لم تنته بعد الآثار الداخلية السلبية للاستقالة غير الطوعية التي أعلنها رئيس مجلس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، مطلع الشهر الماضي من الرياض، رغم تراجعه عنها. ورغم التزام معظم القوى السياسية التي شاركت في إنتاج التسوية الرئاسية، العام الماضي، عبر انتخاب ميشال عون، رئيساً للجمهورية، وتسمية الحريري لرئاسة الحكومة، بالعناوين الاقتصادية والسياسية لهذه التسوية، إلا أنّ مرحلة الغربلة السياسية التي يجريها الحريري لم تنته بعد.
يتهم الرجل الذي كادت مسيرته السياسية أن تنتهي بطريقة استثنائية وغريبة، "البعض بطعنه في ظهره". ولا تقتصر هذه الاتهامات على حلفاء الحريري منذ عام 2005 وحتى اليوم، ولكنها تطاول قادة ومسؤولين في "تيار المستقبل" الذي أسسه والده، رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري. وقد أكد الحريري الابن أنه "سيبُقّ بحصة كبيرة (بمعنى أنه سيكشف شيئاً هاماً) خلال مقابلة تلفزيونية مرتقبة الخميس المقبل، وسيسمي الأشياء بأسمائها".
وقال الحريري خلال لقاء شعبي في منزله قبل أيام "هناك من حاول طعننا في الظهر، وهم حين كانوا يردّدون مواقف تحدٍّ لحزب الله، ووجدنا في النهاية أنّ كلّ ما أرادوه هو الطعن بسعد الحريري". ووصف مراحل التحالف مع" هؤلاء بالقول إنها "بمثابة أكبر عملية احتيال علينا جميعاً". وإذ شدد على استمرار "ربط النزاع مع حزب الله"، يبدو الحريري اليوم أقرب إلى رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، وخلفهما "حزب الله" منه إلى حلفائه في فريق الرابع عشر من آذار.
ومن بين الشخصيات المتهمة بهذا المخطط، رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، والنائب السابق فارس سعيد، والوزير السابق أشرف ريفي، والمفكر رضوان السيد. وآخرون داخل "المستقبل" تتضارب الروايات حول أسمائهم ومواقعهم في التيار.
وإن غاب السبهان عن الساحة اللبنانية بعد عودة الحريري إلى بيروت، فإنه ترك هذه الشخصيات لمواجهة مرحلة تصفية الحساب السياسي مع الحريري. وتتفاوت التقديرات بشأن حجم هذه العملية. ويُنظر إلى "القوات اللبنانية" في هذا الإطار، كونها الطرف الأكبر والوحيد الممثل في حكومة الحريري. وقد اعتبر جعجع في أكثر من مناسبة أن الاستقالة من الحكومة غير مقررة وأن "أحداً لا يمكنه تحديد مصير مشاركة القوات في الحكومة إلا القوات أنفسهم". وذلك بعد أن صرح بعيد استقالة الحريري أنه "لا يمكن لأي طرف يحترم نفسه أن يبقى في الحكومة بوضعها الحالي (سيطرة حزب الله على لبنان)".
يفسر "تيار المستقبل" هذا التناقض بكونه ناتجا عن مشاركة جعجع بالانقلاب على الحريري، ثم محاولة التراجع بعد فشل العملية نتيجة التدخلات العربية (المصرية تحديداً) والأوروبية لتأمين السلامة الشخصية للحريري في الرياض، ومصيره السياسي، والاستقرار العام في لبنان. ومن الممكن أن يشكل هذا الغطاء الدولي عاملاً لتبريد أجواء التصعيد المرتقب بين "القوات" و"المستقبل" بعد مقابلة الحريري، وتحويل الانتخابات النيابية المقبلة في مايو/أيار المقبل إلى حلبة ديمقراطية لحل هذا الخلاف.
لكن استمرار معارضة وزراء "القوات" للعديد من الملفات التقنية والمالية في مجلس الوزراء قد يُقرّب موعد الخلاف إلى يوم الخميس المقبل الذي تجتمع فيه الحكومة لبحث ملف النفط الذي يعترض وزراء "القوات" على الكثير من تفاصيله.