأميركية إزاء المنطقة العربية بشكل عام.

وبالرجوع إلى مشروع القانون - آنف الذكر- نجد أنه ركز على دولتين ذات علاقة مباشرة بحماس وهما قطر وإيران، فقطر التي استضافت رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس خالد مشعل منذ العام 2012م، وإيران التي تواصل دعمها العسكري والمالي لحماس حتى في سنوات الاختلاف في وجهات النظر بينهما في ما يخص الأحداث على الساحة السورية، لم ينقطع إمدادها المالي والعسكري لحماس، وذلك حسب ما ورد في المشروع الذي يرى أن دعم "الإرهاب" (المقاومة الفلسطينية) يشكل عائقاً لحل الدولتين، ويقلل فرص الوصول إلى سلام دائم بين "الإسرائيليين" والفلسطينيين، وبالتالي يجب أن تكون سياسة الولايات المتحدة هي منع حماس والجهاد الإسلامي وأي أفراد أو مؤسسات تابعين أو لاحقين لها من الوصول إلى شبكات الدعم الدولي.

إن تركيز مشروع القانون على المقاومة الفلسطينية وقطر وإيران يعني أن هذه الأطراف تنتهج سياسة لا تنسجم مع السياسة الأميركية في المنطقة، فهي ليست دولا داعمة للمقاومة الفلسطينية فحسب، فقطر لا تستضيف رئيس المكتب السياسي لحماس فقط، إنما تستضيف قيادة طالبان الأفغانية وغيرها من الحركات السياسية ضمن رؤيتها الدبلوماسية، ولها حضور اقتصادي في الصناعات التحويلية جعل نصيب المواطن القطري من الدخل القومي الإجمالي أعلى نصيب على مستوى العالم، أضف إلى ذلك مساحة النشاط الدبلوماسي على الساحة الدولية، وكذلك قناة الجزيرة التي تعتبر صوت من لا صوت له، وتبنيها الإعلامي لثورات الشعوب في بلاد الربيع العربي، حتى إن بعض المسؤولين الأميركيين عبّروا عن تحفظات إزاء تغطية القناة لبعض الأحداث.

لا يمكن لأحد أن يفصل بين تجريم المقاومة الفلسطينية وبين السياسة الأميركية الرامية إلى إخضاع المنطقة العربية واستمرار الهيمنة الأميركية وتوسيع دائرتها وإخضاع كامل المنطقة وضمان التزامها بالرؤية الأميركية في إدارة الصراع، مع الأخذ بعين الاعتبار العلاقة السياسية والأمنية والعسكرية بين الولايات المتحدة الأميركية و"إسرائيل"، والتي اعتبرها جورج بوش الابن الولاية الـ"51" في الولايات المتحدة، لاعتبارات الدور الوظيفي الذي تلعبه "إسرائيل" في خدمة المصالح الأميركية في المنطقة، والتأثير القوي للوبي الصهيوني على أعضاء الكونجرس الأميركي. لكل هذه الاعتبارات تستطيع "إسرائيل" تمرير رؤيتها في إدارة الصراع عبر الإدارة الأميركية، وتمريرها أيضا على الدول الخاضعة للولاية العسكرية والسياسية والأمنية والاقتصادية الأميركية، ولهذه الأسباب تعتبر نصف دول مجلس التعاون الخليجي ومصر أن المقاومة الفلسطينية "إرهاب".
تعتبر المقاومة الفلسطينية في حد ذاتها حجر عثرة أمام تطوير أساليب الهيمنة الأميركية على المنطقة العربية، باعتبارها كانت ملهمة للشعوب العربية قبل وأثناء ثورات الربيع العربي، فالارتباط بين تجريم المقاومة الفلسطينية وحصار قطر؛ الدولة التي خرجت إلى حد ما من تحت الهيمنة الاقتصادية الأميركية وصاحبة شبكة الجزيرة الإعلامية التي ساهمت بشكل كبير في تشكيل الوعي في الشارع العربي، أرسل برسائل كلها أمل "لإسرائيل" عن اقتراب تحقق الحلم الصهيوني بتوقيع اتفاقيات تعاون اقتصادي وتمثيل دبلوماسي مع الدول العربية المجرّمة للمقاومة كي تحصل "إسرائيل" على حصتها في الأسواق العربية، خصوصاً الخليجية.

الدول العربية التي انزلقت في مستنقع تجريم المقاومة الفلسطينية هي ذات الدول التي تعاني من اختراق أميركي في بنيتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية والأمنية، والتي غدت تدرك، أكثر من غيرها، أن استمرار وجودها كأنظمة سياسية مرتبط، إلى حد كبير، باستمرار وجود هذا الاختراق الأميركي الذي يجري تدعيمه باتفاقيات عسكرية واقتصادية وأمنية، وكذلك الانخراط في أنشطة سياسية - لا تعبر بأي حال من الأحوال عن إرادة شعوب هذه الدول- فقط لتستمر هذه الأنظمة السياسية في الحكم.

تنظر هذه الدول إلى العلاقة مع "إسرائيل" على أنها إحدى استراتيجيات تدعيم استمرار بقاء أنظمتها السياسية في الحكم، لاعتبار أن هذه العلاقة تحقق رضا السيد الأميركي، وتسهم في التصدي للقوى الداخلية التي تناوئ نظام الحكم، لذلك لا أحد ينكر التعاون الأمني القائم بين إسرائيل وهذه الدول، ولا أحد ينكر أيضا زيارة مسؤولين من هذه الدول "لإسرائيل" أو العكس، فالتعاون الأمني القائم بين "إسرائيل" وهذه الدول، والذي تجاوزت فيه "إسرائيل" حدودها في كثير من المرات، مثل محاولة اغتيال السيد خالد مشعل في العاصمة الأردنية عمان عام 1997م، وفي جريمة اغتيال الشهيد محمود المبحوح في الإمارات في مطلع العام 2010م، كلها شواهد تؤكد استباحة الأمن "الإسرائيلي" لأمن هذه الدول.

(باحث فلسطيني)

المساهمون