للنفط الرخيص في زمن كورونا منافع وأضرار... تعرّف إليها

23 ابريل 2020
انهيار النفط يعقّد المساعي الرامية إلى درء الانكماش (Getty)
+ الخط -
ربما اتضح أن انهيار سعر النفط الذي دفع أسعار الخام الأميركي إلى ما دون الصفر للمرة الأولى في التاريخ، هو بارقة الأمل للاقتصاد العالمي، إذ قد يمثل نقطة الانطلاق لتحقيق الانتعاش عندما تحين نهاية توقف النشاط الاقتصادي بفعل فيروس كورونا.

فالنفط الرخيص يخفض تكاليف النقل والتصنيع، ويتيح سيولة أكبر للمستهلكين بما يزيد إنفاقهم، أي إنه يؤدي إلى تحسين الأوضاع المالية في الأساس. لكن قد يكون له أثر مدمر من خلال الإضرار بأسواق الأسهم وميزانيات الدول المنتجة وإشاعة مخاطر الانكماش.

فأي الأمرين سيحدث هذه المرة؟


أوضح مؤشر للسيولة تصدره شركة "كروس بوردر كابيتال" الاستشارية أن انخفاض النفط، بالإضافة إلى التدابير التحفيزية من مجلس الاحتياطي الاتحادي الأميركي، وغيره من البنوك المركزية، ييسر بشدة الأوضاع المالية.

ويقدر مايكل هاول، العضو المنتدب لشركة "كروس بوردر كابيتال"، أن الإجراءات التحفيزية التي اتخذها مجلس الاحتياطي الاتحادي، أضافت عشر نقاط إلى المؤشر، الشهر الماضي.

غير أنه قال إن أثر النفط كان أكبر، فكل انخفاض نسبته 10% في أسعار التعاملات الآجلة رفع المؤشر بما بين 3 و4 نقاط، أي إن الانخفاض البالغ ما بين 60% 70% هذا العام يعادل مثلي ما حققه مجلس الاحتياطي الاتحادي، في مارس/ آذار.

لكن هل من الممكن أن تستفيد الأسواق والاقتصاد في ضوء أنّ العامل المحرك لانخفاض الأسعار كان انهياراً غير مسبوق للطلب، إذ يتوقع أن ينخفض هذا العام بما يقارب 30 مليون برميل يومياً؟

الإجابة: نعم ولا في آن واحد. ففي الجانب السلبي ستؤدي تحركات أسعار النفط إلى تقييد الأوضاع المالية من خلال انخفاض الأسهم وارتفاع عوائد سندات الشركات وتراجع الإنفاق الاستثماري لقطاع الطاقة. وقد يكون البنزين رخيصاً، لكنه لن يغري أحداً بالقيام برحلة طويلة لهذا السبب وحده.

غير أن التدابير التحفيزية النقدية والمالية خففت من هذا الأثر السلبي. كذلك إنّ ارتفاع مؤشر هاول يمثل بشير خير للاقتصاد، ويقول هاول إن المؤشر عادة ما يسبق مؤشرات مديري المشتريات بما بين 3 و6 أشهر.

وتنظر مجموعة أخرى من مؤشرات السيولة التي يتابعها ستيف دونزيه في شركة "بيكتت أسيت مانجمنت" إلى النفط من منظور السيولة الفائضة، أي عندما تؤدي أسعار الإنتاج المنخفضة إلى تحرير موارد للاستثمار في الأصول المالية.

وقال دونزيه إن فائض السيولة الحالية بين 14% و16%، ارتفاعاً من نحو 7% في نهاية 2019، يشير ضمناً إلى إعادة تقدير معدل أسعار الأسهم إلى الأرباح بنسبة 50% خلال 6 أشهر.

وكان رد فعل أسواق الأسهم والسندات هادئاً نسبياً على هبوط النفط، هذا الأسبوع، وربما كانت الأسعار تعكس بالفعل انخفاضات كبيرة مقارنة بالعام السابق، في حين أنّ مجلس الاحتياطي الاتحادي يساند ديون الشركات، بما في ذلك بعض السندات ذات المخاطر الاستثمارية العالية.

مستوردون ومصدرون

ولن يسري هذا على بعض منتجي النفط مثل السعودية وروسيا اللتين ستضطران إلى الاستعانة بمدخراتهما للحيلولة دون الركود الاقتصادي. وعلى الجانب الآخر، ستتمتع دول نامية مثل تركيا والهند بانخفاض تكاليف الاستيراد وتخفيف الضغوط التضخمية.

غير أنّ أحد الأمور التي تغيرت منذ فصول الانهيار النفطي السابقة، بروز دور الولايات المتحدة كمصدر صافٍ كبير للنفط الخام، إذ يقدر بنك "مورغان ستانلي" أنّ استخراج النفط والغاز يمثل فيها 0.5% من الناتج المحلي الإجمالي السنوي، و4% من استثمارات الأعمال.

وهذا معناه أنّ النفط الرخيص لم يعد عاملاً إيجابياً فقط لأكبر اقتصاد في العالم، بل إن المحللين في "مورغان ستانلي" قدروا، هذا الشهر، أنّ انخفاض النفط بنسبة 50% سيؤدي إلى تراجع بواقع 25 نقطة أساس للناتج المحلي الإجمالي الأميركي.
غير أن النتيجة قد تكون إيجابية في النهاية. فانخفاض أسعار البنزين للمستهلك بنسبة 40% سيتيح، حسبما قال محللو "مورغان ستانلي" لعملائهم الأميركيين، دخلاً قابلاً للإنفاق يبلغ 125 مليار دولار على أساس سنوي.

وأضافوا أنّ احتياطي مدخرات المستهلكين سيفيد في "تدعيم الانتعاش على الجانب الآخر" رغم أن النتيجة الصافية سالبة بالنسبة إلى النمو الأميركي في الأجل القريب. ومبعث القلق الآخر، أنّ انهيار النفط يعقد المساعي الرامية إلى درء الانكماش في مختلف أنحاء العالم المتقدم.

(رويترز)