تواصل "لجنة الحفاظ على مرج بسري" رفضها لمشروع سدّ بسري، بتنفيذها اعتصاماً وسلسلة بشرية فوق جسر بسري الرابط بين قضائي الشوف وجزين، شارك فيه النائبان بولا يعقوبيان وأسامة سعد، والأمينة العامة لحزب "سبعة" الإعلامية اللبنانية غادة عيد، ورئيس الحركة البيئية في لبنان بول أبي راشد، ورفع المعتصمون لافتات منددة بالمشروع ورافضة له.
السلاسل البشرية التي شهدتها بسري، وهي إحدى قرى قضاء جزين اليوم السبت، كانت وقوفاً في وجه مشروع السدّ الذي وصفه ناشطون بـ"المتوحش". وأوضحوا لـ"العربي الجديد" أنه "فصل من فصول كنا اعتقدنا أنه أصبح من الزمن الغابر، حين كان القرش الكبير يأكل الأسماك الكبيرة بلا رادع".
المشاركة المدنية كانت متواضعة في الاعتصام، وكذلك حزب سبعة الذي ارتدى ناشطوه لونهم الليلكي، اللذين اجتمعوا للاعتراض على قرار وزير الطاقة والمياه ندى بستاني خوري، بمباشرة الأعمال في مشروع سدّ بسري، وكأن كل الأصوات التي صدحت على مدى عقدين لم تستطع أن تُحدث أي صحوة في الضمائر.
وقال كلود حبيب وهو من أهالي بسري، لـ"العربي الجديد": "حين تولى الوزير اللبناني جبران باسيل حقيبة الطاقة زاره وفد من أهالي بسري ظناً منهم أن شعار "الإصلاح والتغيير" (شعار التيار الوطني الحر الذي يرأسه باسيل) سينقذهم من مشروع كارثي، ولكنهم لم يحصدوا غير الخيبة، لأن الوزير المعارض قبل أن يتولى السلطة تحول إلى مشارك ومصمم على تنفيذ هذا المشروع".
وتحول سدّ بسري إلى قضية مزمنة، بدأت مع محاولة القيمين على وزارة الطاقة في عهد الوصاية الأمنية السورية، إجراء صفقة سُميت حينها "صفقة العصر". ولم تنفع نداءات أهل الخبرة والاختصاص منذ ذلك الحين وحتى اليوم في تعديل الموقف الرسمي منه، وكان من بينهم خبير المياه فتحي شاتيلا، الذي فارق الحياة وهو يقول: "أوقفوا جريمة سد بسري. لا تغتصبوا عذرية هذه المنطقة لأن عشرات الملايين (الأموال) ستذهب سدىً في الأرض التي لا تستطيع أن تكون عصية على المياه، بسبب طبيعتها القابلة للارتجاج مع أي هزة أرضية".
لم يكن فتحي شاتيلا يغرد وحيداً مع بداية الألفية الثالثة في لبنان، على الرغم من أن القرارات كانت تأتي من عنجر (مقر القيادة الأمنية السورية) وتكسر أصوات المعترضين. وفي الذاكرة أنه في عام 1956 ضرب الزلزال لبنان ولا يزال اللبنانيون حتى اليوم يدفعون ضريبة تسمى "ضريبة الزلزال"، بعد أن صُنفت منطقة بسري بأنها تقع ضمن نطاق "فالق روم". هذا ما رواه لـ"العربي الجديد" رجل ثمانيني يقف مراقباً للمعارضة الجديدة القديمة، التي رفعت اليوم لافتة طويلة كُتب عليها "أنقذوا مرج بسري".
وافتتح رئيس التنظيم الشعبي الناصري النائب أسامة سعد، الاعتصام معتبراً أن "الحكومة لا تريد أن تسمع احتجاجات الناس في الشوف ولا توصيات عدد من النواب"، ومشيراً إلى أن "مشروع سد بسري يكلف أكثر من مليار دولار، أما البدائل عن المشروع، وفق الخبراء، فهي بكلفة نحو 250 مليون دولار".
كما طالب أن "تكون منطقة بسري محمية طبيعية على مستوى لبنان، ومن خلال الاستثمارات فيها يمكنها أن تؤمن فرص عمل كثيرة لأبناء الشوف وجزين وصيدا، لكونها منطقة سياحية من الدرجة الرفيعة، ولا يجوز تخريبها".
كما تحدثت النائب بولا يعقوبيان، عن التلوث البيئي في لبنان وكيف يتم استثماره سياسياً عبر الصفقات، داعية للمحافظة على طبيعة مرج بسري. وقالت: "إن الطبقة السياسية مستمرة بتدمير الطبيعة في لبنان".
بعدها ألقت الأمينة العامة لحزب سبعة غادة عيد، كلمة رأت فيها أن وزارة الطاقة لا تعرف قيمة هذه المنطقة الطبيعية وهي مصرّة على تمرير صفقتها الكبرى، متجاهلة العوامل الطبيعية وتقارير الخبراء، التي تؤكد بأن إقامة سدّ في هذه المنطقة غير ممكن، لأن طبيعة الأرض لا يمكنها تجميع المياه.
وحضرت عيد برفقة عشرات الناشطين في حزب سبعة، من مختلف المناطق، للتضامن مع حملة إنقاذ مرج بسري، مؤكدة أنهم سيواصلون وقوفهم إلى جانب اللبنانيين في معاناتهم "وفي وجه سلطة جائرة تدوس على آراء الخبراء وسلامة أرواح الناس، وتجبرهم على بيع أراضيهم بالسعر الذي تريد، وتهدر المال العام من خلال الإنفاق على مشاريع غير مجدية ولا تنفع إلا المصالح الخاصة وأصحاب الصفقات".
وقالت المشاركة في الاعتصام، الطبيبة والناشطة فاطمة حماصني لـ"العربي الجديد": "عندما نرى مكاناً يقترب إلى السماء بطبيعته التي لا تتكرر يريدون تحويله إلى مستنقع صفقات لتمرير مشروع فاشل. لا يسعنا إلا أن نقول حتى السلاسل البشرية لم تعد تحرك ساكناً عند أهل السلطة في لبنان".
في الختام شُكلت سلسلة بشرية امتدت في المنطقة، وغنى الناشطون النشيد الوطني وأغاني للطبيعة رفضاً للسدّ.