تزحف تداعيات فيروس كورونا بشكل متسارع نحو القطاعات الاقتصادية المختلفة في مصر، التي تواجه بالأساس صعوبات كبيرة منذ عدة أشهر، ما يهدّد بانفجار اجتماعي، في حال عدم خروج الحكومة بإجراءات حقيقية لكبح ارتفاع الأسعار ووقف موجات تسريح متوقعة في القطاع الخاص، الذي واجه خلال السنوات الست الماضية، صعوبات كبيرة في ظل إقصاء متعمد من مؤسسات الجيش، التي أحمكت قبضتها على الكثير من المشروعات في شتى المجالات.
وتضع موجات الشراء المذعورة، من انتشار الفيروس واسع الانتشار، الحكومة في مأزق إمداد الأسواق بالمزيد من السلع، بينما تتخوف من تآكل المخزون الاستيراتيجي من المنتجات، دون أن يكون هناك رؤية لما هو قادم في مقبل الأيام، خاصة بعد دخول العالم في جزر معزولة، وسط تصاعد المخاوف من منع البضائع بعد حبس البشر داخل حدود الدول.
في هذه الأثناء خرج رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، ليعلن أمس الاثنين، أن الاحتياطيات من السلع الاستراتيجية "تكفي لشهور ولا داعي للتكالب على الشراء". لكن إعلانه هذا لم يقلل من مخاوف المصريين الذين تدافعوا نحو تخزين السلع بعد قرار تعليق حركة الطيران في جميع المطارات المصرية، اعتباراً من 19 مارس/آذار الجاري وحتى 31 من الشهر نفسه.
وشهدت الأسواق والمحال التجارية والمولات الكبرى في مختلف المناطق إقبال غير مسبوق، منذ السبت الماضي، على شراء كميات كبيرة من السلع، ما دعا بعض المتاجر إلى إغلاق أبوابها بعد نفاد الكميات.
وتركزت مشتريات المصريين على السكر والزيوت والأرز والبقوليات والمعلبات الغذائية، بالإضافة إلى المنظفات والأدوية المخصصة للأمراض المزمنة مثل أدوية القلب والضغط والسكر.
وبعد تعليق حركة الطيران يتخوف المصريون من تعطيل حركة النقل الداخلي، وفق محمود العسقلاني، رئيس جمعية "مواطنون ضد الغلاء"، مشيراً إلى أنه في حال حدوث ذلك سيحدث نقص في المعروض من السلع بالأسواق وترتفع الأسعار.
وقال عادل محمود، الذي يعمل موظفاً في إحدى الجهات الحكومية في القاهرة: "اشتريت لأسرتي سلعاً أساسية تكفي نحو شهر كامل، بينما لم يبق لديّ مال يكفي حدوث أي ظروف طارئة أخرى، الخوف من القادم هو ما دفعني مثل الكثيرين إلى هذه الخطوة، الحكومة عودتنا على مدار السنوات الماضية أن نواجه وحدنا مصيرنا مع الغلاء ونقص السلع وتردي الخدمات، وبالتالي لا نثق بحديثها الآن عن وجود مخزون يكفي لأشهر".
وتبدو أنظار أغلب المصريين موجهة هذه الأيام نحو توفير مخزون من السلع، بينما يحذر خبراء اقتصاد من أن البلاد مقدمة على ما هو أخطر في حال امتداد النطاق الزمني لتداعيات كورونا، الذي أصاب بالفعل القطاع السياحي في مقتل ليحجب موارده المالية، بينما يزحف نحو تقليص تحويلات المصريين العاملين في الخارج، وتجفيف منابع النقد الأجنبي القادم من حركة العبور في قناة السويس التي يتوقع أن تتأثر سلباً بانعزال الكثير من الأسواق العالمية وتراجع حركة التجارة المتبادلة.
ووفق إحصاءات البنك المركزي، بلغت إيرادات السياحة خلال العام المالي الماضي (انقضى بنهاية يونيو/حزيران 2019) نحو 12.6 مليار دولار، مقابل قرابة 10 مليارات دولار في العام المالي السابق له، بينما بلغت عائدات قناة السويس نحو 5.7 مليارات دولار ونحو 26 مليار دولار من تحويلات العاملين في الخارج.
ووفق خبراء اقتصاد، فإن هبوط تحويلات المصريين في الخارج، يعني انخفاض القدرة الشرائية لكثير من الأسر المصرية، كما يؤدي إلى توقف الكثير من الأعمال، ولا سيما في قطاعات الإنشاء والعقارات والتجارة التي كانت تعتمد على إنفاق المصريين في الخارج.
وقبل تعليق مصر رحلات الطيران، أغلقت الكثير من دول الخليج أجواءها أمام مصر، ما أدى إلى حبس الكثير من العمال الذين كانوا يقضون فترة إجازة في مصر، وهو ما تجلى في مشهد غير مسبوق، في وقت سابق من مارس/آذار الجاري حينما ظهر حشد كبير من المصريين أمام إحدى الجهات الصحية للحصول على تحليل طبي يثبت خلوهم من فيروس كورونا، وفق اشتراطات سعودية، قبل أن تعلن المملكة لاحقاً تعليق الرحلات من مصر وإليها.
وتأتي تداعيات كورونا، فيما يعاني القطاع الخاص من صعوبات بالغة، حيث أظهرت مؤشرات اقتصادية سيطرة الانكماش على القطاع الخاص غير النفطي، للشهر السابع على التوالي في فبراير/ شباط الماضي، ما يزيد مخاطر دخول البلاد في أزمة اقتصادية واجتماعية، خاصة مع ارتفاع معدلات الفقر إلى مستويات غير مسبوقة، جراء السياسات التي يتبعها نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ قرابة 6 سنوات.
ولم تكشف الحكومة المصرية عن آخر أرقام الفقر في العامين الأخيرين، مكتفية وفق بيان صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في يوليو/ تموز 2019، بإعلان ارتفاع معدلاته إلى 32.5 في المائة من عدد السكان، في نهاية العام المالي 2017 /2018، مقابل 27.8 في المائة لعام 2015 /2016، وهي أعلى نسبة للفقر منذ عام 2000. بينما أظهرت مؤشرات حديثة للبنك الدولي ارتفاع نسبة الفقر والفئات القابلة للدخول في دائرته بنحو 60 في المائة.
ومع انخفاض نشاط القطاع الخاص، فإن معدلات البطالة مرشحة للانفجار، كذلك فإن الموارد المالية للدولة، من الضرائب والرسوم المختلفة، قد تتراجع بنحو كبير، ما يزيد من الضغوط المالية التي تواجهها الدولة المثقلة بالديون الداخلية والخارجية.
ووفقاً لبيانات تقرير الوضع الخارجي للاقتصاد، الصادر عن البنك المركزي قبل نحو شهر، قفز الدين الخارجي للبلاد بنسبة 18 في المائة على أساس سنوي بنهاية الربع الأول من العام المالي الحالي 2019/ 2020 (نهاية سبتمبر/ أيلول) إلى 109.36 مليارات دولار، وارتفع الدين المحلي بنسبة 8 في المائة إلى 4.18 تريليونات جنيه (270 مليار دولار).
وفي مواجهة التهدديات الاجتماعية المحتملة جراء تداعيات فيروس كورونا، أعلن وزير المالية، محمد معيط، يوم الأحد الماضي، أن هناك تكليفات الرئيس عبد الفتاح السيسي، بزيادة أجور العاملين في الدولة خلال موازنة العام المالي المقبل (يحل في الأول من يوليو/تموز 2020).
ويتخوف خبراء اقتصاد من أن تؤدي "هذه الرشوة السياسية" على حد وصفهم إلى مزيد من التضخم وطبع النقود من دون غطاء حقيقي للإنتاج.
وأظهرت أحدث بيانات صادرة عن البنك المركزي، أن إجمالي النقد المصدر وصل إلى 544.7 مليار جنيه في ديسمبر/كانون الأول 2019، مقابل 480.1 مليار جنيه في الشهر نفسه من العام السابق عليه، ما يكشف عن طباعة قرابة 64.6 مليار جنيه خلال هذه الفترة لتدبير الاحتياجات المالية. وتظهر البيانات التي رصدها "العربي الجديد" أن قيمة ما طُبع من نقود منذ وصول السيسي إلى الحكم منتصف 2014 بلغت نحو 254.9 مليار جنيه.