كيف تصل الطيور إلى السودان؟

20 اغسطس 2017
كيف تحدد الأماكن؟ (أشرف شاذلي/ فرانس برس)
+ الخط -

لم يُشبع الكبار نهم الطفولة فينا للمعرفة حين كنّا نسأل أين تختفي الطيور معظم أيام العام، فيقولون إنّها تذهب إلى البعيد لكنّها ستعود إلى نفس الأعشاش والأشجار ونفس المستنقعات المائية. كنّا نفرح حين نسمع صفير السمبر (اللقلق) فوق سيالة جدّي، ما يبشّر بحلول الخريف في السودان.

نقلت السؤال إلى معلم مادة العلوم في الصف الرابع الابتدائي، حين أشار إلى تدويني لظهور السمبر والطيور الأخرى في الكراسة التي تربطنا بظواهر بيئتنا المحلية والتي تسمى بـ"المدونة الطبيعية" حيث نرسم أنواع الخضار والمحاصيل الموسمية، واتجاه الرياح، وما إلى ذلك. يومها قال معلمي إنّ هذه الطيور تعود إلى مواطنها في أوروبا والقطب الشمالي. بدا لي الأمر وقتها غريباً فكيف تعرف قريتنا وسيالة جدي؟ كيف تحدد الأماكن؟ وبمَ تهتدي في رحلاتها؟

ظلت الأسئلة تلاحقني أكثر من أربعة عقود تالية، حتى بعدما قلّت زيارات الطيور إلى قريتي لأسباب ردم الحوض الفيضي، وقطع الغابات، كما لم تنج شجرة جدي، إذ سقطت بعد موته بقليل. وقعت على ما كتبه محسن حافظ حول الهجرات الدورية والأخرى الانتحارية لمخلوقات من النادر أن تستقر في أوطانها، فتهاجر بحثاً عن الدفء والغذاء، ومنها ما يموت قبل أن يصل إلى المكان المحدد (مجلة العربي الكويتية، نوفمبر/ تشرين الثاني 1994).

توصلت الأبحاث والدراسات إلى أنّ هناك علاقة لكلّ من الشمس، والنجوم، ومجال الجذب المغناطيسي للأرض، وكذلك الرائحة والصوت في إتمام هذه الأعمال الخارقة، التي يقف الملاحون احتراماً لها بكلّ ما لديهم من أجهزة حديثة للملاحة وأقمار صناعية. وقد أثبت العالمان المتخصصان كرامر وفريس أنّ طائر الزرزور ونحل العسل يستخدمان الشمس في الملاحة أثناء الطيران. كذلك، ثبت أنّ مجموعة كبيرة من الحشرات وحتى القوارض تستخدم الشمس كبوصلة، وقد تبين أنّ نحل العسل يمكن توجيه حركته بالشكل السليم حتى في الأيام التي تكثر فيها الغيوم.

ومثلما تعلم الإنسان الملاحة أثناء الليل بالاعتماد على النجوم الثابتة التي تقع على محور دوران الأرض، فقد أثبتت الدراسات التي أجريت على استخدام الطيور للنجوم في الملاحة أنّها خبرة مكتسبة وليست فطرية. وثبت أنّ للفراشة والفئران والنحل قدرة على استخدام المجال المغناطيسي للأرض لتحديد مساراتها الصحيحة، مثلما يمكن لكثير من الحيوانات استخدام الرائحة للتعرف على مكان العودة.

واكتشف أخيراً أنّ مظاهر الجغرافيا الطبيعية من سلاسل الجبال والشعب المرجانية تعطي إشاراتها الصوتية الخاصة تحت السمعية بالنسبة للإنسان، فتهتدي بعض المخلوقات من آلاف الكيلومترات بها للعودة إلى مواطنها.

* متخصص في شؤون البيئة


المساهمون