عادة ما تتمسّك الأسر اليمنية بعاداتها وتقاليدها الخاصة في عيد "الأضحى". مع ذلك، قد يحرم البعض من هذه العادات الجميلة والبسيطة في آن معا، كارتداء الملابس الجديدة، وتقديم الحلويات التي تصنع في المنازل، وزيارة الأقارب، وإعطاء عيديات للأطفال، والرقص في الأماكن العامة. هذا العام، تغيب هذه الطقوس، وخصوصاً لدى النازحين بسبب الحرب الدائرة في عدد من المناطق.
خلال الفترة نفسها من العام الماضي، كان عدد النازحين يقدر بنحو 350 ألفاً فقط العام الماضي، ليصل حتى نهاية أغسطس/آب الماضي إلى 1.44 مليون شخص، بحسب المفوضية السامية التابعة للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
لن يكون سليم سميح قادراً على الاحتفال بالعيد كما جرت العادة. يسكن وعائلته في غرفة صغيرة في إحدى قرى محافظة حجة (شمال). يقول: "العيد هو أن نعود إلى منزلنا. بالكاد نجد ما نأكله، ولا يعنينا العيد في ظروف كهذه". يرى أن من الأفضل لعائلته البقاء في هذه الغرفة في العيد، وخصوصاً أنهم لا يعرفون أحداً في القرية.
يتابع سميح أنه في عيد الفطر الماضي، أجبرت طفلتي أسماء (ست سنوات) على عدم الخروج واللعب مع أطفال الحي حتى لا تحزن حين تراهم يرتدون ثياباً جديدة ويحملون اللعب. وحين كانت تسألني عن السبب، أقول لها إنني أخاف عليها بسبب الحرب. يقوم بأعمال بسيطة لتأمين الغذاء لعائلته، إلا أنه يعتمد بدرجة كبيرة على مساعدات المنظمات والجمعيات الخيرية.
هذا حال عبيد محمد (30 عاماً)، وهو أحد سكان محافظة صعدة التي تتعرض لقصف متواصل من قبل طائرات التحالف العربي والنازحين في محافظة عمران المجاورة. يسكن وأسرته في إحدى مدارس محافظة عمران. يعيش أوضاعاً صعبة في ظل عدم توفر فرص عمل، وعجزه عن تأمين الغذاء لأسرته. يقول: "استنفدت كل مدخراتي خلال الأشهر الماضية، حتى أنني بعت مجوهرات زوجتي وسلاحي الشخصي والجنبية (خنجر الزينة)". ويشير إلى أن السلطات المحلية في المحافظة تتجاهل معاناتهم، لافتاً إلى أنهم يسجلون أسماءهم لدى المنظمات الدولية من دون أن يحصلوا على مساعدات.
وفي ما يتعلق بالاستعداد للعيد، يؤكد أنه سيكون مثل أي يوم عادي، مشيراً إلى أن همه الأول توفير الغذاء لأسرته. يضيف أنه "لا معنى للعيد من دون زيارات الأقارب". في الوقت نفسه، يلفت إلى أنه ربما يزور النازحين، وخصوصاً أن معاناتهم واحدة. يبين محمد أن غالبية النازحين لا يستطيعون توفير متطلبات العيد، لكنهم يحصلون على بعض الملابس الجديدة لأطفالهم والحلويات من قبل فاعلي الخير". ويقضي أطفال النازحين نهار العيد في باحات المدارس، أو محيط المخيمات التي يعيشون فيها.
يشعر محمد بالحزن لأنه يقضي العيد الثاني بعيداً عن قريته ومنزله وأهله، علماً أنه على قناعة أن بقاء أسرته في المدرسة "أفضل من تعرضها للخطر بسبب قصف الطائرات والمدفعية"، متمنياً انتهاء الحرب في أقرب وقت حتى تعود الحياة إلى طبيعتها.
من جهتها، ترى إيمان الشيباني أن وضع أسرتها يعد أحسن حالاً من عائلات لا تجد مأوى أو طعاماً. هربت من الحرب من مدينة تعز (وسط) إلى قريتها الأصلية في الريف. تقول: "تركنا منزلنا في مدينة تعز التي تشهد حرباً منذ خمسة أشهر، ونزحنا إلى منزل أحد أقاربنا في القرية التي ولد فيها والدي"، مشيرة إلى أنها لا تشعر بأنها نازحة كونها بين أهلها. مع ذلك، تنتظر العودة إلى منزلها بفارغ الصبر.
هذا العيد لم تشتر لأطفالها ثياباً جديدة. اكتفت بغسل الملابس التي كانت قد اشترتها في عيد الفطر الماضي. لم تعد قادرة على شراء ثياب جديده بعد تضرر محلهم التجاري جراء القصف، والذي كان مصدر رزقهم الوحيد. تضيف أن عيدهم لن يكون مختلفاً، لكنها تأسف لأن أطفال أسرتها لن يستمتعوا بأجواء العيد كما في المدنية، في ظل عدم وجود حدائق وملاهٍ ومتنزهات في الريف.
وعن الدعم المقدم للنازحين خلال هذه الأيام، يقول المسؤول عن المعلومات في لجنة الانقاذ الدولية، محمد بستانجي، إن المنظمات الإغاثية الدولية لا تهتم بتأمين احتياجات العيد، وتكتفي بتقديم الخدمات الأساسية التي تبقيهم على قيد الحياة". يضيف أن "جمعيات خيرية محلية كانت تقدم الكساء واللحوم والحلويات خلال العيد، إلا أن كثيراً منها أغلقت أبوابها بسبب الحرب، وقد نهبت محتويات بعضها"، في ظل استمرار توقف التمويل الدولي المباشر لها، بالإضافة إلى اتساع رقعة الفقر.
ويوضح بستانجي لـ "العربي الجديد" أن تحول بعض مناطق مخيمات النزوح مثل حرض وحيران إلى ساحات قتال بين أطراف الصراع فاقم من معاناة النازحين.
اقرأ أيضاً: لن أتمكّن من تقبيل جبين أمي