لا طفل يشبه الآخر

02 ابريل 2016
دراسات كثيرة تدّعي اكتشاف "سرّه" (Getty)
+ الخط -

التوحّد. يبدو اليوم موضوعاً "على الموضة"، إذ تطالعنا دراسات كثيرة من هنا وهناك، تعيد هذا الاضطراب في النموّ إلى أسباب مختلفة. ويأتي ذلك ليربك أكثر أهالي الأطفال الذين شُخّص لديهم التوحّد. وهؤلاء ليسوا في حاجة إلى ما يزيد من قلقهم وأساهم.

يُحكى اليوم عن تزايد كبير في حالات التوحّد. ويُطرح السؤال: هل يرتبط ذلك بتحسّن التشخيص أم أنّ هذا الطيف يتمدّد بالفعل؟

يؤكد رئيس قسم الطب النفسي في مستشفى "أوتيل ديو دو فرانس" في بيروت، الدكتور سامي ريشا، أنّ "تحسّن التشخيص له دوره من دون شكّ، إلا أنّ الأمر يتعلّق بزيادة حقيقيّة في الإصابات. وهذا ما تؤكّده بيانات ودراسات حول العالم". ويشير إلى أنّ "معدّل نسب الإصابات في العالم يُحدّد بواحد في المائة. وهذا رقم مقلق. هذه هي الحال في لبنان أيضاً، بعدما كان قبل نحو عشر سنوات من أربعة إلى خمسة في كلّ عشرة آلاف". ويوضح أنّ "تحسّن التشخيص قد يفسّر بإصابات مضاعفة مرّتَين. لكن هذا الارتفاع المسجّل اليوم لا يُفسّره فقط ذلك التحسّن. ثمّة ما هو أكبر من ذلك".

ولأنّ هذا المرض الغامض يشغل الناس أكثر فأكثر، تتعدّد الدراسات التي تدّعي اكتشاف "سرّه" وتربطه بأسباب وأسباب. بالنسبة إلى ريشا، "ما تخلص إليه هذه الدراسات ليس سوى نظريات. لذا فإنّ مصداقيّتها محلّ تساؤلات".

ما الذي يؤدّي إلى التوحّد؟ يجيب ريشا: "نحن نعرف ما هي العوامل التي لا تؤدّي إلى التوحّد. وهي اللقاحات". تجدر الإشارة هنا إلى أصابع الاتهام كانت قد وجّهت إلى اللقاحات، لا سيّما تلك التي تُعرف بالثلاثيّة. ويؤكّد كذلك أنّ "الأمر غير مرتبط لا بعلاقة الطفل بأمّه ولا بعلاقته بأبيه. أيضاً، لا علاقة له لا بالأطعمة ولا بالالتهابات". ويتابع: "لكن من الممكن أن ترتبط بالتلوّث أو ببعض الأدوية التي تتناولها الأم خلال فترة الحمل، لا سيّما مضادات الاكتئاب والمهدّئات"، مشدّداً على أنّ هذه "ليست سوى نظريات" ومن ضمن إطار "الممكن".

عن انتشار التوحّد في مناطق معيّنة من العالم، مع استثناء البعض للقارة الأفريقيّة من الإصابة، يقول ريشا "في تشاد أو توغو على سبيل المثال، الأطفال الذين يعانون من التوحّد والذين يلعبون على الطرقات، لا يوجد من يهتمّ بهم. بكلّ بساطة لأنّه لا يوجد من يهتمّ حتى بالأطفال الأصحاء".



نسبة واحد في المائة، ألا تُعدّ شكلاً من أشكال الإنذار؟ "لا بدّ من أن تكون كذلك لدى أطباء الأطفال والمتخصّصين والمعنيّين. لكن للأسف، لا سياسة وطنيّة لدى وزارة الصحة ولا وزارة الشؤون الاجتماعيّة. في لبنان، الجهات التي تهتمّ بهذا الموضوع، هي جمعيات الأهل بالدرجة الأولى والمدارس المتخصصة. صحيح أنّ الوزارتَين تساعدان بشكل من الأشكال، بيد أنّ لا نظرة واضحة شاملة للموضوع ولا سياسة واضحة على أساسها".

من جهة أخرى، يلفت ريشا إلى أنّ "ثمّة تحسّناً يُلحظ، وهو إضافة ورقة في السجلّ الصحي للطفل قبل نحو شهر من اليوم، لملاحظات طبيب الأطفال الخاصة بصحة الصغير النفسيّة".

وعند سؤاله عن كيفيّة توجيه أطباء الأطفال، الذين كانت الشكوى حول إغفالهم توحّداً ممكناً لدى طفل ما، يجيب أنّ "في الفترة الأخيرة، لا يُعقد مؤتمر خاص بطبّ الأطفال، إلا ويُصار إلى التطرّق فيه إلى التوحّد. كذلك في كليات الطبّ، يُصار إلى التركيز على ذلك، مع الأطباء الذين يتخصصون بطبّ الأطفال".

ويوضح أنّ الأعراض التي تُعدّ إنذاراً هي "كلّ ما لا يتطابق مع المعتاد والطبيعي. مثلاً الاتصال البصري بين الطفل ووالدته، وكذلك عدم تطلّعه إلى ما تنظر إليه والدته، وعدم الكلام... كلّ ما لا يُصنّف نموّاً عادياً. وهذا أمر لا يمكن عدم ملاحظته، لذا يجب مراجعة الطبيب والإشارة إلى ما يحصل للتأكّد من إصابة الصغير بالتوحّد أم لا". ويلفت إلى أنّ الأعراض يمكن ملاحظتها خلال السنة الأولى من عمر الطفل، ابتداءً من الشهر الثالث.

ويشدّد على أنّه "كلما كان التشخيص مبكراً، كانت الأمور أفضل، لجهة توفير علاج أفضل. ويمكن التأكيد أنّ التشخيص المبكر تحسّن اليوم في العالم. عندما كنت لا أزال طالب طبّ، قبل عشرين عاماً، كان التشخيص يأتي في السنة الخامسة أو السادسة من عمر الطفل. أما اليوم، فيحصل ما بين السنتَين والثلاث". لكنه يشير إلى أنّ ذلك "يأتي في نطاق المدن، أما في المناطق والأطراف، فلا يمكننا التأكيد. فيها، حتى اللقاحات الأساسيّة كثيراً ما لا يحصل عليها الصغار. لذا لا بدّ من نظرة وطنيّة شاملة وبالتالي سياسة واضحة".

إلى ذلك، يؤكّد ريشا أنّ "التوحّد هو حالات عديدة من الإعاقة في التواصل لدى الطفل. لذا نتحدّث عن طيف توحّد. الحالات تختلف لدرجة أننا نقول أنّ لا حالة تشبه أخرى ولا طفل يشبه آخر".

دلالات