أزمة جديدة تطرق أبواب اللبنانيين، بعد الهاجس الامني، التردي الاقتصادي، اليوم موظفو القطاع العام مهددون بعدم تسليمهم رواتبهم.
المشكلة ليست في غياب الإنفاق، أو نقص الأموال، وإنما المشكلة في عدم قانونية تسديد رواتب موظفي القطاع العام دون إقرار الموازنة المالية للعام 2014.
في هذا الاطار، قال وزير المال اللبناني علي حسن خليل لـ"العربي الجديد": "سلمت الى مجلس الوزراء مشروع قانون الموازنة اللبنانية لإرساله الى المجلس النيابي لمناقشته، لكن غياب النواب عن حضور جلسات التشريع أدى إلى توقف جميع مشاريع القوانين"، مشيراً إلى أنه ملتزم بالقوانين المرعية والتي لا تجيز صرف أي مبلغ في ظل غياب الموازنة بعد إعدادها، قائلاً "لن أقوم بمخالفة القوانين وتسديد النفقات في ظل غياب الموازنة، وإن كانت هذه النفقات تتعلق بأجور ورواتب الموظفين، بالرغم من تضامني الكامل مع حقوق الموظفين".
انقسام غير مفيد
في ظل تردي الاوضاع الامنية والانقسام السياسي الذي يعيشه المجتمع اللبناني، والفراغ في سدة الرئاسة الاولى، وتعطيل في عمل مجلس النواب وتوقف العملية التشريعية، إضافة إلى مجلس وزراء غير قادر على معالجة شؤون المواطنين وهو ما أدى الى شلل تام في مؤسسات في الدولة، تغدو حياة اللبانيين أكثر صعوبة خصوصاً على مستوى لقمة العيش.
فالذي ينظر في كم المشاكل المعيشية التي يتخبط بها الاقتصاد اللبناني، يرى حجم المعاناة التي تلقى على عاتق اللبنانيين، من تقنين في التيار الكهربائي، إلى إضرابات عمالية للعديد من النقابات للمطالبة بزيادة أجورهم، حتى وصلنا اليوم الى التهديد بعدم دفع الرواتب والتعويضات نهاية الشهر الحالي.
واعتبر وزير المال اللبناني أن الانقسام السياسي في هذه المرحلة لم يعد يجدي نفعاً، لأن هذا الانقسام انسحب على امور المواطنين، طالباً من النواب التراجع عن مقاطعة جلسات مجلس النواب وإقرار مجموعة قوانين على رأسها اقرار مشروع قانون الموازنة، وإلا فإن الوزارة ستلجأ الى عدم دفع أي مستحقات مالية للوزارات أو الموظفين كونها تعد مخالفة للقوانين المرعية.
لن أخالف الدستور
وأوضح خليل أن مهامه كوزير للمالية لا تسمح له بمخالفة الدستور، حيث تنص المادة 85 من الدستور اللبناني على أنه: "لا يجوز أن يفتح اعتماد استثنائي إلا بقانون خاص، أما إذا دعت ظروف طارئة لنفقات مستعجلة، فيتخذ رئيس الجمهورية مرسوماً، بناء على قرار صادر عن مجلس الوزراء، بفتح اعتمادات استثنائية أو إضافية وبنقل اعتمادات في الموازنة، على أن لا تتجاوز هذه الاعتمادات حداً أقصى يحدد في قانون الموازنة، ويجب أن تعرض هذه التدابير على موافقة المجلس في أول عقد يلتئم فيه بعد ذلك".
وأشار الوزير الى أنه في ظل غياب لرئيس الجمهورية، لا يمكن تسديد النفقات، الا بإقرار مشروع الموازنة، نافياَ ما يشاع عن عدم توافر السيولة لتسديد النفقات.
الدعوة الى التشريع
ينظر البعض الى الدعوة لعقد جلسات تشريعية في ظل هذه الاوضاع السياسية القائمة على أنها مناورة من قبل فريق سياسي على حساب فريق آخر، خصوصاً في عدم التوافق على انتخاب رئيس للجمهورية، وأن وزير المالية يعمد الى تطبيق القوانين للضغط على الفرقاء السياسيين لعقد جلسات نيابية وعودة الحياة التشريعية الى طبيعتها لكسب دعماً سياسي لفريقه.
لكن الوزير لم يلحظ في قراره وقف تسديد الرواتب، أنه وبحسب القانون لا يمكن للحكومة التوقف أو التهديد عن دفع الرواتب والاجور وتعويضات نهاية الخدمة، فهي تعد ديوناً مترتبة على خزينة الدولة، ولا يتطلب دفعها إجازة مسبقة من مجلس النواب، ولاتخضع للقاعدة الاثنى عشرية المعتمدة حالياً في عملية الانفاق، بل يمكن للحكومة دفعها من خلال فتح اعتمادات دفع، وليس من خلال فتح اعتمادات تعهد.
هذه الصيغة بحسب وزير المال الذي أكد لـ"العربي الجديد"، انها تعد مخرجاً قانونياً لكنها ليست القاعدة، ولايمكن اللجوء الى الاستثناء في ظل وجود قاعدة قانونية واضحة، تتعلق بدعوة النواب الى المجلس النيابي للتشريع، وإقرار الموازنة.
غياب الموازنات
وبعد أكثر من 9 سنوات من غياب الموازنة العامة في لبنان، أطلق وزير المال الشهر الماضي، مشروع موازنة العام 2014، وأرسله الى مجلس الوزراء ليصار الى تسليمه الى المجلس النيابي، لدراسته وإقراره، وقد بدا لافتاً في مشروع الموازنة زيادة الانفاق، حيث سجلت نفقات الموازنة العامة 21927 مليار ليرة لبنانية ما يعادل 14.6 مليار دولار في العام 2014 مقابل 21229 مليار ليرة في مشروع موازنة العام 2013، وقد شمل الإنفاق اعتماداً بقيمة 5892 مليارات ليرة، لتسديد الفوائد على سندات الخزينة بعد أن كان المبلغ الملحوظ لهذه الغاية في مشروع موازنة العام 2013 يبلغ 5700 مليار ليرة.
وبلغت النفقات الجارية 19779 مليار ليرة بزيادة تقارب 4% مقارنة مع الاعتمادات الملحوظة في مشروع موازنة العام 2013 والتي بلغت 19041 مليار ليرة، وشكّلت بالتالي نسبة 90.2% من إجمالي الإنفاق و27.6% كنسبة من الناتج المحلي، كما شكل بند الرواتب والأجور أحد أبرز بنود الإنفاق الجاري خاصةً مع زيادة الاعتمادات المخصصة له نتيجة التوظيف الجديد في العديد من الإدارات العامة وانعكاسه المالي على مختلف التقديمات وتعويضات النقل واشتراكات الدولة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
الدولار الأميركي = 1500 ليرة لبنانية