كيف تؤثر الحرب على نفسية الطفل؟

08 ابريل 2019
+ الخط -
إذا سقط الطفل جريحاً فإن جروحه تبدو ظاهرة للعيان، وإذا كان في ظروف طبيعية فسيتسنى له الحصول على رعاية والديه والدعم الاجتماعي. وإذا سقط ذات الطفل في ظروف صعبة، كالفقر أو تزعزع علاقة والديه أو غياب أحدهما أو كليهما، فإن حظه في العناية يتقلص بسرعة شديدة، إلا أن الأمل يبقى كبيراً في شفائه لمجرد كون جراحه مرئية وظاهرة للعيان.

لكن إذا كان هذا الطفل في ظروف قاهرة كالعنف المسلح والحروب والإرهاب، فإن فرصه في الشفاء لا تتقلص فحسب بل تكاد تختفي، ولكن يبقى المجتمع الدولي في محاولة دائمة لتقديم يد العون وتخفيف أثر المأساة، لمجرد أنه يرى تلك الجراح ماثلة أمامه.

إلا أن هناك نوعاً أخر من الجراح التي لا تُرى ولا تُسمع ولا تُعرف، تبقى مع الطفل الناجي، حتى ذاك الموجود في الأماكن الآمنة، كالطفل النازح. وقد كان يعتقد سابقًا أن الأطفال لن يفهموا أو يتذكروا الأحداث المؤلمة، إلا أن هناك الآن وعيًا متزايدًا بأن الأطفال معرضون بشدة لضغوط الحرب والإرهاب، رغم أن التغاضي عن ضائقة الطفل بعد الصدمة قائم، بسبب صعوبات الأطفال في التواصل أو التعبير عن تجاربهم ومشاعرهم، إذ يميل البالغون إلى التقليل من أثر الصدمة النفسية على الطفل، من باب أنه "لا يعرف" أو "لا يفهم" هذا إن لم ينكروا تماماً الأثر السلبي للصدمة على الصغير.


من المؤسف أن كثيرا من هذه الحروب والصراعات قد تمتد طوال فترة الطفولة، كالحرب الليبيرية التي امتدت منذ عام 1989 حتى 2004 مشكلة صدمة نفسية واسعة النطاق. والآثار السلبية طويلة الأجل لصدمة الطفولة أو تجارب الطفولة السلبية على الصحة البدنية والعقلية راسخة في الأدبيات. فمثلاً، الطفل الذي تُساء معاملته ويتم إهماله تزيد مخاطر إصابته بأمراض مزمنة مثل الاكتئاب، والسلوكيات الاندفاعية، وترتفع لديه محاولات الانتحار، خاصة إذا لم تتم الاستجابة لمعاناته على النحو السليم. هذا على المستوى المنزلي.

أما عند تعرض الطفل للحرب والإرهاب فإن تلك المخاطر في تعرض الطفل للاضطرابات النفسية ترتفع، كاضطراب الضغط النفسي الحاد واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) وبالتالي فليس من المستغرب أن يُظهر الأطفال المعرضون للحرب معدلًا أعلى من الاضطرابات العقلية مقارنة بالأطفال من عموم السكان.

يمكن أن يكون التعرض للصدمة مباشرًا أو غير مباشر. يحدث التعرض المباشر عندما يكون للطفل تجربة شخصية مع حادث صادم، مثل العيش في منطقة نزاع أو تجربة وفاة أحد الوالدين. ويحدث التعرض غير المباشر عبر التلفزيون أو الإنترنت أو سماع الآخرين يتحدثون عن حدث صادم. وغالبًا ما يصاحب الحرب والصراع تغييرات في بيئة الطفل؛ على سبيل المثال، قد يتعرض الطفل لإغلاق مدرسته بعد تدمير البنية التحتية أو المصاعب المالية بعد فقدان أفراد الأسرة أو عجزهم.

وقد يختلف قياس الصدمة حسب طبيعتها ومدة التعرض لها، ومعايير تشخيصها والتناقضات الثقافية، ومع ذلك عندما يكون للتعرض للصدمات آثار دائمة على الطفل، تظهر الاختلافات الفردية في هذه الآثار. تؤثر مرحلة النمو للطفل على ردة فعله تجاه الصدمة، وتتراوح ردود الفعل من تردي السلوك عند الأطفال الأصغر سنًا (15) إلى المشكلات في المدرسة -إذا لم يكن منقطعاً عنها تماماً- والكوابيس، واضطرابات في النوم، وحتى تعاطي المخدرات والتعرض للاستغلال الجنسي والتجنيد.

وقد يؤدي النزاع والحرب إلى الإضرار ببيئة الطفل ومن ثم الإضرار بقدرة الطفل على التعافي من حالة نفسية ومعنوية مؤلمة. على سبيل المثال، ألحقت الحرب الجارية على اليمن أضرارًا بالبنية التحتية مثل المدارس والخدمات الصحية، مما أضعف الإمكانيات والقدرة على معالجة الإصابات أو حتى معالجة المخاوف.

للنزاع والإرهاب آثار مدمرة على الأسر، متمثلة في فقدان أفرادها أو تعطل نمط حياة الأسرة. علاوة على ذلك، قد يفقد الأطفال الدعم الأبوي، وقد تتغير أنماط الأبوة وتزيد تعبيرات الوالدين السلبية من مستويات الضيق عند الأطفال. أما الأمهات فقد تم الربط بين مستوى الاكتئاب لديهن ومستوى الاكتئاب لدى صغارهن.

في النهاية لا يمكن أن نغفل عن الضرر النفسي الذي تلحقه الحرب بالأطفال، لأن طفل اليوم هو امرأة ورجل الغد، وليس هناك حل لتقليص الضرر إلا إيقاف الحرب كلياً وإحلال السلام، فمن يدفعون الثمن هم الصغار قبل الكبار.. فإلى متى.