لبنان: هل تمهد التطورات الأمنية لعودة الحريري لرئاسة الحكومة؟

08 يونيو 2020
الحريري استقال على وقع الاحتجاجات (حسين بيضون)
+ الخط -
أعاد جوّ التوتر الأمني، الذي خيَّم يوم السبت في عددٍ من المناطق اللبنانية، ولا سيما ضمن ضواحي العاصمة بيروت، نتيجة الاستفزازات الطائفية المتنقلة التي بدأها مناصرون لكل من "حركة أمل" و"حزب الله"، حركة المشاورات بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط ورئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري.

واستقبل بري في دارته في عين التينة، أمس الأحد، جنبلاط، الذي قال بعد اللقاء إنّه "أمام ما يجري إما على المرء أن يستسلم أو يتردّد أو يتابع، إننا لن نستسلم ولن نتردّد وسنتابع الحوار بالرغم من فداحة وقساوة الظروف خاصة الاقتصادية والمالية". وقال جنبلاط إنّ "بين ما جرى السبت في وسط بيروت وما حصل في الانتفاضة الأولى، فرق كبير. فما حصل أول من أمس ليس هو المشهد الذي رأيناه في السابع عشر من أكتوبر/تشرين الأول 2019، لكن علينا أن نستمرّ، ومع الرئيس نبيه بري دائماً ما نكتسب منه القوة في الاستمرار في الحوار وفي الصلابة لمواجهة المستقبل". وبعد ذلك بوقت قصير استقبل جنبلاط في دارته في كليمنصو رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، حيث استعرض الرجلان الأوضاع العامة والمستجدات على الساحة السياسية.

حركة جنبلاط، الذي تعرف عنه مبادراته الحوارية التي دائماً ما تبدأ من مقرّ رئاسة مجلس النواب، حوّلت الأنظار الى عين التينة – بيت الوسط – كليمنصو، والطبخة السياسية التي يجرى الإعداد لها واحتمال تمهيد خطة الثلاثي لعودة سعد الحريري رئيساً للحكومة وإسقاط حكومة حسان دياب التي لم تنل ثقة المحتجين، وينظر إليها على أنها صنيعة "حزب الله" وحلفائه.
ويقول النائب نزيه نجم، عضو "كتلة المستقبل" النيابية، لـ"العربي الجديد"، إنّه "عندما يجتمع القادة على وزن بري – جنبلاط – الحريري، فذلك يعني أنّ هناك بحثاً في استراتيجية معينة، أو على الأقل رؤية مستقبلية وتبادلا للأفكار التي تفيد لبنان على المستويات كافة وتحمي البلد أمنياً". ويشير إلى أنّ "أي كلام حول احتمال عودة الحريري إلى رئاسة الحكومة نحن معه ولا نعتبره أمراً خاطئاً، ولا سيما بعدما أظهرت حكومة حسان دياب فشلها في إدارة البلد سياسياً ومالياً واقتصادياً".

من جهته، يشير عضو "كتلة التنمية والتحرير" التي يرأسها بري، النائب قاسم هاشم، إلى أنّ "زيارة جنبلاط إلى عين التينة ليست أمراً مستغرباً أو جديداً، سواء من رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي أو مختلف القيادات السياسية، وخصوصاً عندما يستدعي الظرف السياسي والواقع الوطني مثل هذه الاجتماعات واللقاءات"، معتبراً أنّ اللقاء "أتى في توقيته المناسب، لأن التطورات الأمنية الأخيرة تستوجب مشاورات يبحث من خلالها حاضر ومستقبل البلد بغية الحفاظ على الاستقرار الأمني والوطني".

ويشدد هاشم، في حديثه مع "العربي الجديد"، على أنّ "الحديث عن عودة الحريري إلى رئاسة الحكومة هو سابق لأوانه، ولم يتم التطرّق إلى الموضوع، والظرف السياسي في هذه المرحلة بالذات قد لا يسمح بالقيام بخطوة مماثلة على الصعيد الحكومي، رغم الملاحظات التي نضعها على عمل الحكومة وطريقة تعاطيها مع الملفات، إذ إنّ بقاءها مطلوبٌ اليوم وضرورة وطنية كي لا نصل إلى فراغ وإشكالات نحن بغنى عنها".

ويكشف مصدر قيادي في "الحزب التقدمي الاشتراكي" مطّلع على جولة المشاورات، لـ"العربي الجديد"، أنّ "مشهد يوم السبت فرض نفسه على الساحة السياسية، وتم الاتفاق بين جنبلاط وبري هاتفياً على عقد لقاء سريع لإجراء تقييم للوضع وخطر الانزلاق إلى فتنة طائفية، والأجواء في البلاد لا يمكن لأحد أن يضمن مسارها في حال تفلّت الوضع".

ويشدد على أنّ "الحديث عن تمهيد عودة الحريري ليس دقيقاً، ولكن طُرحَ موضوع إجراء تعديل حكومي نتيجة وجود امتعاض كبير من بعض الوزراء غير المنتجين. الأفرقاء السياسيون يشعرون بأنّ هناك الكثير من المطبات التي يصعب تخطيها إلا من خلال تغيير معيّن، ولا سيما بعدما أثبتت الحكومة أنها بعيدة من هوية التكنوقراط أو الاستقلالية".
ويقول المحلل السياسي ومستشار الرئيس اللبناني السابق ميشال سليمان، بشارة خير الله، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الحوار ضرورة وطنية اليوم بين جميع الأفرقاء، ويجب أن ينتقل إلى المربّع الأساسي، أي قصر بعبدا، برئاسة الرئيس ميشال عون، استكمالاً للحوار الوطني الذي عقد عام 2006، واستأنفه الرئيس سليمان عام 2008، على أن تطرح فيه المسائل الأساسية، لأن الحوار الثنائي أو الثلاثي على حد سواء لا يكفي؛ فالمطلوب حوار جامع وسيادي لطرح أصل المشكلة، وهي عدم سيادة الدولة على قراراتها في ظلّ وجود حزب مسلح يهيمن على قرار السلم والحرب في البلد، وذلك بين أقطاب فاعلة من داخل السلطة وخارجها وحتى مع المجتمع الدولي، وبحث نتائج تدخل حزب الله في الحروب الإقليمية، واتخاذ قرار واضح وصريح حول سياسة الدولة اللبنانية المستقبلية".

ويرى خير الله أنّ "سعد الحريري يبقى ممراً إلزامياً لأي مؤشر استقرار حتى لو لم يكن رئيساً للحكومة. يجب ألا يتم إبعاده تماماً عن هذا الموقع من خلال حكومة من لون واحد يسيطر عليها (حزب الله) بالكامل، إذ إن الحريري هو الممثل الأكبر للطائفة السنية، وأقله يجب أن يأتي رئيس حكومة مدعوم منه، مثل الرئيس تمام سلام، قادر على التفاوض مع الجهات الدولية المانحة وصندوق النقط الدولي والعالم العربي والغربي الذي يعلم مدى سوء أن يدير (حزب الله) حكومة لبنان وحده ومن دون توافق مع باقي الأفرقاء".

وتخوّف اللبنانيون، السبت، من تكرار مشهد "7 مايو/أيار" 2008، يوم اجتاح "حزب الله" وحلفاؤه بيروت، بعدما تواجه مناصرو "تيار المستقبل" و"حزب الله" و"حركة أمل" في الشارع، ليل السبت، وترافق ذلك مع انتشار عناصر حزبية مسلحة في العاصمة اللبنانية، وبعد الإشكال الذي حصل عند تقاطع عين الرمانة – الشياح في ضواحي بيروت، بين شبان من المنطقتين، اللتين لهما رمزية في الذاكرة اللبنانية، لا سيما أنه انطلقت من هذا المكان الشرارة الأولى للحرب الأهلية اللبنانية.
المساهمون