ولا يصعب على من يتابع وتيرة المواقف الأميركية الصادرة في واشنطن منذ اندلاع الانتفاضة الثالثة حتى اليوم، أن يلاحظ التبني الأميركي الكامل والأعمى للرواية الصهيونية لما تسميه واشنطن وتل أبيب "إرهاباً"، في إشارة إلى عمليات المقاومة التي لا يجد الفلسطيني سواها للدفاع عما تبقّى له في أرضه المحتلة. من هنا، تجمع المصادر الإسرائيلية والأميركية على أن أوباما لن يطلب من ضيفه إدخال أي تعديل على سياسة القتل الممنهج بحق الفلسطينيين.
وبحسب التصريحات الأميركية التي حرص بموجبها مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، روب مالي، على إطلاقها قبيل وصول نتنياهو، فقد توصل أوباما إلى قناعة مفادها بأنه ليس بمقدور الفلسطينيين والإسرائيليين، في الفترة المتبقية من ولايته، التوصل إلى تسوية على أساس حل الدولتين، وأن هناك شكاً في إمكانية استئناف المفاوضات بين الطرفين خلال هذه الفترة.
وفي تعليقه على تصريحات مالي، كشف براك رابيد في صحيفة "هآرتس" عن وجود مجموعة من كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية الذين يطرحون ضرورة وضع تصور أميركي مسبق للتعامل مع احتمالات انسداد أفق حلّ الدولتين، والتوجّه نحو حل الدولة الواحدة، واحتمالات تأثير ذلك في نهاية المطاف على خريطة "المصالح والقيم الأميركية – الإسرائيلية المشتركة".
ولعلّ ذلك يشي بما يمكن أن يطرحه أوباما على نتنياهو خلال لقائهما اليوم، إذ يتوقع أن يسمع من نتنياهو ما الذي يعتزم الأخير فعله كي لا يُغلق الباب أمام حل الدولتين من جهة، والخطوات التي يعتزم اتخاذها لتهدئة الأوضاع في الضفة الغربية، من جهة ثانية. ويبدو أن نتنياهو يدرك تساؤلات أوباما لذلك جاء الردّ استباقياً بالإيجاب والتجاوب مع "رغبات" أوباما، إذ أعلن خلال جلسة الحكومة أمس، أنه يعتزم أن يعرض على أوباما جملة من الخطوات التي سماها "ببوادر حسن نية" تتلخص في تخفيف القيود المفروضة على تنقل الفلسطينيين وحركتهم في الضفة الغربية، وخفض منسوب الاحتكاك مع الفلسطينيين، بالتوازي مع خطوات "لتحسين أوضاع المعيشة" وتعزيز الاقتصاد الفلسطيني ومكانة السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية، وإقرار جملة من المشاريع للبنى التحتية في المناطق (سي) الخاضعة للسيطرة الأمنية الإسرائيلية.
اقرأ أيضاً: نتنياهو إلى واشنطن مع "مبادرات حسن نيّة" لا أكثر
ويطوي هذا التناغم، الأول من نوعه منذ تدهور العلاقات بين إدارة أوباما وحكومة نتنياهو على مدار العام الأخير، الملف الفلسطيني لعامين على الأقل، وترحيله لما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني العام المقبل. وجاء هذا التناغم نتيجة التقاء مصالح بين الرجلين. وإذا كان نتنياهو يسعى للتخلص من شبح الضغوط الأميركية على حكومته، وخصوصاً في مسألة تجميد الاستيطان وإطلاق تسوية ومفاوضات مع الفلسطينيين، فإن أوباما غير معني الآن، وهو على وشك إنهاء مسيرته السياسية، بحملة تحريض ضده من الحزب الجمهوري واتهامه بمعاداة إسرائيل، ما من شأنه أن يزعزع فرص الحزب الديمقراطي ومرشحته المحتملة، هيلاري كلينتون، بالفوز في الانتخابات الرئاسية الأميركية.
ومع تخليه عن حلمه بأن يكون الرئيس الأميركي الذي رعى وحلّ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فإن أوباما، على ما يبدو، يتجه لأن يكون الاتفاق النووي مع إيران، من جهة، وضمان الأمن الإسرائيلي وتفوق إسرائيل النوعي عسكرياً/ الميراث الذي يخلفه وراءه.
وقد أشار موقع "والاه" الإسرائيلي إلى هذا الأمر، مؤكّداً أن لقاء أوباما ــ نتنياهو يكرّس في واقع الحال مسألة التعويض الأميركي لإسرائيل عن الاتفاق النووي، وتحديد مستويات جديدة للمعونات الأميركية، وللتعاون الأميركي الإسرائيلي، في كل ما يتعلق بمواجهة إيران وضمان استمرار التعاون الاستخباراتي الأميركي الإسرائيلي بهذا الخصوص.
ولفت الموقع إلى أنّ الميراث الذي يريد أوباما أن يتركه خلفه بشأن دعم إسرائيل، يقوم عملياً على حقيقة أن أوباما، وخلافاً لكل الادعاءات التي تم تسويقها من قبل الجمهوريين في الولايات المتحدة وجهات سياسية في إسرائيل نفسها، كان الرئيس الأميركي الذي قدم أكبر دعم مالي وعسكري لإسرائيل من بين مجمل الرؤساء الأميركيين، وهذه حقيقة يشهد عليها كبار السياسيين الإسرائيليين الذين تعاملوا مع ملف الأمن الإسرائيلي وملف التحالف الاستراتيجي الإسرائيلي الأميركي شأن رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق، الجنرال إيهود براك، ووزير الاستخبارات السابق دان مريدور.
وبحسب الموقع الإسرائيلي، فإنه، إلى جانب مطالبة نتنياهو اليوم أوباما برفع حجم المعونات الأميركية لإسرائيل إلى خمسة مليارات بدلاً من حجمها الحالي ثلاثة مليارات سنوياً، وهو ما تم طرحه في المفاوضات الثنائية الجارية بين الطرفين منذ عدّة أسابيع، فإن نتنياهو يسعى أيضاً إلى تحصيل ضمانة أميركية إضافية تتعلق بتأمين التفوق النوعي العسكري الإسرائيلي، من حيث نوعية السلاح المعطى لإسرائيل مقارنة بالأسلحة المتطورة التي تم الاتفاق عليها بين إدارة أوباما ودول الخليج العربي لمواجهة الخطر الإيراني، بعد الاتفاق النووي مع إيران، بحجة أن موازين القوى في المنطقة العربية قد تغيّرت ومعها طبيعة وخريطة التهديدات الأمنية لإسرائيل.
ومع الانفراج المرتقب في العلاقات بين أوباما ونتنياهو، على اعتبار أن العلاقات بين الدولتين لم تتأثر بفترات التوتر، فإنّ نتنياهو سيطلب من الرئيس الأميركي أيضاً ممارسة ضغوط على نيوزيلندا كي تؤجل طرح مبادرتها على مجلس الأمن الدولي، وخصوصاً أنّ المبادرة تطالب إسرائيل بوقف كل أشكال البناء في المستوطنات، وهو شرط بات غير مطروح على جدول المطالب الأميركية من نتنياهو وحكومته، مقابل وقف السلطة الفلسطينية خطواتها التي شرعت بها في التوجه إلى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي.
وعلى الرغم من أن الصحف الإسرائيلية أشارت إلى أن الاتصالات الإسرائيلية مع نيوزيلندا حققت تأجيلاً مؤقتاً إلى ما بعد لقاء أوباما ونتنياهو، إلا أنها قالت إن إسرائيل تخشى أن يتم في نهاية المطاف طرح المبادرة بعد إسقاط شرط وقف التحركات الفلسطينية باتجاه محكمة الجنايات، والإبقاء على الشق المتعلق بوقف البناء الاستيطاني.
وفي الخلاصة، فإن هذا التناغم المرتقب في اللقاء اليوم في واشنطن، وترويج نتنياهو لبضاعة "بوادر حسن النية" التي تذكر بمواقف إسرائيل في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، والتي اقتصرت على مسألة "تحسين ظروف المعيشة والحياة للسكان"، تمنح إسرائيل ونتنياهو تحديداً، طوق نجاة، يريحه أولاً من ضغط أميركي خارجي حتى على مستوى تجميد الاستيطان، مما يريحه بالتالي من إشكاليات البحث عن ائتلاف بديل، في حال اضطر إلى إصدار بيان جديد يتعهد بموجبه بتجميد الاستيطان، وهو ما كان ينذر بانسحاب حزب "البيت اليهودي" الراعي للاستيطان من الحكومة. ويريحه ثانياً من ضغوط داخلية من المعارضة للاتجاه نحو إطلاق تسوية سياسية أو مفاوضات جديدة مع الجانب الفلسطيني.
اقرأ أيضاً: أوباما لن يحرك مساراً سياسياً على الصعيد الإسرائيلي الفلسطيني