كان أهالي غزة، والنازحون منهم، يتمنون ألا تعكر ظروفهم المعيشية الصعبة فرحة العيد. حين تسير في أحد أشهر أسواق غزة، وتحديداً في شارع عمر المختار، تجد أن الإقبال على المحال التجارية ضعيف جداً. في المقابل، لا حيلة أمام أصحاب المحال غير الشكوى. حتى مشهد البسطات لم يعد كما في السابق.
في الوقت الحالي، يعيش القطاع ظروفاً اجتماعية صعبة، في ظل انقطاع الكهرباء والمياه، عدا عن تلوثها، بالإضافة إلى الأوضاع المعيشية الصعبة في ظل الحصار الإسرائيلي والمصري المستمر. وتكاد أجواء فرحة العيد تغيب تماماً. يقول الغزاويون إنها الفترة الأسوأ على الإطلاق، على الرغم من كل ما كانوا قد عانوه خلال السنوات الماضية.
وحتى اليوم، ما زال عدد من العائلات التي هدمت منازلها في أحياء الشجاعية والزيتون وخزاعة وشرق رفح وبلدة بيت حانون يقطنون في كرفانات. في هذه المناطق، لا كهرباء أو مياه. وإن حدثت أية مشكلة أو عطل في كرفان، تنتظر العائلة أياماً وربما أسابيع لحله أو إصلاحه، ما يجعل هؤلاء يعيشون على أمل حل مشاكلهم في أسرع وقت ممكن.
خلال عيد الفطر السابق، كان النازحون يحتفلون لأجل أطفالهم الذين لا ذنب لهم. لكنهم اليوم، لا يستطيعون تحمّل الظروف الصعبة التي يواجهونها. حتى أن الأطفال بدأوا يشعرون بمعاناة أهلهم أكثر فأكثر. كأنهم تقبلوا أن العيد سيكون مختلفاً هذه المرة.
في منطقة النزاز في الشجاعية، ما زال عمران الحتو صامداً في كرفانه. ينتظر تحقق وعود إعادة الإعمار. حتى اليوم، لم يحصل على أي مبلغ لإعادة إعمار منزله، علماً بأن بعض جيرانه كانوا قد حصلوا على جزء من المبلغ. يضطر يومياً إلى شراء المياه من محطات التحلية لأنه لا توجد مياه في الكرفان. يقول لـ "العربي الجديد": "إننا عاجزون عن الاستحمام وارتداء ملابس جديدة في العيد. نريد للأطفال أن يفرحوا فيه، وخصوصاً أنهم محرومون من كل شيء". جلّ ما يتمناه أن يتحسن الوضع في الكرفان وتصل المياه، ويتمكن من إعادة بناء منزله، ولو غرفة واحدة منه.
وتجدر الإشارة إلى أن القاطنين في الكرفانات لم يحصلوا على أية مساعدات قبل العيد على غرار عيد الفطر السابق، علماً بأن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) تعاني من أزمة مالية، مما أثر على أوضاع الغزاويين. حتى أن تقديمات الجمعيات الخيرية بدت ضعيفة جداً لناحية توزيع المساعدات على العائلات، التي اعتادت أن تكفلها مثل عائلات الشهداء والأيتام. ولم يحصل عدد كبير من الأطفال على ثياب العيد.
وفي منطقة بيت حانون، يسكن محمد المصري وعائلته في غرفة رمّمها في منزله المدمر في ظل عدم وجود أية شقق للإيجار، وعدم حصوله على كرفان. يقول لـ "العربي الجديد": "لو استمر الحال على ما هو عليه، سنتوقف عن الاحتفال بالأعياد، وربما نثور لأننا لم نعد نحتمل".
ويشير المصري إلى أن أطفاله لم يحتفلوا، على غرار بقية الأطفال، في عيد الفطر الماضي. يعمل ممرضاً ولا يتقاضى راتباً، ولا يحصل على مساعدات لأنه موظف حكومي، على الرغم من أن أوضاعه المعيشية صعبة للغاية.
بدوره، يبيع أحمد عرفات بعض السلع على بسطة في شارع عمر المختار. لم يكسب مالاً إضافياً قبل العيد في ظل ضعف إقبال الناس على الشراء. يقول لـ "العربي الجديد": "في السابق، كنت أعيش في كرفان. إلا أنني تركته واستأجرت منزلاً". ولأنه صار عاجزاً عن تأمين بدل إيجار المنزل، ينوي العودة إلى الكرفان مجدداً. ففي ظل هذه الظروف، نسي العيد. أطفاله أيضاً لا يشعرون ببهجة العيد.
بعد مرور أكثر من عام على العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، ما زال 220 ألف غزاوي خارج منازلهم، بينهم 64 ألفاً يعيشون في كرفانات، ومائة ألف في بيوت مستأجرة، وتتولى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين دفع معظم المبالغ كل ستة أشهر. وعلى الرغم من اعتياد الغزاويين على زيارة أقاربهم وجيرانهم في الأعياد، يبدو أن الأمر سيكون مختلفاً هذه المرة، وخصوصاً أن منازل كثيرة قد هدمت، عدا عن الفقر.
اقرأ أيضاً: أراجيح في مخيمات سورية