تقف سيدة خمسينية مذهولة أمام أمين صندوق أحد محلات السوبر ماركت، في العاصمة اللبنانية بيروت، عندما طلب منها مبلغ 150 ألف ليرة لبنانية (نحو 100 دولار وفق سعر الصرف الرسمي)، وتقول بحزنٍ وغضبٍ "اشتريت القليل من المواد الغذائية الأساسية فأتت الفاتورة باهظة، كيف أستطيع أن أؤمن الطعام لأولادي الثلاثة والأسعار مثل النار ترتفع يومياً؟".
نعم "الأسعار مثل النار"، بجولة سريعة على عدد من المتاجر في بيروت يمكن أن تنفق 100 دولار لشراء 4 إلى 5 سلع من المواد الاستهلاكية الأساسية، بينما كانت تكلف سابقاً 50 وربما 40 دولاراً كحدّ أقصى، هذا من دون أن نحسبَ السلع الأخرى، سواء الثانوية أو المتعلقة بالبضائع المنزلية وأدوات التنظيف وغيرها، قبل أن نصل إلى المواد الوقائية للتعقيم والتطهير والتي قفزت مسجلة زيادة بنسبة 50 في المائة من سعرها الأصلي قبل انتشار وباء كورونا العالمي ووصوله إلى لبنان.
وبعد صدور قرار مجلس الوزراء اللبناني، مساء الأحد، بالتعبئة العامة وما تضمنه من تعليق العمل في الشركات والمؤسسات الخاصة والمحال التجارية على اختلافها، بقيت المطاحن والأفران وكل ما يرتبط بتصنيع وتخزين وبيع المواد الغذائية وغيرها من المواد الاستهلاكية الأساسية والمنتجات الزراعية والمواد الأولية اللازمة لها مفتوحة الأبواب لتسيير حياة المواطنين.
ولوحِظ أنّ عدداً من محلات السوبر ماركت خالية الرفوف في قسم المواد الغذائية، إما بسبب النقص الذي يشمل السلع المستوردة من الخارج، أو لجوء البعض إلى تخزين المواد وبيع جزء منها كي لا تنفد أمام هجمة الزبائن السريعة والكثيفة مع إصدار قرار التعبئة.
وعمد بعض المستهلكين إلى شراء مواد بكميات كبيرة خوفاً من نفادها، في خطوة حرمت كثيرين من حق شرائها، وفق رانيا نصور، التي أكدت أنها عجزت عن إيجاد الحليب لطفلها في عدد من محلات السوبر ماركت.
ومع إقبال المستهلكين على تكثيف الشراء، عزت مصادر مطلعة نقص السلع وارتفاع الأسعار إلى احتكار التجار بعض المواد الاستهلاكية، إذ عمدوا إلى تخزينها من أجل بيعها بأسعار مرتفعة كما كان يحصل مع ارتفاع سعر الدولار، الأمر الذي يتكرر مع إعلان التعبئة العامة وتهافت المواطنين على شراء المواد الغذائية، و"إرغام" أصحاب السوبر ماركت بطريقة غير مباشرة على رفع الأسعار لكسب بعض الربح.
لكن نقيب مستوردي المواد الغذائية، هاني بحصلي، قال في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد" إنه "يوجد في كل منطقة أكثر من أربعة محلات سوبر ماركت تقريباً يتنافس التجار على بيعها السلع والمواد الاستهلاكية، أما نقص السلع فيكون مؤقتاً إلى حين تعبئة الرفوف نتيجة توافد الناس الكثيف إلى الشراء".
وأضاف بحصلي أن البضائع موجودة عند التجار والمستوردين لفترة مريحة نسبياً، ولولا ذلك لما كنا دعينا أصحاب السوبر ماركت إلى فتح أبواب مؤسساتهم لساعات أطول تفادياً لتوافد الناس وتهافتهم في الوقت نفسه ومنعاً للاحتكاك، ما يعرضهم لخطر الإصابة بفيروس كورونا أو العدوى أو نقلها إلى الآخرين.
وعن ارتفاع الأسعار، اعتبر نقيب مستوردي المواد الغذائية أن "المواد الغذائية الأساسية لم تشهد أي زيادة في السعر، أو انقطاع، أما تلك المستوردة والثانوية فتم استبدالها من قبل أصحاب السوبر ماركت بأخرى شبيهة لها، لكن بماركة مختلفة وأسعار أرخص، وهذا ما يبحث عنه المستهلك والزبون في أزمات من هذا النوع، إنها أقرب إلى حرب صحية ليست بعيدة من تلك العسكرية أو الاقتصادية".
وتوقع بحصلي ارتفاع أسعار المواد الوقائية فقط، ما يستدعي أن تلعب جمعية حماية المستهلك دورها لقمع الاستغلال الحاصل بمخالفات رادعة، لافتاً الى أنّ سعر صرف الدولار يؤثر تلقائياً على ارتفاع أسعار السلع، سواء المستوردة أو المحلية.
من جهتها، قالت المديرة العامة لوزارة الاقتصاد، عليا عباس، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن مديرية حماية المستهلك تجوب على المؤسسات والمحال والأسواق للتدقيق في الأسعار وفواتير الشراء لأسعار المبيع لمعرفة هوامش الربح التي يجب ألا تتخطى 3 في المائة، وتنظم محاضر ضبط بحق المخالفين الذين تتجاوز أسعارهم نسبة الربح المنطقية، وعند تكرار مخالفتهم تتم إحالة محضر الضبط إلى القضاء مع تقديم اقتراح بإقفال المؤسسة.
وأشارت عباس إلى أن ارتفاع أسعار السلع الغذائية مرتبط بفوضى سوق سعر صرف الدولار، في الوقت الذي لا تزال فيه المصارف في لبنان تقيد عمليات التجار لسحب الدولار، ما يدفعهم إلى رفع الأسعار لكسب الأرباح، ويرتد تلقائياً على أصحاب المؤسسات.