لشبونة أسطورة تراث العواصم الأوروبية

05 نوفمبر 2015
قلعة سان جورج (Getty)
+ الخط -
تفتخر كل دولة في العالم بمدينة تكون عاصمة لها، نظرا لأهميتها الاستراتيجية، وترجع هذه الأهمية إلى عدة أبعاد، منها ما هو تاريخي، وما هو اقتصادي، وما هو سياسي.

وتتميز دولة البرتغال بمدينة لشبونة (LISBOA) التي تتخذها عاصمة لها، ويرجع تاريخ هذه المدينة إلى قرون خلت، فبالعودة إلى اسم لشبونة، يقال إن هذا الاسم مشتق من اسم بطل حرب طروادة "أوليس ULISSES"، وتحكي الأسطورة أنه عندما أنهى تلك الحرب، هام على وجهه وأخذ في البحث عن ابنه وزوجته، حيث امتطى أوليس قاربا صغيرا سعيا وراءهما، لكنّ الريّاح جرفته إلى أرض خالية قريبة من المحيط الأطلسي يمر عبرها نهر كبير، هو نهر تيجو "Tejo" كما سيطلق عليه لاحقا.


وهذه الأرض، تم منحها اسم "أوليشبونة" أي مدينة أوليس، التي تحوّلت مع الوقت إلى "لشبونة". تتميّز مدينة لشبونة بجغرافيتها الخاصة، حيث تقع على مرتفع كبير وقريب جدا من البحر الأطلنطي، كما تتميز بجو معتدل، وهذا ما جعل الفينيقيين، والرومان، والعرب، وبعد ذلك البرتغاليين، يعطونها قيمة كبيرة.

أثناء الفتح الإسلامي للجزيرة "الإيبيرية" أعطى العرب للشبونة اسمها الحالي، وترك دخول المسلمين إلى هناك الكثير من الأثر، ومن أبرز ما خلفّوه تلك المعالم الأثرية، كالقلعة الموجودة في الجبل، والتي سميت سابقا بـ "قلعة العرب"، أما الآن فيطلق عليها قلعة "سان جورج" تيمنا بالقديس جورج. وقد شيّدت هذه القلعة أثناء وجود المسلمين في المدينة، وتتميز بحصون متينة جدا، ذات أربعة أعمدة، ومركز للحراسة، ويوجد داخل القلعة باب كبير، كما تتوفر على طرقات منتظمة، وأبنية تمثل قاعات كبرى.

ويرجع الفضل في متانة وجمال هذه القلعة إلى البعد الثاقب للعرب آنذاك في تشييد القلاع المتينة لردع الغزاة. وما زالت قلعة سان جورج "SAN JORGE" اليوم من أهم المناطق السياحية لمدينة لشبونة، ومن أكثرها جلبا للسياح من كل بقاع العالم.

الموقع الثاني الذي يُميّز المدينة هو "طور دي بلين TOREE DEBELéM"، وهو موقع أثري يرجع إلى عهد الملك البرتغالي مانويل الأول سنة 1515 حيث شهدت فترة حكمه ازدهارا كبيرا بفضل الكشوفات الجغرافية التي وصلت إلى الهند.

يقع هذا الموقع الأثري في نهر "تيجو TEJO"، وهو برج طويل ذو أقبية صغيرة، تعمّه الزخرفة، ويتوفر على نوافذ صغيرة، وللوصول إليه لا بد للزائر من المرور عبر قنطرة، غير أن البرج يمسي أكثر جمالا وسحرا في أوقات الليل، حيث الأضواء تعطي للمكان شكلا آخر يمنح الزائر نهكة خاصة. كما يتيح موقعه رؤية نهر تيجو بوضوح، ويعتبر البرتغاليون برج بلين كبرج مثل "إيفيل" في فرنسا، إذ يمثل مكانا لالتقاء الناس والفسحة، كما توجد بالقرب من برج بلين حديقة يجتمع فيها الزائرون.

أيضا يمثل نصب تذكاري هناك، كما توجد قريباً من البرج تماثيل أخرى لعظماء البرتغال، ونجد على رأسهم الأمير هنري الملاح الذي يرجع له الفضل في الكشوفات الجغرافية، فهو من أشرف على الكشوفات الجغرافية لما وراء البحار، أي في القارة الأفريقية، ويليه العديد من عظماء البرتغال وهم على شكل سلسلة منتظمة.

من الأمكنة المهمة في لشبونة أيضا، ساحة الشاعر البرتغالي الكبير "لويش فاش دي كامويش" والتي تعتبر قلب مدينة لشبونة، وهي من الأمكنة التي تسحر العين، ويشعر القلب براحة أبدية وهو يرى الشاعر البرتغالي الذي مات كمدا.

ويتميز قصر "موشتيرو دو غيرونيموش MOSTEIOR DOS JERONIMOS" بشموخه إذ يرجع بناؤه إلى القرون الوسطى، فهو يمثل القوة البرتغالية، ويحضر الدين المسيحي بشكل كبير، حيث يلوح الصليب للناظر من على أحد الأبنية الطويلة لقصر "موشتيرو" حيث الأبنية الطويلة، وقبالة القصر توجد ساحة كبيرة، هي عبارة عن حديقة، تتوسطها ناعورة وتنتشر حولها الخضرة، إنه منظر لا يمكن وصفه إلا عندما يراه المرء بأمّ عينيه.

مدينة لشبونة مدينة تبهر عيون الزائرين، أحياؤها كانت وما زالت تمثل تراث المدينة، من أهمها حي "ألفاما ALFAMA"، وهو حي عرف بشعبيته الكبيرة، وخاصة احتضانه لموسيقى "الفادو" البرتغالية. هذا الحي حاضر إلى يومنا هذا، ولعل المغنية البرتغالية "أماليا رورديغيش" قد مثلته أحسن تمثيل من خلال غنائها.

أخيرا، يمكننا القول إن مدينة لشبونة مدينة أسطورية، مدينة تعبر عن الهوية البرتغالية التي كانت في يوم من الأيام تسود العالم. فهي تمثل أولا تراثا غنيا من حيث الأماكن التي يقف المرء أمامها مذهولا بهول الجمال والعراقة الضاربة في التاريخ.

(المغرب)
المساهمون