لبنان من محرقة النفايات إلى محرقة التكليف!

16 ديسمبر 2019
+ الخط -
دار جدال كبير في العام الماضي بعد مؤتمر "سيدر" حول معالجة النفايات من خلال المحارق، حيث جرت حملات مناصرة عدة ضد ما سمي مشروع محارق النفايات وصفقاتها. استتبع هذا المشروع بعد انتفاضة 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019 من قبل السلطة ولكن بحلة جديدة تحت عنوان "محرقة مرشحي رئاسة الحكومة".

أدت انتفاضة 17 تشرين إلى حالة ارتباك لدى الطبقة السياسية اللبنانية، حيث جرت استقالة الحكومة من دون مخطط مسبق من قبل هذا الفريق أو ذاك، وحاولت الطبقة السياسية أن تستعمل الأساليب التقليدية في السياسة اللبنانية، ولكن لأنها انتفاضة غير تقليدية لم تتمكن من إطفائها.

كسرت هيبة هذه الطبقة السياسية، فقررت أن تحاول التعامل مع الأزمة بكثير من الدقة والحذر والدليل على ذلك أنه لأول مرة يحترق ثلاثة مرشحين لرئاسة الحكومة في شهر واحد. هذه المحرقة أسبابها متعددة، ويتحمل مسؤوليتها الفريقان الأقوى أو الفريقان المتخاصمان.


ماكينات المحرقة سببها من جهة خوف حزب الله وفريقه من التنازل لتشكيل حكومة اختصاصيين، وبالتالي تفادي مطالب جديدة مثال إسقاط رئيس الجمهورية، أي إسقاط حليفه الرئيسي، حيث الجو العام سوف يؤدي إلى رئيس تسوية، وهذا لا يناسب حزب الله في المرحلة الحالية..

التصميم على انتخابات نيابية مبكرة، وبالتالي حزب الله يملك الأغلبية النيابية حاليا، والسبب الثالث حكومة اختصاصيين حذر من نتائجها إن أخذت قرارات لا تناسبها استراتيجيا في السياسة الخارجية والداخلية، وأيضا حكومة كهذه قد تؤدي إلى إضعاف حلفائه، وخصوصا أنهم من كانوا مسيطرين على الحكومة في معظم الحقائب الرئيسية.

أما من المقلب الآخر، ففريق تيار المستقبل وحلفائه، ما يهمهم هو الاقتصاد بشكل استراتيجي أكثر من السياسة، وخصوصا أن أي انهيار اقتصادي سوف يتحمل مسؤوليته فريقه السياسي، ويعلم هذا الفريق أن أي حكومة "سياسيين" أو حكومة غير مرضي عنها إقليميا ودوليا لن تحصل على أي دعم إقليمي ودولي، وبالتالي سوف تكون حكومة الانهيار في لبنان، ويكونون بالتالي المسؤولين المباشرين عن هذا الانهيار، لذا هناك إصرار على حكومة اختصاصيين لضمانة الرضى الإقليمي والدولي لجلب الأموال والاستثمارات والتخفيف من الحصار غير المباشر.

لذا فإن فريق حزب الله وحلفائه يريد حكومة (تكنو - سياسية) إن أراد المشاركة ووجوداً سياسياً له، حيث يضمن أي خلل استراتيجي من ناحية أداء الحكومة من وجهة نظره، ومن ناحية وزراء "التكنوقراط" يكون له وجود غير مباشر يضمن الأغلبية داخل الحكومة ويضمن النقاط التي ذكرتها سابقا، ومن ناحية أخرى الفريق الآخر لن يمشي بحكومة كهذه إلا بقبول دولي وإقليمي وشعبي أيضا.

هذا التباين الظاهر في اهتمام فريق بالناحية الاقتصادية، والفريق الآخر بالناحية سياسية، هو تباين حاصل منذ انتهاء الحرب الأهلية، ولكن بعناوين مختلفة، من هنا حولوا محارق النفايات التي كانت أحد مشاريع الحكومة الماضية إلى محرقة مرشحي رئاسة الحكومة في زمن اللاحكومة، وهذه المحرقة مستمرة حتى الاتفاق على صيغة مشتركة للحكومة بقبول داخلي وخارجي، ولكن الوقت يداهم الجميع اقتصاديا، ما سيؤدي إلى صعوبة الحلول مع مرور الوقت مما سيؤدي إلى مزيد من الفقر والجوع والبطالة والعنف.

والتطور الجديد اليوم هو التعبير عن عدم رغبة مشاركة التيار الوطني الحر، أي فريق رئيس الجمهورية، وغدا حزب الله يعلن ذلك أيضا، وبالتالي أمام الرأي العام يتنصلون من المسؤوليات ولكن بالمضمون يضمنون عدم تشكيل أي حكومة تستفزهم، لأنه في أي حكومة ستتشكل سوف يكون هناك تمثيل لرئيس الجمهورية، وبالتالي تمثيل لهم بطريقة غير مباشرة، وأي حكومة ستتشكل يجب موافقة رئيس الجمهورية عليها، فلن تتشكل إلا بموافقتهم على الأسماء وبرنامج العمل.

فنحن ذاهبون إلى محارق من نوع آخر، والشعب ينتظر انتهاء النفايات السياسية، لكي تتعطل المحارق، وبالتالي الانطلاق بلبنان جديد أقل فساداً وهدراً وظلماً لشعبه على الأصعدة كافة.