لسنا الجيل الأفضل!

03 سبتمبر 2015
لسنا الجيل الأفضل! (Getty)
+ الخط -
في الوقت الذي يتساءل أغلبنا، لماذا كنّا خير أمة أُخرجت للناس، وكيف تمتد هذه الخيرية لتشمل هؤلاء المتخلفين الذين يعيشون عالة على الإنسانية بلا اكتشافات، ولا اختراعات، ولا ارتقاء في سلم الحضارة، ولا شيء على الإطلاق، سوى الهمجية، والعنف، والتطرف، والاستهلاك، والتقليد، والتناحر فيما بينهم، ويدعمون أنظمة الجور والاستبداد في مواجهة حركات التحرر.


أصحاب هذه الرؤية النقدية، هم أنفسهم، أو أغلبهم، أصحاب نظرية خيرية جيل الربيع العربي، وأفضليته المطلقة عن كل الأجيال الفاشلة التي سبقته، أجيال الهزائم، والنكسات، والرضا بالقليل، والتطبيل للعساكر، وشرعنة استبدادهم، وفقهنته، وثقفنته، بل وجعله مكوناً وطنياً أصيلاً، يتجاوز الوطن من لا يرضى به ويسلم تسليماً.

هل صحيح نحن الجيل الأفضل؟ تتوقف الإجابة عما قدمنا، بنفس المنطق الذي يستنكر -عن حق- امتداد الخيرية إلى مسلمي اليوم، نحن خير جيل أخرج للناس، نحن أبناء المستقبل فعلاً؟ نحن من استطعنا أن نتجاوز ميراث الهزائم، والرجعية العربية، إلى آفاق من الحداثة، والتمدين، والحضارة، تعالوا نطبق على مصر.

جيلنا، هو الأكثر اتهاماً ممن سبقوه بأنه جيل "بايظ"، لن يستطيع فعل أي شيء، هذه الأسطورة تحطمت يوم الخامس والعشرين من يناير، يوم شاهدنا جيل الآباء على الشاشات ونحن نغير التاريخ، بدمائنا، وصدورنا العارية أمام رصاص العساكر ودباباتهم، ومجنزراتهم، ثم انضم بعضهم إلينا يوم الثامن والعشرين وما بعده، ليشهد الحدث، ويشهد لأصحابه.

فشلنا، ولم يتغير شيء، ربما يجادل بعضنا، وقد كان صاحب السطور منهم إلى وقت قريب، أننا فعلنا ما علينا، فيما تولى جيل الآباء إفساد ما أصلحناه، سلمناهم قياد ثورتنا، فأضاعوها، وعادوا بها إلى العسكر ثانية، مبررات معقولة، وحجج مريحة، لكن من سلمها للآباء، من فتح الباب أم حمدين، وأبو الفتوح، والبرادعي، ليغلقه أمام خالد علي (مثالاً لا حصراً)، مدعياً في حكمة الشيوخ أن المنصب لا يصلح له سوى عجوز "مكحكح"، من زايد على محاولات الشباب في التصدر، من هلل لشباب هم أضعف من فينا علماً وثقافة واستعداداً واعتبر ظهوراتهم الإعلامية، انتصاراً لجيل الثورة، بدلاً من أن ينكر تمثيلهم لحراك، أكبر بكثير من تفاهاتهم.

من دعم الشقاق بين حمدين وأبو الفتوح، من برر مواقف كل منهما وفقاً لانحيازاته، ولم يعلن بوضوح أن مرشحه لا يصلح، وأنه لن يدعمه ما لم يستجب لما قرره أصحاب الحق الأصيل في هذه الثورة؟

من أشعل مواقع التواصل سباً وشتماً وتقريعاً ومعايرة وتطييفاً واستدعاء لمؤامرات، واستجلاباً لمرارات، واستمناء لاحتجاجات ومظاهرات على لا شيء، من أجل لا شيء، ظناً منه بأنه ينتصر لمرشحه الذي هو بالضرورة الممثل "الوحيد" للثورة، دون غيره من المرشحين الأشرار؟

من يحمل اليوم راية الخصومة، والعداوة، والإصرار على الكراهية، دون التفكير، مدعياً أنه ومن معه، أصحاب الفرقة الناجية، دون غيرهم ممن خانوا الثورة بزعمه، لأنهم فعلوا وفعلوا، فيما لم يفعل هو إلا ما يطهره ويربأ به عن إنسانية هؤلاء الأرضيين، الذين لا يرقون لمجرد المقارنة بملائكيته السمائية؟

من حرق الأخضر واليابس، نكاية في خصومه، وقرر أن كل المصائر، أفضل من التحالف مع شركاء ثورته لأنهم، إسلاميون خونة، أو علمانيون خونة، من لطخنا جميعاً بالخيانة سوانا؟
هذا الجيل، جيلنا، يتحمل الكثير من المسؤولية عما آلت إليه الأحوال، ثورة بلا تخطيط، ولا أجندة، ولا قائد، ولا استعداد لأخذ زمام المبادرة، ولا استعداد لتحمل نتائج الأخطاء أو حتى مجرد الاعتراف بها.

يمكننا أن نعود خير أمة أخرجت للناس، كما يمكننا أن نعود للحظة يناير/ الثورة، تلك التي جعلت منا خير جيل أخرج للمصريين، فقط لو أدركنا أن لهذا شروطه، نحن نريدها مجاناً، فيما لم يخلقها الله للبؤساء.

(مصر)