15 نوفمبر 2024
لبنان: لعبة المذهبية
دخلت الانتفاضة اللبنانية، المندلعة منذ 17 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، طوراً جديداً، أخرج جزءاً كبيراً منها عن السياق الذي قامت من أجله، وحرف مشاهد وحدوية كثيرة كانت شوارع المدن اللبنانية شاهدة عليها، وهو بالأساس ما أرادته السلطة الحاكمة، وربما نجحت، إلى حد كبير، في تطبيقه، خصوصاً مع مشاهد المواجهات اليومية التي باتت مناطق لبنانية عديدة ساحة لها، وتحمل في طياتها كثيراً من الخلفيات الطائفية والمذهبية التي خرجت الانتفاضة لخرقها.
مشاهد الخروج عن الطائفية والمذهبية كانت الإزعاج الأساسي للطغمة الحاكمة، وخصوصاً مع التقسيمات القائمة بين الزعامات اللبنانية، التي كانت قادرةً على التحكّم في شوارعها بقليل من إثارة النعرات الطائفية والمذهبية، الأمر الذي رأت أنها تخسره جزئياً خلال الأيام الأولى للانتفاضة. وعلى هذا الأساس، كان الخروج المتدرج للزعامات، في محاولة لاستعادة الشوارع إلى الحظائر الطائفية. الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، كان سبّاقاً إلى هذا الأمر، وظهر في الأيام الأولى للانتفاضة بخطاب تخويني للمتظاهرين، والتلميح إلى أجندات خارجية، وغيرها من التعابير الخاصة بالإمبريالية والصهيونية، التي يدرك أنها قادرة على دغدغة مشاعر مناصريه أو المتعاطفين معه، حتى لو كانوا يعانون من الضائقة الاقتصادية والظلم الاجتماعي الذي قامت من أجله الاحتجاجات. وإذا لم يكن هذا كافياً، فلا بأس من استحضار صراع مذهبي عمره أكثر من ألف سنة، وهو بالتأكيد سيكون أكثر فاعليةً من كل ما سبق. نجح نصرالله، إلى حد كبير، في إعادة سحب الشارع الشيعي إلى تحت عباءته، حتى إنه وضعه في مواجهة الشارع المنتفض، وهو ما تجلّى في الهجمات المتكرّرة على خيام المعتصمين في وسط بيروت، وتحطيم مراكز الاحتجاج في صيدا والنبطية.
على خطى نصرالله وغيره من زعماء الطائفة الشيعية، سار رئيس الحكومة المستقيل، سعد الحريري، لإعادة شد عصب الطائفة السنية حول شخصه ومطالبه التي لم تلبّها له الطبقة السياسية. ومع تكليف حسّان دياب تشكيل الحكومة الجديدة، وفي ظل مقاطعة زعماء الطائفة السنّية تسميته، استحضر الحريري، وغيره، فكرة "المظلومية السنّية" لتأجيج الشارع، وسحبه من جادّة "كلّن يعني كلّن" و"مكافحة الفساد"، إلى زواريب الطائفية والمذهبية، وهو أيضاً ما تمكّن منه إلى حد كبير، الأمر الذي انعكس مواجهاتٍ غير مسبوقة في مناطق لبنانية عديدة، ولا سيما في العاصمة بيروت التي شهدت صداماتٍ بين المحتجّين والقوى الأمنية، ذكّرت، إلى حد كبير، بالحرب الأهلية وأحداث السابع من مايو/ أيار 2008.
لا يمكن الجزم بوجود تفاهم ضمني بين الطبقة الحاكمة على مثل هذه الخطوات المتطابقة لاستعادة الشوارع إلى الحضن الطائفي، لكن النتيجة التي آلت إليها الأوضاع تصبّ في خدمة الطبقة الحاكمة، وفي إعادة عقارب الساعة إلى ما قبل 17 أكتوبر/ تشرين الأول، بحيث تنضوي شوارع الاحتجاج مجدّداً تحت العباءات الطائفية، ولا يبقى من مشهد مئات الآلاف في الشارع إلا بضعة آلاف، هم من الأساس متمرّدون على النظام الطائفي، وإنْ بنسبٍ متباينة.
العودة إلى "زمان الطائفية"، ووضع الشوارع اللبنانية في مواجهة بعضها بعضاً، كان السلاح الأمضى للنظام الطائفي الحاكم لإجهاض الانتفاضة الشعبية، بعدما فشلت كل الوسائل الأخرى في إسكات الهتافات الموجهة ضد جميع أفراد الطبقة السياسية، وها هو هذا النظام قد تمكّن من إعادة بناء المتاريس الطائفية ليعزل الحركة الاحتجاجية في شارع ضيق، ويكتم صوتها أمام الأصوات الأخرى الصادحة بكل مفردات التخندق المذهبي. أراد هذا النظام القول إن الشعب اللبناني ليس مؤهلاً بعد للخروج من تحت ظل زعاماته، وهو لن يعدم وسيلةً لتأكيد ذلك. وقد يكون كل ما تشهده الشوارع حالياً مجرّد بداية.
على خطى نصرالله وغيره من زعماء الطائفة الشيعية، سار رئيس الحكومة المستقيل، سعد الحريري، لإعادة شد عصب الطائفة السنية حول شخصه ومطالبه التي لم تلبّها له الطبقة السياسية. ومع تكليف حسّان دياب تشكيل الحكومة الجديدة، وفي ظل مقاطعة زعماء الطائفة السنّية تسميته، استحضر الحريري، وغيره، فكرة "المظلومية السنّية" لتأجيج الشارع، وسحبه من جادّة "كلّن يعني كلّن" و"مكافحة الفساد"، إلى زواريب الطائفية والمذهبية، وهو أيضاً ما تمكّن منه إلى حد كبير، الأمر الذي انعكس مواجهاتٍ غير مسبوقة في مناطق لبنانية عديدة، ولا سيما في العاصمة بيروت التي شهدت صداماتٍ بين المحتجّين والقوى الأمنية، ذكّرت، إلى حد كبير، بالحرب الأهلية وأحداث السابع من مايو/ أيار 2008.
لا يمكن الجزم بوجود تفاهم ضمني بين الطبقة الحاكمة على مثل هذه الخطوات المتطابقة لاستعادة الشوارع إلى الحضن الطائفي، لكن النتيجة التي آلت إليها الأوضاع تصبّ في خدمة الطبقة الحاكمة، وفي إعادة عقارب الساعة إلى ما قبل 17 أكتوبر/ تشرين الأول، بحيث تنضوي شوارع الاحتجاج مجدّداً تحت العباءات الطائفية، ولا يبقى من مشهد مئات الآلاف في الشارع إلا بضعة آلاف، هم من الأساس متمرّدون على النظام الطائفي، وإنْ بنسبٍ متباينة.
العودة إلى "زمان الطائفية"، ووضع الشوارع اللبنانية في مواجهة بعضها بعضاً، كان السلاح الأمضى للنظام الطائفي الحاكم لإجهاض الانتفاضة الشعبية، بعدما فشلت كل الوسائل الأخرى في إسكات الهتافات الموجهة ضد جميع أفراد الطبقة السياسية، وها هو هذا النظام قد تمكّن من إعادة بناء المتاريس الطائفية ليعزل الحركة الاحتجاجية في شارع ضيق، ويكتم صوتها أمام الأصوات الأخرى الصادحة بكل مفردات التخندق المذهبي. أراد هذا النظام القول إن الشعب اللبناني ليس مؤهلاً بعد للخروج من تحت ظل زعاماته، وهو لن يعدم وسيلةً لتأكيد ذلك. وقد يكون كل ما تشهده الشوارع حالياً مجرّد بداية.