لعبة "التحطيب"... الفُتوة الراقصة

01 يناير 2016
(Getty)
+ الخط -
"التحطيب" رقصة أو لعبة استعراضية شعبية تنتشر في الصعيد، وقد عرفها المشاهد العربي عبر العديد من الأفلام العربية القديمة. ويرجعها بعض دارسي التراث إلى صورة البطل الشعبي المستمدة من سيرة أبو زيد الهلالي، بينما تشهد نقوش فرعونية ووثائق قديمة أن اللعبة أكثر عمقاً في التاريخ من السيرة الشعبية الشهيرة!

سميت هذه اللعبة القتالية التي تحولت في أحيان كثيرة إلى رقصة استعراضية بالتحطيب؛ لأنها تلعب بالحطب أو العصي الغليظة. وهي ترمز إلى القوة والفحولة، وتعتمد على القوة البدنية للرجال، وخاصة عضلات اليدين، وتعتمد أيضاً على خفة الحركة. وهي لعبة لا يتم تأدية التحطيب إلا بين الأصدقاء والمقربين، فلا يوجد فيها ثأر لهزيمة ولا تربص أو عداوة.
يهتم بها أهل الصعيد بصورة كبيرة، ويعرفها أهل الريف في الوجه البحري، ويحافظ عليها النوبيون فيمارسها الشباب بانتظام. وتقوم اللعبة على مبارزة بالعصي المتين المصنوع من سيقان نبات البردي أو الخرزان القوي (الشوم) تصل العصى لحوالي متر ونصف.

يقوم كل لاعب في البداية بتحية رفيقه، ويقومان برفع الشومتان بشكل متقاطع والدوران حول بعضهما لمدة أربع لفات، بعد ذلك تبدأ الجولة بالضرب بصورة خفيفة، كل واحد منهما يضرب على عصا زميله بالتتابع، مرة بصورة عرضية ومرة بصورة رأسية.


تزداد وتيرة الضرب شيئاً فشيئاً إلى أن تفلت عصا أحدهما أو تكل يده عن التصدى لعصا خصمه فتكون النهاية عبر توجيه الضربة القاضية في الخصر. وفي العادة تكون الضربة القاضية رمزية إلا لو كان اللاعب سيئ الخلق فإنه يهوي بعصاه بصورة مؤلمة على جسد رفيقه. وهو أمر غير متوقع إطلاقاً، لكن نذكره لأن المؤرخ الإغريقي هيرودوت ذكر أن المتبارين كانوا يصيب بعضهم بعضاً بإصابات قاتلة!

إقرأ أيضاً:10 مطربين مصريين صنعوا مجد الأغنية الشعبية

تمتاز لعبة التحطيب بأنها لعبة غير ثأرية، فلا يتبارى فيها سوى الأصدقاء، لأنها ترمز أيضاً إلى الألفة والمودة، لذا صار يطلق على لعبة التحطيب "عصاية المحبة" أو "غية الرجال"، وفي الأفراح والموالد يصطف الناس في دائرة حول المتبارين، وفي العادة يسبق المبارزة أو يتخللها عزف موسيقى شعبية بالمزمار والطبل البلدي، ويخرج اللاعبان متعانقان بعد المبارزة لينزل آخران غيرهما. وفي بعض الأحيان تكون المبارزة فوق ظهر الخيول المدربة.


ولأن هذا الفن يعدّ جزءاً من التراث والثقافة الشعبية الراسخة في الصعيد، فإن وزارة الثقافة المصرية تقيم مهرجاناً قومياً سنوياً في مدينة الأقصر للتحطيب، كما أنشئ في محافظة سوهاج (المركز الدولي لتعليم فنون التحطيب)، كما صدرت مؤلفات متخصصة حول اللعبة مثل كتاب (التحطيب فى الصعيد و تعليمه) للدكتور حسام الدين محسب الأستاذ بالمعهد العالي للفنون الشعبية.

إقرأ أيضاً: آلاف الأتراك يشاركون في انطلاق مهرجان الأناضول بكوبنهاغن
دلالات
المساهمون