لبنان: حرب شاملة على الخلايا النائمة

14 أكتوبر 2014
بات هناك تواجد لخلايا نائمة في لبنان (حسين بيضون)
+ الخط -

تحارب الدولة اللبنانية "الإرهاب" وخطره على طريقتها ووفق ما تراه مناسباً. تتحكّم تقارير أمنية بهذه الحرب وتنقلها من محافظة لأخرى، ومن منطقة لأخرى، فانتقل الحدث الأمني اللبناني من البقاع (شرقي لبنان) إلى الشمال، حيث ينفذ الجيش اللبناني منذ يوم الأحد الماضي حملة أمنية وعسكرية. وقد وصلت إلى مدينة طرابلس الشمالية، فرق من فوجي المغاوير ومغاوير البحر، وهما أكثر فوجين تدريباً وتجهيزاً في القوات المسلحة المقاتلة والخاصة في الجيش. ويبدو أنّ الوضع شمال لبنان خطر وحذر، لدرجة اضطرت فرقة من مغاوير البحر استحداث ثكنة لها عند المدخل الجنوبي لطرابلس، بالقرب من الملعب الأولمبي فيها.

سبقت هذا الحشد العسكري، عمليات دهم وانتشار نفذتها وحدات الجيش في أحياء مختلفة من طرابلس (شمال)، أهمها في منطقتي باب التبانة والقبة. تشكل التبانة، منذ 2005، حاضنةً وملجأً لمجموعات مسلحة معارضة للنظام السوري وحلفائه في المدينة، ومنها انطلقت أشرس المعارك من قبل أطراف طرابلسية ضد منطقة جبل محسن (المحسوبة على الطائفة العلوية ونظام البعث). أما القبة، فتشكل حديقة خلفية للتبانة، ومنها أيضاً كان تُفتح الجبهات المساندة لها بوجه "الجبل".

وكان الهدف الأمني لقيادة الجيش في هذه الحملة المستجدة، الحد من خطر "مجموعة أسامة منصور"، التي كانت تنتشر في التبانة ومتّهمة بالانتماء والتنسيق مع تنظيمات "إرهابية" خارج الحدود. نجح الجيش، سلمياً، في إزاحة منصور وجماعته الصغيرة المؤلفة من ثلاثين مقاتلاً من الواجهة، فترك منصور جامع عبد الله بن مسعود. وبجهد عدد من رجال دين منطقة التبانة، تمّ الاتفاق بين الجيش ومنصور، على إنهاء حال المظاهر المسلحة وإزالة المربع الأمني الذي كان يحيط بالمسجد. وفي وقت موازٍ، طوّقت وحدات من الجيش أماكن محتملة للجوء منصور وأبرز معاونيه، شادي المولوي، إليها، تحديداً في القبة. الأمر الذي منع خروج الشابين من التبانة، هما لا يزالان في هذه المنطقة على الرغم من إشاعات عديدة قالت إنهما غادرا لبنان إلى تركيا عبر مرفأ طرابلس.

في الشكل، حققت الدولة اللبنانية انتصاراً جديداً على الانفلات الأمني الحاصل في طرابلس، عبر ضبط منصور والمولوي ومحو هذه المظاهر المسلحة. تأتي هذه الخطوة بعد أشهر على تطبيق الخطة الأمنية الخاصة بطرابلس، وتحديداً الخطة الأمنية الخاصة بباب التبانة، إذ أوقفت الدولة في شهر مارس/آذار الماضي، أبرز قادة المجموعات المسلحة في التبانة واعتقلت أيضاً مسؤولين في الحزب العربي الديمقراطي في جبل محسن. لكن في المضمون، تبيّن لعدد من المسؤولين الأمنيين اللبنانيين، بعد تكبيل منصور ومجموعته، أنّ حجم "الخلايا التكفيرية" التي تسلّلت إلى طرابلس وشمال لبنان، أكبر بكثير من هذه الحالة، بحيث "بات اللعب مع الإرهاب على نطاق واسع وأخطر"، بحسب ما قال أحد ضباط الأمن لفعاليات طرابلسية لـ "العربي الجديد".

أموال وخلايا نائمة

لم يأتِ توقيت الحملة على مجموعة منصور من فراغ، بل مرتبط بمجموعة من التقارير الأمنية المحلية والخارجية والتي تفيد بأنّ التنظيمات المسلحة، تحديداً تنظيم "داعش" و"جبهة النصرة"، أسّست نفسها في شمال لبنان. أي أنّ هذه التنظيمات بنت خلايا عملية ونائمة باتت جاهزة للحركة والتمرّد متى يصدر قرار بذلك. ونتيجة العمل بهذه التقارير، كثّفت القوى الأمنية جهودها في الأسبوعين الماضيين، في طرابلس وعكار (شمال لبنان بمحاذاة الحدود اللبنانية ــ السورية). ودفعت هذه التقارير بقائد الجيش، جان قهوجي، إلى القول إنّ "داعش يريد إقامة ممر آمن إلى البحر من أجل ربط جبال القلمون في سورية بعرسال، ومن ثم بمنطقة عكار". توالت الاعتداءات الفردية على عناصر الجيش في الشمال، وفي الوقت عينه باشرت وحداته دهم مخيّمات للاجئين السوريين ومنازل لبنانيين مشتبه بدعمهم الإرهاب.

والأهم من كل هذا، أن القوى الأمنية اللبنانية أوقفت أحد مسؤولي التنظيمات المتشددة، وضبطت بحوزته مبلغاً مالياً تتجاوز قيمته 250 ألف دولار أميركي. كان الموقوف ضابط ارتباط وتجنيد، مهمته تقديم المال والمساعدات اللوجستية لعناصر وربما مجموعات غير معروفة بعد، وغير محدّد مكان وجودها.

تتوالى التحقيقات على هذا الملف منذ أكثر من أسبوع، من دون تسجيل أي تقدم. وجاء حسم ملف مجموعة أسامة منصور ليكشف أنّ قيمة هذه المجموعة على المستويين الأمني والمالي، محدودة جداً. وبالتالي "الحرب على الإرهاب" يجب أن تنطلق من مكان آخر، غير محدّد بعد، ما يعني أنّ الدولة اللبنانية تقود حرباً عمياء على خلايا نائمة لدرجة فقدانها الوعي. 

المساهمون