02 يونيو 2024
كيف ننهي الاحتلال الاستعماري الإسرائيلي؟
مع كل ذكرى مشؤومة نشهدها لوعد بلفور والنكبة الفلسطينية والاحتلال العسكري الإسرائيلي واتفاقية أوسلو والانقسام الفلسطيني، تزداد الحقائق في الواقع سوءاً ومرارة، وتتجذّر التبعات السلبية لهذه الأحداث، وتصبح أسس السلام والعدالة أبعد فأبعد. وعليه، فقد يحاجج بعضهم، وبغرابة، بأن مجرد الحديث عن إنهاء الاحتلال الإسرائيلي من ضروب الخيال في ظل التغيرات الدولية والإقليمية والمحلية والأنظمة الجديدة الآخذة بالتبلور.
ولكن، وفي هذه اللحظة بالذات، يجدر رفض أصواتٍ غريبة كهذه رفضاً مطلقاً وقاطعاً، لأن أفضل طريقة "لإحياء" الذكرى الخمسين للاحتلال الإسرائيلي لعام 1967 تتمثل بإنهاء هذا الاحتلال وسطوته الاستعمارية، فإنهاء هذا الاحتلال اللعين ليس بدعة أو فانتازيا أيديولوجية، أو الطموح القومي فحسب، وإنما أيضاً يمثل واجباً على عاتق المجتمع الدولي، والتزاماً رصيناً بموجب متطلبات القانون الدولي.
وللإجابة على سؤال كيفية إنهاء الاحتلال الاستعماري الإسرائيلي، وعلى قدر مساوٍ في الأهمية، تجدر الإجابة على سؤال: لماذا ما زال هذا الاحتلال يرزح ويتجذر ويزداد بشاعة عقوداً؟ هذه أسباب سبعة، ونحاجج هنا بأن الاشتباك الجدّي مع هذه القضايا والعمليات المتعددة والمعقدة المتعلقة بذلك سيجعل العدالة وإحراز الحقوق أقرب إلى التحقق.
أولاً وجوهرياً، ما يزال هذا الاحتلال رازحاً، لأن جذوره تركت من دون عنونة، كتلك المتعلقة بالتطهير العرقي إبان النكبة الفلسطينية عام 1948 وعمليات طرد الفلسطينيين وسلبهم، وتجريدهم من حقوقهم وممتلكاتهم. إن لم تعنون قضايا كهذه، فسيستمر الاحتلال في التوسع والتجذّر.
ثانياً، بموجب الطبيعة والتعريف، السلام والاستعمار نهجان متوازيان لا يلتقيان، ففرض
"سلام" تحت الاستعمار، بدلاً من المضي في سبلٍ لتفكيك الاستعمار، وتبني نهج شامل للمقاومة، يساهم فقط في تشويه المعنى الأساسي للسلام وممارسته، باعتباره فعلاً إنسانياً نبيلاً، ويغلف ديمومة الاحتلال في إطار منحاز لعملية سلمية، لا تمثل أكثر من "ترتيب أمني" في خدمة المحتل والمستعمر.
ثالثا، عندما يكون المحتل والمستعمر محمياً ومحصّناً بموجب اتفاقية "سلام" منحازة بالكامل لصالحه، وعندما يترك طليقاً غير محاسب على التسبب بجذور المشكلة والقضية، فمن الطبيعي أن يزداد جشع هذا المحتل، وطمعه وعنفه وسطوته، وأنظمة هذا المحتل الاستعمارية والتمييزية، خصوصاً عندما تترافق بالانحياز المستمر نحو اليمين المتطرّف العنيف والعنصري.
ولكن، ليست إسرائيل وحدها الطرف الملام لاستمرار الاحتلال، فقيادة السلطة الفلسطينية رضيت بوظيفةٍ تعاقدية مع هذا الاحتلال، منذ تأسيسها عام 1994، فالتعاقد من أجل القمع جعل الاحتلال الإسرائيلي أرخص وأكثر استدامة. وقد تجذّرت هذه الاستدامة بفضل التفتت والتشرذم الفلسطيني الأفقي والعمودي العميق، فغياب الترابط الفلسطيني الأساسي والاستراتيجي حمل، في طياته، تبعاتٍ مدمرة على فاعلية المقاومة الفلسطينية وديمومتها ضد المحتل الإسرائيلي، والذي سمح باستمرار هذا الاحتلال.
أخيراً، العنصر الثالث في ديمومة الاحتلال هو الدور المتواطئ للمجتمع الدولي، فمن أجل تغطية الفشل والندم السياسي، استثمر مجتمع المانحين أكثر من ثلاثين مليار دولار مساعدات للأرض الفلسطينية المحتلة، من أجل الإتيان بالسلام والتنمية. ولكن، وفي ظل غياب السلام والتنمية، شكلت هذه المساعدات الدولية داعما ومدعما للاحتلال الإسرائيلي، وجعلته رخيصا ومتحملاً. وبالتالي، ترافق فشل الأدوات المالية والاقتصادية مع فشل سياسي، تمثل في السطوة الأميركية على السبل والطرق والحلول، كما ترافق مع فشل منظومة الحكم العالمي ومؤسساته الدولية، وفي مقدمتها الأمم المتحدة والمؤسسات المنبثقة عنها، والتي انتقلت من تسطير فشل إلى تسطير فشل جديد.
ليست المعادلة سحريةً؛ فقلب الأسباب السبعة المذكورة أعلاه وعكسها سيمهد الطريق إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي. على قدرٍ أكبر من التخصيص، تتطلب نهاية الاحتلال إعادة خلق عاجلة وحاسمة لنظام الحوكمة العالمي ومؤسساته، لتصبح أكثر فاعليةً، وتخضع بشكل أوضح للمحاسبة والمساءلة. فلسطين- إسرائيل توفر أفضل مثالٍ لتقييم فاعلية النظام السياسي العالمي، واستجابته وأهميته ومؤسساته. عملية إعادة الخلق هذه تعني، فيما تعنيه، بروز أنظمة محاسبة ومساءلة فعالة لتدخلات مجتمع المانحين في الأرض المحتلة وعملياته، فالعمل كالمعتاد والوضع الراهن هما آخر ما يحتاج له الفلسطينيون.
أما بالنسبة للإسرائيليين فعليهم الانخراط في عملية تغييرية، من أجل إقرار وجود الاحتلال غير الشرعي والخارق للقانون الدولي، والخروج من الفقاعة محكمة الإغلاق التي يعيشون فيها. كذلك يترتب عليهم عنونة قضية "شعب الله المختار"، وما يترتب على ذلك من شعورٍ بالفوقية، بالإضافة إلى عنونة الفوبيا الأمنية المبالغ فيها، والتي يسجنون أنفسهم فيها. الانخراط في عملياتٍ في صُلب هذه القضايا سيجعل العدالة والمساواة للجميع والسلام ذا المعنى أقرب للتحقق.
بالنسبة للفلسطينيين، عليهم الانخراط في عمليةٍ تغييرية من أجل عنونة التفتت والتشرذم الأفقي والعمودي العميق الذي ينخر الجسد الفلسطيني، وعليهم أيضاً إعادة خلق نظامهم السياسي
ومؤسساتهم وأجسامهم التمثيلية وقيادتهم السياسية. أضف إلى ذلك حاجتهم الملّحة لبناء الأسس لثقافة جدلٍ وتجادلٍ، تسمح لهم بوضع استراتيجيات تحرّرية للحاضر والمستقبل. الفلسطينيون مطالبون أيضاً بالتخلي عن ثنائية فتح- حماس، وإعادة ترتيب وظائف السلطة الفلسطينية ومهامها، وخصوصا أجهزتها الأمنية. يجب أن تترافق كل هذه الأفعال مع تحولٍ في السرد والخطاب، وفي الأطر المفاهيمية السائدة، وسيحصل هذا التحول فقط عن طريق بزوغ قيادة فكرية جديدة للفلسطينيين. من دون الاشتباك الجدي مع هذه القضايا، سيبقى الفلسطينيون معلقين في حلقات الظلم والاضطهاد الناتجة من استمرار الاحتلال الاستعماري الكولونيالي الإسرائيلي.
في المحصلة النهائية، على الفلسطينيين والإسرائيليين والمجتمع الدولي التوقف عن الحديث عن السلام وحل الدولة الواحدة أو الدولتين. فهذه القضايا ليست ذات علاقة الآن. الأمر الوحيد ذو العلاقة الآن هو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، لأن ذلك شرط استباقي لأيٍّ من أشكال الحل المستقبلي. هذه دعوة مفتوحة للجميع إلى ترك الحفلات الخادعة والكاذبة، مثل حفلات العملية السلمية والدولة والسيادة تحت الاحتلال وحل الدولة أو الدولتين وفكرة إسرائيل الكبرى. كل هذه الحفلات مثبطة للحفلة الوحيدة الحقيقية؛ حفلة إنهاء الاحتلال. فقط عندما يتم الاحتفاء بهذه الحفلة الحقيقية سينعم ملايين البشر حول العالم بقدرٍ أكبر من السلام والعدالة، والتوقيت لتلك الحفلة الحقيقية هو الآن. فهذه الحفلة لا تحتمل مزيداً من التأجيل.
ولكن، وفي هذه اللحظة بالذات، يجدر رفض أصواتٍ غريبة كهذه رفضاً مطلقاً وقاطعاً، لأن أفضل طريقة "لإحياء" الذكرى الخمسين للاحتلال الإسرائيلي لعام 1967 تتمثل بإنهاء هذا الاحتلال وسطوته الاستعمارية، فإنهاء هذا الاحتلال اللعين ليس بدعة أو فانتازيا أيديولوجية، أو الطموح القومي فحسب، وإنما أيضاً يمثل واجباً على عاتق المجتمع الدولي، والتزاماً رصيناً بموجب متطلبات القانون الدولي.
وللإجابة على سؤال كيفية إنهاء الاحتلال الاستعماري الإسرائيلي، وعلى قدر مساوٍ في الأهمية، تجدر الإجابة على سؤال: لماذا ما زال هذا الاحتلال يرزح ويتجذر ويزداد بشاعة عقوداً؟ هذه أسباب سبعة، ونحاجج هنا بأن الاشتباك الجدّي مع هذه القضايا والعمليات المتعددة والمعقدة المتعلقة بذلك سيجعل العدالة وإحراز الحقوق أقرب إلى التحقق.
أولاً وجوهرياً، ما يزال هذا الاحتلال رازحاً، لأن جذوره تركت من دون عنونة، كتلك المتعلقة بالتطهير العرقي إبان النكبة الفلسطينية عام 1948 وعمليات طرد الفلسطينيين وسلبهم، وتجريدهم من حقوقهم وممتلكاتهم. إن لم تعنون قضايا كهذه، فسيستمر الاحتلال في التوسع والتجذّر.
ثانياً، بموجب الطبيعة والتعريف، السلام والاستعمار نهجان متوازيان لا يلتقيان، ففرض
ثالثا، عندما يكون المحتل والمستعمر محمياً ومحصّناً بموجب اتفاقية "سلام" منحازة بالكامل لصالحه، وعندما يترك طليقاً غير محاسب على التسبب بجذور المشكلة والقضية، فمن الطبيعي أن يزداد جشع هذا المحتل، وطمعه وعنفه وسطوته، وأنظمة هذا المحتل الاستعمارية والتمييزية، خصوصاً عندما تترافق بالانحياز المستمر نحو اليمين المتطرّف العنيف والعنصري.
ولكن، ليست إسرائيل وحدها الطرف الملام لاستمرار الاحتلال، فقيادة السلطة الفلسطينية رضيت بوظيفةٍ تعاقدية مع هذا الاحتلال، منذ تأسيسها عام 1994، فالتعاقد من أجل القمع جعل الاحتلال الإسرائيلي أرخص وأكثر استدامة. وقد تجذّرت هذه الاستدامة بفضل التفتت والتشرذم الفلسطيني الأفقي والعمودي العميق، فغياب الترابط الفلسطيني الأساسي والاستراتيجي حمل، في طياته، تبعاتٍ مدمرة على فاعلية المقاومة الفلسطينية وديمومتها ضد المحتل الإسرائيلي، والذي سمح باستمرار هذا الاحتلال.
أخيراً، العنصر الثالث في ديمومة الاحتلال هو الدور المتواطئ للمجتمع الدولي، فمن أجل تغطية الفشل والندم السياسي، استثمر مجتمع المانحين أكثر من ثلاثين مليار دولار مساعدات للأرض الفلسطينية المحتلة، من أجل الإتيان بالسلام والتنمية. ولكن، وفي ظل غياب السلام والتنمية، شكلت هذه المساعدات الدولية داعما ومدعما للاحتلال الإسرائيلي، وجعلته رخيصا ومتحملاً. وبالتالي، ترافق فشل الأدوات المالية والاقتصادية مع فشل سياسي، تمثل في السطوة الأميركية على السبل والطرق والحلول، كما ترافق مع فشل منظومة الحكم العالمي ومؤسساته الدولية، وفي مقدمتها الأمم المتحدة والمؤسسات المنبثقة عنها، والتي انتقلت من تسطير فشل إلى تسطير فشل جديد.
ليست المعادلة سحريةً؛ فقلب الأسباب السبعة المذكورة أعلاه وعكسها سيمهد الطريق إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي. على قدرٍ أكبر من التخصيص، تتطلب نهاية الاحتلال إعادة خلق عاجلة وحاسمة لنظام الحوكمة العالمي ومؤسساته، لتصبح أكثر فاعليةً، وتخضع بشكل أوضح للمحاسبة والمساءلة. فلسطين- إسرائيل توفر أفضل مثالٍ لتقييم فاعلية النظام السياسي العالمي، واستجابته وأهميته ومؤسساته. عملية إعادة الخلق هذه تعني، فيما تعنيه، بروز أنظمة محاسبة ومساءلة فعالة لتدخلات مجتمع المانحين في الأرض المحتلة وعملياته، فالعمل كالمعتاد والوضع الراهن هما آخر ما يحتاج له الفلسطينيون.
أما بالنسبة للإسرائيليين فعليهم الانخراط في عملية تغييرية، من أجل إقرار وجود الاحتلال غير الشرعي والخارق للقانون الدولي، والخروج من الفقاعة محكمة الإغلاق التي يعيشون فيها. كذلك يترتب عليهم عنونة قضية "شعب الله المختار"، وما يترتب على ذلك من شعورٍ بالفوقية، بالإضافة إلى عنونة الفوبيا الأمنية المبالغ فيها، والتي يسجنون أنفسهم فيها. الانخراط في عملياتٍ في صُلب هذه القضايا سيجعل العدالة والمساواة للجميع والسلام ذا المعنى أقرب للتحقق.
بالنسبة للفلسطينيين، عليهم الانخراط في عمليةٍ تغييرية من أجل عنونة التفتت والتشرذم الأفقي والعمودي العميق الذي ينخر الجسد الفلسطيني، وعليهم أيضاً إعادة خلق نظامهم السياسي
في المحصلة النهائية، على الفلسطينيين والإسرائيليين والمجتمع الدولي التوقف عن الحديث عن السلام وحل الدولة الواحدة أو الدولتين. فهذه القضايا ليست ذات علاقة الآن. الأمر الوحيد ذو العلاقة الآن هو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، لأن ذلك شرط استباقي لأيٍّ من أشكال الحل المستقبلي. هذه دعوة مفتوحة للجميع إلى ترك الحفلات الخادعة والكاذبة، مثل حفلات العملية السلمية والدولة والسيادة تحت الاحتلال وحل الدولة أو الدولتين وفكرة إسرائيل الكبرى. كل هذه الحفلات مثبطة للحفلة الوحيدة الحقيقية؛ حفلة إنهاء الاحتلال. فقط عندما يتم الاحتفاء بهذه الحفلة الحقيقية سينعم ملايين البشر حول العالم بقدرٍ أكبر من السلام والعدالة، والتوقيت لتلك الحفلة الحقيقية هو الآن. فهذه الحفلة لا تحتمل مزيداً من التأجيل.