لغز اختفاء أموال من المصرف المركزي يحير موريتانيا

06 يوليو 2020
البنك المركزي في نواكشوط (Getty)
+ الخط -

أوقفت السلطات الموريتانية 6 أشخاص، بينهم موظفون بالمصرف المركزي، على خلفية اختفاء مبالغ مالية من حسابات المصرف قدرت بنحو 2.4 مليون دولار، وتعويض جزء من المبلغ بعملات أجنبية مزورة.
ووجهت شرطة الجرائم الاقتصادية تهمة "اختلاس الأموال" و"تزوير العملة الصعبة" للمتهمين في انتظار توسيع التحقيقات التي ستقود لتوقيف متهمين آخرين حسب مصادر مطلعة تحدثت لـ"العربي الجديد".
وكشف تفتيش داخلي قامت به إدارة البنك المركزي عن وجود نصف مليون دولار من أوراق نقدية أجنبية مزورة ضمن الاحتياطي الحالي للمصرف، وبعد عمليات تدقيق الحسابات وبالاستعانة بالسلطات الأمنية فتحت تحقيقا حول الموضوع أدى إلى اعتقال المسؤولة عن صندوق العملات الأجنبية ومتهمين آخرين.
وقالت النيابة العامة إنها بدأت تتبع مختلف مسارات المبالغ المختلسة من البنك المركزي، بما فيها الذمم المالية لكل من يكشف التحقيق عن ضلوعه أو تواطئه في ارتكاب هذه الجرائم.


وأكدت النيابة العامة، في بيان، أنها تلقت شكوى رسمية تقدم بها البنك المركزي الموريتاني، ضد أمينة صندوق عمليات تبديل العملة وكل من يكشف عنه التحقيق، وذلك إثر اكتشاف عجز في الصندوق، والعثور على عدد من الأوراق المزورة تحاكي أوراق عملة أجنبية.
وأضاف البيان أنه "على الفور باشر قسم مكافحة جرائم الفساد التحقيق في الشكوى وكلف مديرية مكافحة الجرائم الاقتصادية والمالية بالإدارة العامة للأمن بالبحث والتحري عن الوقائع المعلن عنها طبقا لمقتضيات قانون الإجراءات الجنائية وقانون مكافحة الفساد وقانون غسل الأموال".
وكشفت النيابة العامة أنها استمعت لعدد من موظفي البنك وأشخاص من خارجه وأوقفت عددا من المشتبه بهم، من بينهم أمينة الصندوق، وأكدت أنها تعمل "على اتخاذ جميع إجراءات الحجز والتجميد الضرورية لاسترداد تلك المبالغ، وفقا لقانوني مكافحة الفساد وغسل الأموال"، كما "سيحال كل من يثبت التحقيق ارتكابه أو مساهمته أو مشاركته في هذه الجرائم أمام القضاء المختص لينال ما يستحقه من عقاب". 
وحذرت النيابة العامة من خرق سرية الإجراءات ونشر وتداول كل ما يضر بمصلحة البحث أو يشوش على الرأي العام أو يؤثر على الحياة الاقتصادية.
بدوره، كشف البنك المركزي في بيان له، تفاصيل عملية الاختلاس وأوضح أن مصالح التفتيش بالبنك سجلت، الخميس الماضي، نقصا في أحد الخزانات الفرعية للعملة الصعبة بلغ 935 ألف يورو و558 ألف دولار. 
وأضاف البيان أن التحريات الأولية التي قامت بها مصالح الرقابة لدى البنك المركزي أظهرت عملية اختلاس في أحد الصناديق الفرعية للعملة الصعبة ارتكبتها المسؤولة المباشرة عنه، حيث اعترفت بشكل صريح بمسؤوليتها عن هذه الوضعية.

كشف البنك المركزي في بيان له تفاصيل عملية الاختلاس وأوضح أن مصالح التفتيش بالبنك سجلت الخميس الماضي، نقصا في أحد الخزانات الفرعية للعملة الصعبة بلغ 935 ألف يورو و558 ألف دولار

وأكد المصرف أنه "بادر برفع دعوى قضائية ضد المعنية بتهمة الاختلاس وخيانة الأمانة والتزوير واستخدام المزور، وتمت إحالة الملف إلى وكيل الجمهورية، وفتح تحقيق في هذه القضية من أجل تسليط الضوء على كل الجوانب المتعلقة بها وتطبيق الإجراءات القانونية في هذا الشأن".
وشدد البنك على أنه يلتزم "بالسرعة والصرامة والشفافية المطلوبة لمعرفة جميع المتورطين المحتملين في هذا الاختلاس، والتطبيق الصارم للعقوبات الإدارية المنصوص عليها على كل من يثبت تواطؤه من العمال أو تفريطه أو تهاونه في مسؤولياته".
وانتقد بيان المصرف ضمنيا ما قال إنه "نواقص في نظام الرقابة الداخلية تم استغلالها لتنفيذ هذه العملية"، وأعلن أنه سيقوم بـ"اتخاذ التدابير الضرورية لتعزيز تأمين الموجودات النقدية في الصندوق، والحد من المخاطر المرتبطة بالتعامل مع النقود".

وأكد أنه شرع في الترتيبات اللازمة لضمان تطوير ورفع كفاءة نظام الرقابة الداخلية، خاصة في ما يتعلق بتأمين موجودات الصناديق الفرعية لرفع مستوى اليقظة من أجل تفادي تكرار مثل هذه الثغرات واستغلالها مستقبلا.
ويبلغ الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية في موريتانيا مليارا و82 مليون دولار، حسب آخر تقرير للمصرف المركزي، ويغطي هذا الاحتياطي 6 أشهر من الواردات.
ويقول مسؤول مصرفي في حديثه لـ"العربي الجديد"، إن السرقة لم تتم من الاحتياطي النقدي الموجود خارج البلاد، بل إنها تمت من الجزء المخصص لتلبية الطلب اليومي على العملة الأجنبية على مستوى سوق الصرف المحلي.


وبخصوص من يراقب الاحتياطي، يشرح أن المسؤول عن إدارة التدقيق بالمصرف المركزي هي مسؤولة مراقبة الاحتياطي وهي القادرة على تحديد حجم المبالغ المختفية من خزينة المصرف.
ويوضح أن هذه العملية كشفت ثغرات في مراقبة خزينة احتياطي العملة الصعبة في المصرف المركزي، حيث لم تكن هناك عمليات تدقيق يومية ولا تفتيش روتيني كل ثلاثة أشهر، وذلك للتأكد من توافق الأرقام المكتوبة على الأوراق مع المبالغ الموجودة في الخزينة.
ويضيف أن ما يُقال عن تواطؤ المسؤولين عن الرقابة احتمال وارد، مشيرا إلى أنه من الصعب حدوث عملية اختلاس بهذا الحجم دون مساعدة من كبار المسؤولين، خاصة أن المسؤولة عن الصندوق والمتهمة الأولى في الملف حاليا ظلت تعمل في المنصب نفسه منذ عدة سنوات، في حين تجري الأعراف بتغييرها بشكل دوري، كما تم منحها صلاحيات واسعة.
وهذه هي أول عملية اختلاس في عهد الرئيس محمد ولد الغزواني، الذي وعد بحماية المال العام ومحاربة الفساد والمحسوبية.
ورغم الإجراءات التي اتخذتها الحكومات المتعاقبة في البلاد من أجل حماية المال العام، ما زالت موريتانيا تعاني من حوادث اختلاس أموال عمومية ما أثر سلبا على اقتصاد البلاد الذي يواجه تحديات ضخمة.
ويرى مراقبون أن التساهل مع ناهبي المال العام وتسوية قضايا الاختلاس بعيدا عن المحاسبة القانونية، يؤكد أن الدولة تحمي المفسدين وتحابي كبار المسؤولين عند التفتيش وتجعلهم فوق القانون.

هذه هي أول عملية اختلاس في عهد الرئيس محمد ولد الغزواني، الذي وعد بحماية المال العام ومحاربة الفساد والمحسوبية

ويعتبرون أن هذه الظاهرة التي تفشت منذ أن حكم العسكر موريتانيا في نهاية السبعينيات، رسخت مفاهيم خاطئة ومضللة واستغلت ضغط القبائل وثقل العشائر لحماية أبنائها المتورطين في الفساد حتى أصبح البعض يظن أن المال العام هو ملك خصوصي، يمكن التهرب من مسؤولية اختلاسه برد جزء منه أو بتدخل مسؤول كبير.
ويطالب المراقبون الحكومة بمحاربة اختلاس المال العام ومعاقبة النافذين المتورطين في قضاياه وكسر حالة التعمية المتعمدة عليها ومصادرة ممتلكات جميع المتورطين في اختلاس المال العام وتوجيهها لتحسين خدمات قطاعات الصحة والنقل والتعليم.
وكانت موريتانيا قد احتلت المرتبة 137 من أصل 180 دولة في مؤشر الفساد لتقرير منظمة الشفافية الدولية في العام الماضي، وحصلت على 28 نقطة فقط من أصل مائة نقطة، وفقا لتقرير منظمة الشفافية الدولية.

المساهمون