أستيقظُ. أُوقف جرس راديو الساعة. 06:00. الملائكة تطوّقني. تسخر مني. أخلع بيجامتي. الملائكة تغضّ الطّرف عنّي . أُحرّك ساقيَّ قليلاً. أتوجّه إلى الحمّام. تتبعني الملائكة متضاحكة. تقرصني من ردفيّ. تُخرج ألسنتها في وجهي. أركض. أُقفل على نفسي في الحمّام. أنظر إليّ في المرآة المربّعة. ذقني غير حليقة. أفتح الصنبور. ينبجس الماء. يتدفّق. أغسل وجهي. أُكشّر في المرآة. أضع كريم الحلاقة. أتوقّف. أستدير نحو الراديو على الغسّالة. أدير الزر. فرقة فيلفت آندرغراوند تُغنّي "فينوس في الفراء" (Venus in Furs). أحلق دقني. بشرتي ناعمة. أرشّ الماء على وجهي. أمسح وجهي. أضع كولونيا ما بعد الحلاقة. أرسم على وجهي ابتسامة عريضة في المرآة. لديَّ الآن وجه جديد. أفتح الباب. أخرج. أنظر إلى الملائكة بغضب. تختفي الملائكة. الساعة 6:45 صباحاً.
الفطور
على طاولة المطبخ، أضع: فنجان القهوة، زبدة، مربّى المشمش، وعلبة ليكسوميل. الملائكة تضع خبزها العضوي، موزها القادم من بوليفيا، عسل أغادير الأبيض، وزيت زيتون دمنات. تأكل ببطء. أحتسي قهوتي. لا آكل شيئاً. أبتلع فيتامين السعادة. أُشعل سيجارة مارلبورو الصباحية الأولى. الملاك ذو الأجنحة الأربعة، الأصغر بينها، على الأرجح، يناولني المنفضة. تذهب إلى الشرفة. أضع الفنجان في حوض المطبخ، أنظّفه، أنظّف المنفضة. أعيد علبة المربّى إلى ثلاجتي الأميركية فيلكو. ألمّع حذائي. أرتدي الجينز وقميص قماش أسود. أمشط شعري. أعيد تمرير المشط في شعري. الشعر المغاربي، ليس ناعماً ولا جعداً، لكن يصعب تسريحه صباحاً. الملائكة منشغلة: شعر أسود ملائكي، دهني، بدلات برادا زرقاء غامقة، قمصان بيضاء مشدودة، ياقات إيطالية. ثلاثة أزرار مفتوحة من الخارج. أحذية سوداء مدبّبة. (إيطالية، على الأرجح). أضع خوذة الرأس. أركب درّاجتي. حقيبتي المصنوعة من جلد الجمل في الخلف. أنا متأخّر عن العمل. يوم مثالي. يطلق آيفوني.
المكتب
تتعقّبني الملائكة على دراجة سكوتر. تتسلّل من بين السيارات. تصرخ باسمي. أرفع صوت آيفوني. "يوم مثالي" يدوّي في رأسي. سباق محموم لا ينتهي. أتظاهر أنّني لا أرى شيئاً، لا أسمع شيئاً، لا أقول شيئاً. أتوجّه إلى مدخل البناية. أربط درّاجتي إلى شجرة. بيغ آبل إليكترونيك، الطابق الرابع. أصعد السلم قفزاً. أفتح الباب المعدني. أجد نفسي وجهاً لوجه مع رئيسي ميم وملائكتي المرتدية أزياء البرادا. أنتبه أنها تضع عطر Just Different لهوغو بوس. الملائكة تقرأ ما يجول بخاطري: لماذا اختيار عطر لاتيني؟ عطر باطني. عطر الملائكة المتمرّدين. تُستثار الرغبة بشذا النعناع المثلَّج وخشب الكشمير للحصول على عطر نابض. تحبّه النساء بسبب نداوته وتفرّده. هوغو بوس، ماء تواليت، 100 مل، 52 يورو. يخرج "ميم" صافقاً الباب. أتوّجه إلى مكتبي. تخبرني زميلتي في المكتب: "إنك متأخر، سيقتلك يوماً ما". بوتش كاسيدي وصندانس كيد معاً ضد رئيسي ميم. أطلق النار، بانغ، بانغ ! ذات الشعر الأحمر تنفجر من الضحك. يهتز صدرها الكبير دون أن تُحرّك كتفيها. برافو! حركة خفية باليد. تمسّد ملائكتي لها العنق وفروة الرأس. تكاد تطير من الفرح. ألقي بالملفّات السرية إلى قطّاعة الورق. أتثاءب. أرتّب عروض الطلبيات. أفتح حاسوبي. أتصفّح الإنترنت. ثم أستمع إلى موسيقى "العرّاب" التصويرية. ينتابني شعور بالخيلاء. أنظر إلى زملائي باستعلاء. تحوم الملائكة حول الفتاة ذات الشعر الأحمر التي أُحبّها كثيراً. منتصف النهار. أتوقّف عن العمل.
الرئيس
مكتب بيضاوي. أجهزة تكنولوجية متقدّمة. العمر 27 سنة. طويل القامة، وسيم، رياضي، أبيض اللون، شعر أسود حالك، وأعزب. في الصباح، يستمع دون كلل لفصول فيفالدي الأربعة. في الظهيرة، يخرج للغداء سيراً على الأقدام إلى المونديال: 10 يورو، طبق اليوم. يستغرق سيره 10 دقائق محسوبة من بيغ آبل إلكترونيك. في المساء، على جهاز ماكبوك الرمادي المعدني بسعر 1797 يورو يعيد مشاهدة فيلم: مواد أولية - "أوكي، أوكي، أوكي" لبروس نومان. بروس يدور حول نفسه مكرّراً دون كلل أوكي. يدور الرئيس حول نفسه مكرّراً دون تعب كاو كاو، يتوقّف بروس. يدور الرئيس، وهكذا داوليك. على المكتب البيضاوي توجد صور بيكيت، ميريديث مونك، وستيف رايش وصوره الشخصية. جميع الصور بالأبيض والأسود. الحجم 10 × 15. حجم بطاقة البريد، كما يُقال. الساعة 5:00 مساء. الرئيس يكاد يطير فرحاً. يُجري بعض المكالمات. يغادر. "إلى الغد"، يقول. يجيب الفريق "إلى الغد"، فيما تكتفي ذات الشعر الأحمر وأنا بالقول: "أوكي، أوكي، أوكي".
الفتاة ذات الشعر الأحمر
تبلغ ذات الشعر الأحمر 22 سنة. بشرتها في لون الحلوى. فتاة بهكنة. ولا تتوقّف عن الدندنة دوو، ددوو، ددوو، ددوو. ذات الشعر الأحمر تستثير الملائكة. يحومون حولها دون انقطاع. لو لم أكن صارماً معهم لخاطروا بإغمائها حتى يسعفونها فماً لفم. تثير الملائكة الريبة عندما يتعلّق الأمر بمتدرّبتي البدينة. يجثون بجانبها، وتحديداً، بالقرب من وجهها. يضعون أيديهم على جبينها. يسدّون أنفها بالضغط عليه بين الإبهام والسبّابة لمنع أي تسرب للهواء من أنفها الرائع. ستفتح الملائكة فمها قليلاً مع الإبقاء على ذقنها مرفوعة. سيُطبقون بأفواههم المفتوحة على فمها بالضغط بشدّة منعاً لأي تسرُّب. ثمّ سينفخون ببطء حتى يبرز صدرها النافر من تحت قميصها الأسود. هنا، سيلتقطون بسرعة أنفاسهم متطلّعين إلى نهديها الكبيرين وهما يعودان للاستواء. عند هذا الحد، ستختفي الملائكة عائدة إلى أسفل المبنى، مخافة إثارة غضبي الشديد. الفتاة ذات الشعر الأحمر مولعة بتجميع دمى مونستر هاي. ويحمرّ وجهها خجلاً عندما أعلّق على هوايتها. بالمقابل، عندما يتعلّق الأمر بالعمل، فإنها رائعة. فكلانا يقرأ أفكار الآخر. أحياناً، ينتابني الشك في أصولها. عادة لا تأكل سوى بلح البحر والبطاطس المقلية ولا تشرب سوى بيرة الكروسوندوك البلجيكية. لا تقرأ الفتاة ذات الشعر الأحمر سوى جيل دولوز. صوره وملصقاته تملأ جدران بيتها. وهي تغار غيرة شديدة من كلير بارني. تشاهد فقط الفيلسوف في الفيلم الوثائقي "ألفباء جيل دولوز"، متجاهلة الصحافية. - ماذا تفعل هناك ؟ تقول غاضبة. في هذا السياق بالذات، لا تهمّني الفلسفة ولا أخبار النساء السمينات، النحيفات أو عارضات الأزياء. الفتاة ذات الشعر الأحمر على النقيض من ذلك، ترتدي دائماً أزياء البانك روك. لا تلقي التحية أبداً على البوّاب الصيني مو الذي يُردّد طوال الوقت sié sié. هذه العبارة المكوَّنة من صائتين سرعان ما تغيظها. تستمع الفتاة ذات الشعر الأحمر إلى لو ريد في رويال ألبرت هول في البيت، وليس في المكتب، لأن ذلك غير ممكن. مستمتعة بأغاني Perfect day, Vicious, Roméo Had Juliette, Turn to Me, Ecstasy ...ثم تنام كملاك.
* ترجمة عن الفرنسية: ميشرافي عبد الودود
بطاقة
جلال الحكماوي شاعر من مواليد الدار البيضاء، يكتب بالعربية والفرنسية. من أعماله الشعرية: "شهادة عزوبة" (1997)، "اذهبوا قليلاً إلى السينما" (توبقال، 2006)، "ما لم أقله لآل باتشينو"، (مالستروم، بلجيكا، 2013)، "Perfect Day"، (بيت الشعر البلجيكي، 2017 ومنه القصائد المترجمة هنا). من ترجماته إلى العربية: "أرض مُطْلَقة"، لـ لوران غاسبار، و"أقبلا من الشمال: رامبو وفان غوغ" لـ فرانسواز لالاند، وغيرها.