لا والله ما هو حكم عسكر.. صدق السيسي!

04 يونيو 2015
سيحاكم العسكر يوماً ما على جرائمهم
+ الخط -
هل يجتمع الصدق والسيسي في سطر واحد، يحدث أحيانا. صدق وهو كذوب، عبارة يتداولها العرب، في مواقف كهذه، لا والله ما هو حكم عسكر، قالها الجنرال في سياق الدفاع عن العملية الانقلابية التي أطاحت المسار الديمقراطي، وانقضّت على ما تبقى من مكتسبات يناير، يكذب كعادته، إلا أنه هنا صادق من وجه، لعله كان يقصده، ساخرا في أعماق نفسه من هؤلاء الذين يتصورون أن حكمه تكرار لتجربتهم مع الحكم العسكري، المدني الواجهة والديكورات، ناصر، والسادات، ومبارك.

كانت النية مبيتة لوجه جديد من وجوه العساكر في مصر، أكثر فجاجة، وانفضاحا، من سابقيه، وأقل مراعاة لحدود اللياقة السياسية، بعض الرفاق يتصور أن تبييت النية، ووضوح الخط منذ البداية مستبعد، وينتمي في طرحه بهذا الشكل للتآمرية، كأن نظرية المؤامرة، تعني أنه لا يوجد مؤامرة على الإطلاق.

حتى تسريب السيد البدوي الأخير مع رجل من جهة أمنية – على الأرجح – كنت أعتد برواية استبعاد المؤامرة، بوصفها رواية لها من الوجاهة ما يستحق الحضور، والتجاور مع روايات أخرى في المجال الثوري العام، إلا أنه لا يمكنني بحال مع تراكم الأدلة، والقرائن، ووضوحها، حد البجاحة، أن ألتفت لقراءات تستبعد على العسكر، نواياهم منذ البداية بسحق الثورة، والإطاحة بأي مرشح غير عسكري تأتي به إلى سدة الحكم.


في التسريب، يتحدث رجل الأمن إلى السيد البدوي رئيس حزب الوفد، الطامع في ذلك الوقت أن يكون رئيسا للجمهورية بدعم الإخوان، عن أيام سوداء قادمات سوف تجعل المصريين يندمون على أيام مبارك التي كانوا لا يقدرونها حق قدرها، ويحذره من التحالف مع الإخوان، ويخبره بأنهم سيذبحون في غرف نومهم، ذبحا!

لاحظ، المكالمة كانت قبل الانتخابات الرئاسية الأولى، كما يدل إلى ذلك كلام البدوي، وطرف المكالمة الآخر، أي أنها كانت أيام الحكم العسكري، طنطاوي ورفاقه، والتخطيط الذي يتحدث عنه ضابط الأمن مفصل، وواضح، ومبيت، ويجري إخبار رئيس حزب الوفد به بوصفه حقيقة، دخلت مرحلة التنفيذ، وليس مجرد تصورات أو توقعات.

ضع أمام ذلك كل المآسي والمجازر التي حدثت وتحدث، كي يمكنك تصور أن السيسي كان صادقا حين أخبر بأنه والله ما هو بحكم عسكر، على الأقل في حدود تجربتنا مع العساكر، مجزرة ماسبيرو، أولتراس الأهلي في بور سعيد، شباب الوايت نايتس في استاد القاهرة، ناهيك عن مجازر غير مسبوقة في التاريخ مثل فض رابعة والنهضة..

تجاربنا مع الحكم العسكري في عهده الواحد، ورجاله الثلاثة، تقول إنهم يراعون المنظر العام، يخرجون جرائمهم بشكل أفضل، يفتحون مساحات من التفاهم مع معارضيهم، تضمن استمرارهم هم أنفسهم، لأكبر وقت ممكن.

مبارك مثلا كان يزور الانتخابات، لكن بطرق مختلفة، تنطلي على بعض الناس، ابتداء من العبث بالنسب، وحتى ترك الكلمة النهائية للصندوق، والحؤول دون وصول الناخب للجان التصويت بالتحالف مع البلطجية، السيسي يزور هكذا "خبط لزق"، الشوارع خالية حتى من المارة، إلا أن الملايين نزلت وانتخبته، التصويت ليومين، سنمدد يوما ثالثا، بالمخالفة للقانون والدستور، اخبط دماغك في الحيط!

القضاة أيام مبارك كانوا يحكمون في الأغلب بما ينص القانون، ثم تتولى أجهزة الأمن عدم التنفيذ، الآن يخبرك القاضي في وجهك، أنه لا يقيم للعدالة وزنا!

الفاسدون أيام مبارك كانوا يعملون من وراء ستار، الآن يعينون وزراء، ويخبرون الناس عيانا أن فسادهم "زحف مقدس"، ولن يستطيع أحد إيقافه!

الإعلاميون أيام مبارك كانوا يجتهدون في صياغة تأييدهم بحيل بلاغية والتفافية، الآن يخبرونك صراحة، نحن معه وإن قتل، لو حاولتم خلعه سنشعلها حربا أهلية!

المعارضون أيام مبارك كان يقبض عليهم، ضرب، سحل، كهربا، تعذيب، ثم يخرجون غالبا، على أرجلهم، الآن يخطف الطالب من الجامعة، يقتل، يلقى بجثته في الصحراء، هكذا، دون مواربة، صدق السيسي، لا والله ما هو بحكم عسكر، إنما عصابات!

(مصر)