"أتركه أم أبقى معه؟"... ما هي الإجابة؟

06 سبتمبر 2018
+ الخط -
"هل أتركه أم أبقى معه؟".. لا يقع هذا السؤال على المسامع إلا ويستثير نزعة الوصاية، فيجد السائل نفسه أمام وصيتين: إما الرحيل أو الصبر على المحبوب. كلها أجوبة غير عملية، فضلاً عن أنها غير أخلاقية، إذ تسلب المرء حقه في تقرير مصيره!.

قبل أن تقرر ما عليك فعله ناحية مصير علاقاتك، تذكر أولاً أننا هنا لنتخذ قرارات صعبة ومحيرة وأن لا حق لأحد باتخاذ هذه القرارات نيابة عنا، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. ثانياً، من الجيد أن تتعرف إلى نظرية التعلق التي قد تساعدك في فهم نمط علاقاتك وبالتالي اتخاذ القرار الذي يناسبك.

نظرية التعلق
نظرية التعلق التي طورها جون بوبلي تلته ماري اينسورث، تشير إلى أن الإنسان لديه نزعة داخلية فردية تجعله يميل لإقامة علاقة عاطفية حميمة مع الأشخاص الأكثر أهمية في حياته، تبدأ منذ الولادة وتستمر مدى الحياة.

وإذا كان فرويد قد وصف هذه النزعة بالخارطة فبوبلي يصفها بالـ"نمط"، أي أنك في علاقاتك تتصرف على نحو وأسلوب معين شبه متكرر، وستتعلق بأصحاب نمط يناسب نمطك وأسلوبك العاطفي. والسبب في ذلك يعود إلى الطريقة التي تعلقت بها أول مرة بوالديك أو أي "نموذج" مهم آخر كان يفترض أن يقدم لك الرعاية والاستجابة العاطفية.


النمط الآمن
تلك القصة التي ترى فيها الحبيب يلتقي بحبيته ويتبادلان الاعترافات بالحب بسلاسة كأنما كانا ينتظران هذه اللحظة، وتتطوّر علاقتهما بمشاكل وصعوبات ينجحان في تخطيها معاً. بإمكاننا أن نصف هذا النمط بالآمن، أي أنه يشعر بالأمان في التواصل والتعبير عن نفسه، ولا يخاف الوثوق وفتح قلبه. الطفل الذي تلقى الرعاية الدافئة من شخص متاح ومتوفر عاطفياً يمنحه العبارات المناسبة للتخفيف عنه ويتفاعل معه بشكل إيجابي، يكبر واثقاً من نفسه وقادراً على إعطاء وأخذ الحب على حد سواء. لا يقلق من كونه وحيداً ولا يختنق من العلاقات. وبالتالي يكون شريكاً مريحاً ومسؤولاً. إلا أن هذا النمط لا يخلو من السلبيات، إذ يقع العاشق في فخ المثالية، أي أنه يتوقع من "الرمز"، أو المحبوب، الكمال وتحقيق توقعاته بشكل منتظم. وإن فوجئ بقصوره تضارب الواقع مع المتوقع ومن هنا قد يبدأ التذمر والشكوى. هذا النمط قد يتعلم دروساً صعبة ما إن يلتقي بمن لا يشعر بالأمان مثله.

القلق المشغول
قد يبدو هذا النمط آسراً للوهلة الأولى، كشخص مليء بالشغف والعاطفة، لكنه سرعان ما يُتعب محبوبه من كثرة التأكيد على سلامة العلاقة، لأنه يشعر بالقلق الشديد في حال تأخر استجابة رمز التعلق، لوضعه أهمية كبيرة لذاته وقيمته في استجابة الآخر له. وهكذا يشكل علاقات اندفاعية متوترة ومحمومة، سرعان ما تستنفد الطرف الآخر وتستنفده، لأن فكرة الهجر وعدم التقدير تشغله بشكل كبير. قد يفعل صاحب هذا النمط كل ما يمكنه فعله للوصول إلى قلب الرمز واستدرار العاطفة والاستجابة عن طريق الإبهار والإغراق العاطفي. فمثلاً، إذا بعث عشرات الرسائل في أقل من ساعة أثارت غضب شريكه، قد يقضي من الوقت الكثير طالباً الصفح ومعبراً عن عشقه الذي لا حد له. وفي حال تأخر الرمز عن الإجابة يصاب بالخوف والتوتر ويصيبه الشك بنيته هجره والتخلي عنه أو استبداله بشريك جديد، ولهذا يميل إلى الحساسية والغيرة أكثر من غيره، والتي يعبلا عنها بطرق غير لائقة تؤثر سلباً على علاقته. هذا النمط يُشير إلى أن أحد الوالدين أو كلاهما لم يكن متوفراً بما فيه الكفاية في الطفولة. ربما حصل على الحب ولكنه لم يشبع منه، أو أنه أصيب بالإهمال في صغره من قبل الوالدين ونال بعض الحب فقط عندما كان يتصرف بشكل يُسعد والديه، أي عندما كان يعمل لاستدرار العاطفة.

الرافض المتجنب
كما يشير اسمه، هذا النمط رافض للاقتراب العاطفي ويتجنبه، لذلك قد يكون الأصعب من كل هذه الأنماط لأنه على قناعة بأنه ليس بحاجة لأحد، ولا احتياجات لا يستطيع هو بنفسه تلبيتها، وأن العلاقات ما هي إلا عبء عليه ومضيعة لوقته. قد لا يحدث التعبير عن هذه القناعات لديه مبكراً حال التعرف. على العكس فهو جذاب ومستعد في البداية. ولكن ما إن تبدأ العلاقة في الدفء ويشعر بقدرة الشخص الآخر على الاقتراب وإذابة حواجزه حتى تبرد العواطف لديه ويترك الرمز لفترات طويلة من دون كلمة أو لفتة اهتمام، خاصة بعد أن كانت الأمور تسير بشكل جيد. يعتبر هذا التصرف لا إرادياً لتعطيل وهمد المشاعر التي تهدد أمنه. فإذا كان النمط القلق المشغول يبحث عن أسباب لإدامة علاقاته فإن نمط الرافض المتجنب يبحث عن أسباب لينهيها، بالتنقيب عن ضعف أو عيب لترك رمز التعلق، أو المحبوب. وبينما كان القلق المشغول قد حصل على بعض الحب في طفولته، فإن الرافض المتجنب لم يفعل، وبالتالي تعلم كبت مشاعره والاحتفاظ بها لنفسه لأنه لم يكن مرحباً بها في طفولته أو كانت مصدر إزعاج لوالديه. يكبر وهو على قناعة بأن لا أحد سيحبه كما يجب ولن يفهمه كما يجب، فلماذا يهدر وقته ويعرض نفسه للخطر. لا يوجد من يناسبه على أية حال، لذلك سيستفيد ممن معه الآن حتى يحالفه الحظ ويقع في الحب المثالي الذي يحلم به ما إن استمر بالبحث. كلها طرق يوظفها ليبعد نفسه عن العلاقات والاعتماد على شخص آخر، فهو مثل القلق المشغول، خائف من الهجر والجرح.

الخائف المتجنب
هذا النمط يشبه الرافض المتجنب، لكنه يختلف بكونه يدرك أن لديه احتياجات لا يمكنه وحده أن يلبيها وبإمكان شخص آخر أن يشاركه حياته. ربما لقي الحب في طفولته ولكن أمراً مأساوياً حدث كالاعتداء الجنسي أو أنه عانى من الإهمال الشديد والعنف، جعله يفقد الثقة في من يحيط بهم. فمن ناحية هو يرغب في الاقتراب العاطفي العميق والاعتماد على غيره، ولكنه يخشى أنه لا يوجد شخص مناسب يفهمه ويقبل به ويمكنه الوثوق به والاعتماد عليه، لذلك تجده متردداً في الاتصال، يبتعد حالما يشعر بأن الآخر يقترب من فهمه والتعرف إلى عيوبه وقد يتخلص منه (أي الرمز) حال اكتشافه لها. هذه صفة يشترك بها مع الرافض المتجنب والقلق المشغول أيضاً، كلاهما يشعر بأن به عيباً أو خللاً يجعله لا يستحق الحب، وأن أي ثناء وحب يحصل عليه ما هو إلا لشخصية أخرى يلعبها وليس لشخصه الحقيقي المليء بالعيوب. لكن النمط الرافض المتجنب قد جعل من نفسه شخصية مستقلة "لا تحتاج لأحد"، لذلك لا يتردد في الرفض وبقوة في بعض الأحيان. أما الخائف المتجنب فيتوق إلى الاقتراب والاعتماد والرعاية، لكنه لا يعرف كيف هو السبيل إلى ذلك وإذا ما كان هناك شخص يستحق هذا النوع من الثقة العميقة. فتراه متذبذباً؛ إذا اقتربت منه ابتعد وإذا ابتعدت عنه اقترب.

من يتعلق بمن؟
عادة يقع صاحب النمط الآمن في حب من له نفس النمط، أي آمن مثله، وقلّ أن يرتبط بشخص صعب لا يمنحه ما يحتاج إليه في العلاقة. لكن إن حدث وأحب صاحب النمط الآمن غير آمن فإنه يبذل كثيراً من الجهد النفسي ليصل إلى قلبه، وإذا لم يتجاوب غير الآمن معه تركه الآمن وبحث عن غيره. أما الخائف المتجنب والرافض المتجنب لا يجتمعان إلا فيما ندر، لأن كلاهما يهرب من الارتباط ومن الاتصال العاطفي العميق، لكن القلق المشغول هو أكثر شخص "مناسب" للنمطين، لأنه الوحيد القادر على أن يتبع المحبوب بلا هوادة حتى وإن لم تكن احتياجاته مُلباة، وهو أيضاً من تجذبه الحواجز والصعوبة في التواصل لأنها تؤجج عواطفه وقلقه الطفولي القديم الذي يُعتبر حالته المألوفة المعتادة.


هل نتغير؟
ما يجعل التعلق ممكناً هو قدرة الإنسان على المرونة. فنحن لا نستطيع أن نثق بكل شخص، وليس من المناسب ألا نقلق عندما تُهدد علاقاتنا. إذا حالف الحظ غير الآمن بالارتباط بشخص آمن فمن الممكن أن يتحسن (خاصة بمساعدة مختص)، لأن الآمن لا يهدده البُعد بسهولة ولا يشعر بعدم الثقة بنفسه عندما تتأخر الاستجابة، ولكن قد يدفعه غير الآمن لأن يصاب بالإنهاك والتوتر الشديد إذا لم يفهم سبب ما يحدث وكيفية التعامل معه. والفرق بينه وبين المشغول مثلاً، هو أن الآمن يندر أن يكون قد عرف هذا النمط من قبل وقل أن تكون له علاقات سابقة بهذا الشكل. بينما المشغول قد عرف علاقات تشبه هذه ويجد نفسه غالباً واقعاً في غرام الخائف والرافض والمتجنب.

هذه النظرية تكرر خلاصة مهمة، وهي ألا نفقد الأمل بأحد، خاصة بأنفسنا، وأن جميعنا يعاني من جرح ما، وكما قال شون ميغوير في فيلم غود ويل هنتينغ "أنت لست كاملاً، وهذه البنت التي التقيت بها ليست كاملة، لكن السؤال هو إذا ما كنتما مكملين لبعضكما". و"بعضنا يحتاج إلى أن يؤمن به أحد ليؤمن بنفسه".

في النهاية لا تسمح لأحد بأن يملي عليك ما يجب أن يمليه عليك عقلك وقلبك، لذلك حدد ما يمكنك أنت قبوله وما لا يمكنك قبوله والعيش معه، بغض النظر عن أشكال علاقات من حولك وطبيعتها، فالعلاقات فريدة وخاصة جداً مثل بصمة الإبهام، لا يمكن أن تتشابه.