لا يؤلم الجرح إلا من به ألم

06 مايو 2016
+ الخط -
عندما كنا نتابع أخبار فلسطين، من على شاشة الجزيرة قبلاً، وما يعرض من مشاهد الأشلاء والجرحى في أثناء النزع الأخير المؤلمة، لا أنسى أحد المشاهد التي ظلت عالقة في مخيلتي حتى اليوم: فيديو لأحد الأطفال ممن جُرحوا بقصف الطيران الإسرائيلي، وقد كانت إصابته في الرأس، وكانت عيناه شاخصتين نحو الكاميرا، فخيِّلَ إليّ أن الطفل كان يقصدني بتلك النظرة. كما لو أنه يستنجد بي، لأغيثه مما هو فيه، فأنا ذلك العربي الأخ، وإن باعدتنا المسافة. هكذا تعلّمنا من أنظمة المقاومة والممانعة، قبل أن نُسقطها قناعاً وراء الآخر.
فما يتشكل عندي من انطباع مواساة وتضامن ومحاولة القضاء على حالة التقصير تجاه ما كان يجري في فلسطين، لا يعدو عن كونه نزوة، تنتهي إذا ما مضى على مشاهدتي تلك الأخبار بضع ساعات، إذ كنا نتقصد فعل ذلك (النسيان)، لإحساسنا بالعجز تارةً، ولأن ذلك لا يحدث بالقرب منا تارةً أخرى، كما يقول المثل الشعبي: حوالينا ولا علينا.
مذاك الوقت، لم أعرف ما كان يعيشه ذلك الطفل الفلسطيني المتروك، إلا من أعدائه، كما فعلتُ اليوم، بعدما مضى على معايشتي مجازر سورية أجمع، ومجازر حلب، حديثة الوقوع، خصوصاً، قرابة الخمسة أعوام، بلا من يكترث لذلك، وكأن الذي يجري في سورية ماءٌ لا دم. فلن تجد من يعبأ بمصابك، حتى لو صارت الدماء للركب، لن يفعل أحد شيئاً، حتى لو تشابهت مشاهد الناشطين السوريين التي يصوّرونها في حلب وإدلب ودرعا ودير الزور بمشاهد فيلم saw، لن يكترث أحد.
لذلك، علينا أن نعلم من الآن، وأن نتعلّم من ذلك الدرس، أنه: إن عزمتَ على القيام بثورة ما، عليك توديع الأحباب وتجهيز الكفن، وتوقّع فقد الأصحاب والأخوة، وعدم الإستنجاد بأحد نهائياً، فلن تجد من يلبي، فهي ثورتك أنت، ومشروعك الخاص، وأنت وحدك المسؤول عنه، فإما أن تموت، أو تكمل المشوار والصمود، أو أن تُدفن حياً إذا ما عُدت إلى الوراء.
لا يؤلم الجرح، إلا من به ألم.
avata
avata
أحمد أبو الجود (سورية)
أحمد أبو الجود (سورية)