على وقع المعارك والحشود العسكرية التي تلف العاصمة بغداد، ووسط استمرار مسلسل سقوط المزيد من المدن العراقية في يد الفصائل المسلحة المناهضة لرئيس الحكومة نوري المالكي، وصل وزير الخارجية الأميركي جون كيري، بغداد تحت إجراءات أمنية مشددة، حاملاً مبادرة الفرصة الأخيرة إلى بغداد، تنطوي على رحيل المالكي.
مبادرة واشنطن تأتي بالتزامن مع مجزرة جديدة ارتكبتها مليشيات موالية للمالكي، تمثلت في إعدام 80 شخصاً في هجوم على قافلة تقلّ سجناء في منطقة القاسم شمال بابل.
وتستمر زيارة كيري ساعات، بحسب مسؤول في وزارة الخارجية العراقية، ويطرح خلالها مبادرة من بنود عدة خلال لقائه المالكي وقادة سياسيين وزعماء كتل سياسية.
وقال مسؤول رفيع في وزارة الخارجية العراقية في اتصال هاتفي لـ"العربي الجديد"، "زيارة كيري بغداد جرى التهيئة لها قبل ساعتين من وصوله الأردن، إذ أبلغ الجانب العراقي قدومه دون سابق إنذار". وأضاف المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن اسمه أن "كيري انتقل من مطار بغداد الى المنطقة الخضراء عبر مروحية عسكرية أميركية تابعة للسفارة الأميركية، واجتمع فور وصوله برئيس الوزراء المالكي الذي كان في انتظاره داخل مكتبه".
وأشار إلى أن "التسريبات الأولية للزيارة تتحدث عن طلب مباشر ورسمي من الولايات المتحدة للمالكي بالاستقالة وتشكيل حكومة جديدة في أسرع وقت ممكن، تجمع القوة والقبول من باقي أطياف المجتمع العراقي قبل أن تبدأ الولايات المتحدة التدخل المباشر لمساعدة العراق"، مرجحاً أن "يكون كيري تشاور مع دول عربية وخليجية عن ذلك".
وأضاف المصدر نفسه أن "الإدارة الأميركية مقتنعة أن تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) هي جزء من جماعات عدة موجودة على الأرض، ويجب بدء حوار مع الجماعات السنية الأخرى ذات المطالب السياسية لعزلها عن (داعش)، وهذا يكون من خلال عزل المالكي ورموز الأزمة الأخرى". وقال "تلك التسريبات وصلت الجانب العراقي صباح اليوم قبل وصول كيري بغداد، ولم يتسن معرفة رد المالكي بعد".
غير أن عضو لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب العراقي، عباس البياتي، أكد لـ"العربي الجديد"، بأن الزيارة عسكرية أمنية أكثر من كونها سياسية. وقال "كيري يرافقه وفد عسكري رفيع يناقش البدء بتوجيه ضربات جوية على معاقل المسلحين بواسطة طائرات من دون طيار تنطلق من الخليج".
على مستوى تطور المعارك، فقد بدت العمليات العسكرية في مدن وشمال وغرب العراق غير فعالة لوقف التهام الفصائل المسلحة المزيد من المدن والمناطق بشكل سريع، على عكس ما يجري حول بغداد، حيث لا تزال معارك كر وفر تجري بين الطرفين عند أسوارها.
وقال المسؤول في الشرطة العراقية في بلدة العلم، المقدم هشام الجبوري، لـ"العربي الجديد"، إن "الفصائل المسلحة احتلت مدينة العلم شرق محافظة صلاح الدين بعد مفاوضات مع مدير الشرطة وقائد الصحوة " الموالية للحكومة.
وأوضح أن "العشرات من المسلحين دخلوا البلدة من دون قتال وانسحب الجيش باتجاه مدينة الدجيل، على الطريق المؤدي الى بغداد، فيما ألقت الشرطة المحلية أسلحتها دون مقاومة". وبيّن أنّ "عملية الدفاع عن بلدة صغيرة ومقاومة عشرات المسلحين يعتبر غير مجدٍ مع افتقارنا للغطاء الجوي وقد يكون انتحاراً".
الفصائل تسيطر على الطليحية
وفي السياق، سيطرت الفصائل المسلحة على منطقة الطليحية التابعة لناحية النخيب المحاذية للحدود السعودية العراقية، وفقاً لشهود عيان من سكان المنطقة، أكدوا بأن العشرات من المقاتلين دخلوا بلدة الطليحية التابعة لناحية النخيب بعد معركة قصيرة ضد قوات الجيش، انتهت بانسحابهم من البلدة.
وتقع النخيب على بعد 25 كيلومتراً من بلدة عرعر السعودية، التي تضم معبراً مغلقاً منذ عام 1990، ولا يستخدم إلا في مواسم الحج وفقاً لاتفاق موقع بين البلدين في عام 2004.
مجزرة جديدة تستهدف السجناء
في هذه الأثناء، قُتل نحو 80 سجيناً وأمنياً عراقياً وأصيب 10 آخرون في هجوم مسلح استهدف قافلة تقلهم في منطقة القاسم شمالي بابل عندما كانت في طريقها الى سجن الناصرية. وقال مدير الشؤون الداخلية بشرطة محافظة بابل، الرائد حسين الحلي، إن "مسلحين يرجح انتماءهم لتنظيم (داعش) هاجموا القافلة بوابل من النيران والقذائف الصاروخية على طريق زراعي خلال عملية نقل سجناء من سجن الحلة الى سجن الناصرية ما أدى الى مقتل 71 معتقلاً وجرح 10 آخرين، فيما قتل سبعة من عناصر الشرطة". فيما أفادت مصادر لـ"العربي الجديد"، بارتفاع حصيلة القتلى الى 80 بينهم عناصر الأمن.
غير أن سكاناً محليين في قرية كيش ضمن بلدة القاسم، أبلغوا مراسل "العربي الجديد"، أن الضحايا أُعدموا رميّاً بالرصاص داخل أحد الحقول الزراعية من مليشيات مساندة للجيش والشرطة في عملياتها الأمنية في محافظة بابل.
وقال أحد المواطنين، الذي طلب عدم ذكر اسمه، إنه "لم يكن هناك هجوم. أعدموا جميعاً، وعناصر الشرطة الذين أعلن أنهم قتلوا كانوا قد تعرضوا لتفجير عبوة ناسفة ليلة أمس في المنطقة، ونحن نعرفهم وهم من سكان بلدة مجاورة لنا". فيما ذكر مواطن آخر خلال اتصال مع "العربي الجديد" أن عملية الإعدام "كانت منظمة وفي منطقة نائية لا تصل اليها وسائل الإعلام أو المنظمات الحقوقية، وتم اعتقال شاب في العقد الثاني من العمر صوّر الحادثة عبر نافذة منزله يدعى حسين محمود".