لعبة مكشوفة

15 أكتوبر 2015
الإعلام المصري يتذكر فجأة الأزمة الاقتصادية
+ الخط -

 

خلال الفترة الماضية كانت اللعبة بين الحكومة المصرية ودول الخليج في ملف المساعدات والمنح والقروض تتم على النحو التالي:

1- يخرج علينا مذيع مصري مشهور، أحد الأذرع الإعلامية المعروفة، ليصرخ بأعلى صوته "الحقوا البلد بتقع"، و"الأسعار ولعت"، والجنيه سينهار وسيصل سعر الدولار إلى 10 جنيهات، قبل نهاية العام، والبلاد اقتربت من حافة الإفلاس، وثورة جياع قادمة في الطريق، واحتياطي البنك المركزي من النقد الأجنبي انهار والسياحة "بح" والصادرات انس.

2- في اللحظة نفسها تخرج علينا صحف قريبة من السلطة بسلسلة ملفات وتحقيقات عن تفاقم أزمة مصر الاقتصادية، وتفاقم عجز الموازنة العامة للدولة وتدهور الوضع المالي، ترفق بها عدة أرقام عن هروب المستثمرين الأجانب، وإغلاق نصف مصانع مصر بسبب أزمة الوقود ونقص الغاز والروتين والتعقيدات الإدارية، وخروج آلاف الشركات التجارية والصناعية الكبرى من السوق بسبب المشاكل المالية.

3- يواكب الحملة الصحافية حملة مماثلة من قنوات فضائية عدة تتحدث نشراتها وبرامجها ومذيعوها عن وجود أزمة اقتصادية طاحنة في البلاد، وأن الاقتصاد القومي على وشك الانهيار، وأن سيناريو اليونان قابل للتكرار في مصر، وأن الحالة الاقتصادية لا تسر عدواً أو حبيباً.

4- يخرج علينا أحد وزراء المجموعة الاقتصادية، وليكن وزير الاستثمار، أشرف سالمان بتصريح مريب من حيث التوقيت، يقول فيه: "إن تخفيض الجنيه المصري لم يعد اختياراً في ظل الظروف الاقتصادية المحلية والعالمية حالياً، وإما أن نخفض سعر الجنيه أو نضحي بالاحتياطي الأجنبي". وهذا التصريح يقلب السوق رأساً على عقب ويؤدى إلى حدوث قفزات في سعر الدولار واختفاء الورقة الخضراء وتفاقم المضاربات وزيادة عملية الاكتناز.

وبعد ذلك يسأل بعضهم ببلاهة شديدة يحسد عليها: لماذا هذا التصريح المضر بالسوق والمدمر للعملة الوطنية، ألا يعلم الوزير مخاطر حديثه عن سوق الصرف وتدخله في إدارة السياسة النقدية وعمل البنك المركزي؟

المشاهد أو القارئ المسكين ينخدع و"يتلخبط" في الوقت نفسه بالحملات الإعلامية وتصريحات بعض الوزراء المريبة والغريبة، لأنه لم يفهم سر هذه الحملة المفاجئة وتوقيتها وأهدافها، ويروح يسأل بعفوية شديدة: هل عادت وسائل الإعلام إلى رشدها وبدأت تشعر بمعاناة المواطن المعيشية ولهيب الأسعار الذي يلسعه كل يوم، أم أن هؤلاء الإعلاميين خرجوا عن الخط المرسوم لهم، أم أن مهمة خداع الناس وتخديرهم وتغييبهم من وسائل الإعلام انتهت؟

ولماذا يطلق بعض الوزراء تصريحات حول سوق الصرف والقطاع المصرفي، وهم يعلمون أن هذه التصريحات تلحق أضراراً شديدة بالسوق ومناخ الاستثمار والاحتياطي من النقد الأجنبي؟

بالطبع، السلطة لا يهمها، كثيراً، أن ترسل، من خلال الحملة، رسالةً مفادها أن هناك معارضة حقيقة في البلاد باتت تعبر عنها وسائل الإعلام، فهذا الأمر لا يعنيها من قريب أو بعيد، لكن رسالتها موجهة في الأساس إلى دول الخليج "السعودية والكويت والإمارات" وهي "الحقوا البلد على وشك الانهيار، وأنقذوا مصر من الغرق حتى لا يعود الإخوان إلى حكمها، ولابد أن تتحركوا سريعاً قبل اندلاع ثورة جياع تهدد استثماراتكم في مصر، وكل المليارات التي منحتموها مصر، منذ منتصف 2013، ستذهب سدى إذا لم تقدموا مليارات أخرى وبشكل عاجل، والنتيجة حصول مصر على ما يقرب من 50 مليار دولار من المساعدات النقدية والنفطية منذ منتصف عام 2013 وحتى وقت قريب.

لكن هل هذا السيناريو قابل للتكرار، الآن، خصوصاً مع تذكر وسائل الإعلام المصرية فجأة أن هناك أزمة اقتصادية في البلاد، وأن هذه الأزمة لن تحلها لا تصريحات رسمية معسولة ولا مشروعات وهمية، وقد لا يصلح لعلاجها صوت الرصاص الحي والمعتقلات في يوم ما؟

هناك بالفعل أزمة اقتصادية طاحنة في مصر، لكن السؤال: متى كان الإعلام يهتم بها ويتحدث عنها بصراحة؟ 

السؤال: هل سيناريو "التفزيع" الحالي الذي يقوم به الإعلام وتسانده تصريحات مريبة لوزراء بهدف إثارة فزع دول الخليج قادر على تحقيق هدفه وحث هذه الدول على التحرك سريعاً وضخ مليارات الدولارات الإضافية في مصر وإنقاذ الاقتصاد المصري؟

لا أظن، ولا أظن كذلك، أن هذا السيناريو سيقنع دول الخليج لأسباب كثيرة، منها أن خزائن هذه الدول باتت خاوية بسبب تهاوي أسعار النفط، ولدى هذه الدول ما هو أهم، لديها حرب اليمن والحرب على داعش وملف سورية.

اقرأ أيضاً: الدّعم الخليجي المتآكل واحتياطي مصر الخطر

المساهمون