تحقيقات "انفجار بيروت" والخطوات المقبلة!

12 يوليو 2021
+ الخط -

تحل قريبا الذكرى السنوية الأولى لانفجار مرفأ بيروت، الذي أوقع 211 "شهيدا" وأصاب نحو 6500 جريح، إثر اشتعال أطنان من مادة نترات الأمونيوم شديدة الانفجار، وهي جزء من حمولة كانت تقدر بـ2750 طنا، وفق تقديرات رسمية، بعد أن تم تخزينها في العنبر رقم 12، والتي كانت مُصادرة من سفينة رست في مرفأ بيروت ومُخزنة فيها منذ 2014.

هذا الانفجار الذي لن يذهب من أذهان اللبنانيين لعقود، وسيذكره التاريخ، وسيذكر كل مسؤول تحمل المسؤولية خلال فترة تخزينها أو أهمل أو كان مسؤولا مباشرا أو غير مباشر، أنه إحدى جرائم العصر، نتيجة الإهمال والاستهتار، ويعكس هذا البركان طريقة إدارة البلد منذ عقود حتى اليوم.

التحقيقات

لأول مرة يشعر اللبناني بتحقيق جدي، قاض مستقل، لديه إصرار، غير خائف، خارج إطار المحاصصة والتبعية القضائية في لبنان، يعمل على -استرجاع ولو الحد الأدنى لشفاء غليل أهالي الضحايا- استرداد هيبة السلطة القضائية وضخ الروح من جديد في جسد الشعب اللبناني، في ظل حالة التخبط واليأس الذي يعيشه المواطن.

تنقسم تحقيقات القاضي "البطل" طارق بيطار حتى الآن إلى ثلاثة أجزاء..

الجزء الأول: الإهمال والتقصير الذي حصل، ما فتح المجال لحصول الانفجار ضمن سيناريوهات مختلفة.

الجزء الثاني: الأسباب التي أدت إلى الانفجار، حيث أصبحت هناك فرضيتين هما الأكثر ترجيحا، بعد الحصول على التقرير الفرنسي، ولكنه ليس النهائي، بموضوع عدم حصوله نتيجة ضربة جوية، وأصبح التركيز على فرضيتين، إما عمل أمني ميداني، أو احتمالية التلحيم، حيث سيعمد القاضي على إجراء محاكاة للانفجار قريبا، كما استمع لسبعة شهود كانوا داخل المرفأ لحظة حصول الانفجار.

الجزء الثالث: إلى من تعود مادة الأمونيوم، ومن كان المستفيد منها.

هل سيكون هذا الملف قبلة جديدة لإحداث التغيير في لبنان، وكسر الانكفاء والاستعصاء السياسي الحاصل؟

الإدعاءات والحصانات

طلب القاضي بيطار الاستماع لافادات قادة أمنيين وسياسيين وقضاة حاليين وسابقين، جزء منهم متورط بالتقصير الوظيفي أوالاستهتار، والجزء الآخر بجرم القتل القصدي، إضافة إلى براءة جزء منهم، وهذا ما سيحدده القاضي وحده.

سار البيطار ضمن المسار القانوني المتوجب عليه لاستكمال الانتهاء من التحقيقات في الجزء الأول، وبدأت معركة رفع الحصانات، حيث ستكون قنبلة موقوتة بوجه كل من سيتهرب من إفادته، فدماء "الشهداء" والجرحى ما زالت في الميدان، وبشكل متواز المواطن اللبناني يذل على الطرقات، وأصبحت أدنى حقوقه غير مؤمنة، فلديه شحنة من الغضب، ولن يرحم في حال لمس أن هناك قاضياً شجاعاً يعمل على جلب الحقيقة والمحاسبة بقدرة قادر.

ما زال حتى اليوم بعض من في السلطة يناور للتهرب من رفع الحصانة تحت ذرائع مختلفة، خوفا من تمدد الادعاءات التي من الممكن أن تطاولهم شخصيا، ولحماية المدعى عليهم، ولأن كسر هيبة الحصانة سيفضي إلى كسر هذه الهيبة في ملفات أخرى أيضا، مرتبطة بملفات فساد وهدر المال العام وسرقة العصر الموصوفة.

السيناريوهات المقبلة

هناك سيناريوهات متعددة للمرحلة المقبلة، تتراوح بين الأكثر سخونة وأقلها حماوة..

السيناريو الأول: وهو الأقل فرصا، هو أن يجرى التعاون مع القاضي بشكل سلس ويتم وضع المتهمين والمقصرين وراء القضبان، ويتم شفاء غليل أهالي المتضررين من الانفجار وكل مواطن لبناني يتمنى بروز الحقيقة ومحاسبة المسؤولين عن تلك الجريمة.

السيناريو الثاني: أن تنتزع الحصانات بالقوة، وأن يجرى ضغط محلي وخارجي لاستمرار التحقيقات بالشكل المطلوب، ولكن ذلك سيدفعنا فاتورة ثانية لأنه إن استمرت السلطة بالمناورة والتشبث برأيها، فستعلن المواجهة، وبالتالي ستستعمل كل الوسائل لدحض هذا المطلب من جذوره وتفكيك الترابط والوحدة بين أهالي الضحايا.

السيناريو الثالث: الذي يمكن أن يكون بالتوازي مع الثاني إن لزم الأمر، لكل متضرر من التحقيقات في شقوق مختلفة التقصير والمسبب والمنفذ، وللأسف ستكون إحدى وسائلها اللعب بالأمن لاستبدال الأولويات، لإرسال رسائل، ولممارسة سياسة الترهيب والترغيب، وطبعا وضع الأجندة الطائفية على الطاولة لمحاولة إعدام القضايا الوطنية.

لبنان الجديد

بعد انكفاء ثورة 17 تشرين إلى حد ما، أعاد ما يحيي آمال المواطنين وهو العدالة بملف تفجير المرفأ، فهل سيكون هذا الملف قبلة جديدة لإحداث التغيير في لبنان وكسر الانكفاء والاستعصاء السياسي الحاصل؟

كل تلك السيناريوهات والفرضيات تؤشر على أن لبنان قادم على فترة ساخنة وعلى حرب العدالة.. هذه الحرب لن تكون سهلة.. ولكن من سيفوز؟ من سيستسلم أولا؟ هل سنرى لأول مرة مسؤولين وراء القضبان؟.

من المؤكد أن لبنان خلال مرحلة ما بعد السخونة لن يكون كقبله، بسبب الظلم الذي تفشى على المواطن اللبناني من كافة النواحي الاقتصادية، المالية، الاجتماعية والأمنية، ويعكس هذا الأداء أقوى انفجارات العالم التي هزت العاصمة بيروت، بسبب التقصير والإهمال والفساد واللامبالاة المستمرة من قبل السلطة السياسية، ما سيؤدي إلى انفجار اجتماعي وسياسي لن يطفىء نيرانه إلا توجه لبنان نحو الجمهورية الثالثة.