لاءات المعارضة السورية لسوتشي بطعم "نعم"

27 ديسمبر 2017
+ الخط -
فتحت المعارضة السورية الأبواب على مصراعيها لكل التكهنات المتعلقة بقرارها حضور مؤتمر سوتشي من عدمه، إذ هذه المرة لم تتراشق كيانات المعارضة الاتهامات فيما بينها، في مشهدٍ اعتاده الشارع السوري، قبيل كل حديث عن مؤتمر أو اجتماع يلوح في الأفق، حتى عندما لا يكون النظام طرفاً صريحاً فيه، وهو ما حصل، مثلاً، لدى تشكيل منصة موسكو، وفي مؤتمر القاهرة 2 لعام 2015، مروراً بلقاءات موسكو من العام نفسه. وكما هو معلوم، فإن الأوساط النافذة في "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة" كانت رفضت الاعتراف بمنصتي القاهرة وموسكو جزءا من المعارضة، كما نظرت بتشكّكٍ إلى ورشات العمل التي أقيمت في عواصم أوروبية، وكان غرضها مناقشة قضايا الدستور والانتخابات، بل إنها أثارت الشبهات بشأن المشاركين بهذه الأنشطة، ودعت إلى محاسبتهم، ويجب أن يحاسبهم "الائتلاف" الذي ظل سنواتٍ يعتبر نفسه الممثل الشرعي الوحيد للمعارضة السورية.
اختارت المعارضة، في هذه المرة، أن تقدّم إجابات مرنة بشأن مؤتمر سوتشي، يمكن أن تحمل معنى القبول، بقدر ما تحمله من إمكانية الرفض. هكذا رأى فريق مسار أستانة أن الموقف سيأتي بعد التشاور مع الكيانات والمنظمات الثورية والمدنية، وبحسب ما سيوفره المؤتمر من مخرجاتٍ تسهم في دفع مفاوضات جنيف. أما وفد الهيئة العليا للمفاوضات، فإن إجابته اقتصرت على ضرورة العودة إلى رأي مكوناته، مختصراً الطريق، بدل طرح تساؤلاتٍ عن المؤتمر، من شأن إجاباتها أن تساعده في تكوين رأي موحد لكامل الأعضاء بناء على ذلك.
وهذا يعني، في إجابتي وفدي أستانة والهيئة، أن المرجعية في تحديد الموقف من مؤتمر سوتشي تتوقف على مدى تعاون الجهة الداعية إليه، وإمكانية تشاركيتها معهم، وليس من مبدأ ما طرحه الائتلاف والجيش الحر في (2 أكتوبر/ تشرين الثاني 2017) في بيان مشترك، وهما من مكونات الوفد التفاوضي، ويمثلان قرابة نصف عدده، بأن الدعوة إلى سوتشي تمثل التفافا على مفاوضات جنيف، وأنهما لن يشاركا فيه.
هكذا، ثمة أسئلة مهمة مطلوب الإجابة عليها، تسبق موافقة المعارضة على حضور مؤتمر سوتشي، أو عدم ذلك، منها: أولاً، من هي الجهة التي تقرّر أسماء المعارضين المدعوين، وما هي نسبتهم إلى كامل عدد الحضور؟ ثانياً، كيف سيتم تشكيل لجنة صياغة الدستور؟ هل بناء على التمثيل العددي للحضور من المعارضة والنظام؟ وأين يمكن تصنيف الأحزاب المرخّصة لدى النظام، والتي تعمل بتمويل منه وبرعايته، تحت مسمى معارضة الداخل؟ ثالثاً، هل سيتبنّى المؤتمر القرارات الدولية ذات الصلة بالصراع السوري مرجعيةً، أم سينشئ مرجعيته الخاصة؟ وهل سيكون حضور الأمم المتحدة بهدف أخذ العلم، أم أنها ستكون ميسرة بين الأطراف، وتعيد إنشاء قرار أممي جديد على نحو ما فعلت بالقرار 2254؟
واضح أن الإجابات على كل هذه الأسئلة شبه محسومة لدى الجانب الروسي، الداعي إلى المؤتمر، لكن المعارضة تريد تجنّب الدخول في تفاصيل من شأنها أن تعكّر ما تعتبره إنجازاً لها في جولة جنيف 8، التي لم تحدث أصلاً، حيث يعتبر الوفد المعارض أنه حقق إنجازاً تمثل في مفاجأته العالم بوحدته، وأنه أنجز جولةً أكثر واقعية من سابقاتها، مع أن الجميع يعلم أن هذه الجولة فاشلة، مثل سابقاتها، وأنه لم تحدث فيها أية مفاوضات.
إذاً نحن إزاء لغة تجديدية في أوساط كيانات المعارضة السائدة، تعتمد المرونة والتروّي في اتخاذ القرارات، ليس بسبب ضبابيتها، ولكن لأن هذه القرارات اليوم لم تعد مرتبطةً بقرار الكيانات، قدر ارتباطها بالجهات الدولية والإقليمية التي ترعى هذا المؤتمر، وتتقاسم سلفاً ثمار نتائجه، لجهة مصالحها أولاً، ومن ثم إسقاط هذه النتائج على تقاطعات الكيانات التي تجمعت ضمن وفد الهيئة، أو في محيط عملها، كحال وفد أستانة، مع اختلاف الجهات الراعية لهم. ومن هنا انتقل الخلاف من بين الكيانات بعضها مع بعض، ليصبح بين الحاضنة الشعبية، من جهة، والكيانات السياسية والفصائلية، من جهة أخرى. وبناء على ذلك، انطلقت حملات شعبية ترفض مؤتمر سوتشي، وتضع المطبّعين معه في خانة المهادنين لنظام الأسد، والمتعاونين لإعادة إنتاجه من جديد.
على ذلك، يضعنا المشهد السوري "المعارضاتي" الذي يدور حول الموقف من مؤتمر سوتشي، المزمع في نهاية الشهر المقبل، أمام واقع المعارضة الذي لم يتغير من حيث المضمون، خلال السنوات السبع الماضية، مع فارق أن التراشق بالاتهامات إعلامياً لم يعد بين الكيانات (ائتلاف، منصة موسكو، منصة القاهرة)، بل في مواجهتها، كما ذكرنا، من شريحة واسعة من السوريين في الشتات والداخل، غير المسيطر عليه من النظام، لنسأل، قبل الخوض في الحديث عن القبول أو الرفض، عن حقيقة المشروع الجامع الذي تستند عليه المعارضة في قراراتها، فإذا كانت المرجعية هي بيان الرياض2، فإن هذا البيان بات موضع خلاف، ليس بين النظام الذي يطالب بسحبه، بل بين الأطراف التي يجب أن تدافع عنه، والذي تحوّل إلى مجرد وجهة نظر، برأي مشاركين في الوفد الموحد، ويتضح ذلك من التصريحات المتضاربة حوله، بواقع استمرار أحد قياديي منصة موسكو بتحميل المعارضة سبب تعثر قيام مفاوضات مع النظام، لتمسكها ببند رحيل الأسد.
يستوجب هذا الوضع عقد تفاهمات جديدة بين مكونات الوفد الموحد، على أساس الندّية بالطرح والمرجعية الشعبية، وليس مرجعية التبعية للدول، وبما يتناسب ومصداقية تمثيل المعارضة، وليس التلاعب بهذا التمثيل لإرضاء أجنداتٍ لا تتقاطع مع القرارات الدولية المكتسبة للمعارضة، ومنها بيان جنيف1، وقرارا مجلس الأمن 2118 و2254. حيث إن ربط قرار الموافقة على حضور مؤتمر سوتشي من عدمه بقرار الكيانات المشكلة للوفد هو تهرّب من المسؤولية من جهة، ومحاولة لنسف مرجعية الوفد التي يفترض أنها المؤتمر الذي أنتجه من جهة ثانية، وهو تبرير لحضور المؤتمر، من بعض الوفد، تحت عنوان أن كيانه اختار ذلك، ما يعني أن الوفد الموحد سيحضر بعضه، وبصفته، من دون حرج، للتغطية على عدم حضور
الآخرين، بسبب الضغط الشعبي على كياناتهم، وليس لأن "سوتشي" يمهد لتسوية غير عادلة مع نظام الأسد، هي أقرب، حسب التصريحات الروسية، بمصالحة "تبويس شوارب ويا دار ما دخلك شر".
خيارات المعارضة محدودة، في ظل ارتباط وجودها مع الدول المساندة للمؤتمر، وأن لاءاتهم الخافتة حتى اليوم كانت تحمل طابع ترويج نَعم مقبلة، حسب مصالح الدول الراعية، ومدى تقدّمها في إنجاز ملفاتها المشتركة التي تضمن لكل منها مصلحته في الصراع، لجهة استمراره، أو الحد منه، أو وقفه عبر حلول جانبية، (أستانة وسوتشي) من شأنها أن تجعل تقسيم الغنائم على أربعة، أفضل من جنيف الذي يقسمها على أربعين وأكثر. أما الولايات المتحدة الأميركية التي باتت تسيطر على نصف المساحة السورية، وتلتزم الصمت حين تريد المزيد لها ولمن معها، مع بعض المحفزات للمعارضة التي تقول لا لتنعم بنِعم النَعم، فما زالت لا تكشف عن أجندتها، ولا عن رؤيتها لمآلات الصراع السوري، ولا يبدو أنها مستعجلة على ذلك.
930EB9D8-8BB0-4CDA-8954-FE630C4A380F
سميرة المسالمة

كاتبة وصحافية سورية، رئيسة تحرير جريدة تشرين سابقاً، نائب رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية