على الرغم من إعلان رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، في يونيو/ حزيران الماضي، توجّه حكومته نحو إجراء تعداد سكاني في البلاد، لتوفير قاعدة بيانات شاملة تكون أساساً للمشاريع التنموية، ويتم اعتمادها في الانتخابات البرلمانية المبكرة المقرر إجراؤها العام المقبل، إلا أن العراق لن يتمكن من إجراء هذا التعداد خلال العام 2020، وذلك بسبب استمرار تفشي وباء كورونا، فيما لا تزال مشاكل سياسية ومالية تعرقل المشروع أيضاً.
وأعلن المتحدث باسم وزارة التخطيط العراقية، عبد الزهرة الهنداوي، أمس الأربعاء، تأجيل إجراء التعداد السكاني لأسباب مالية وصحية. وأوضح الهنداوي في إيجاز صحافي لوسائل إعلام عراقية، أن "السبب الصحي مرهون بتطورات تأثير جائحة كورونا، إذ إن إجراء التعداد السكاني يتطلب تجمعات، ووجود 150 ألف شخص يتحركون لتسجيل البيانات، وستكون هناك عملية اختلاط، ما سيتسبب في انتشار العدوى، وبعد أخذ رأي وزارة الصحة أكدت عدم إمكانية إجراء هذه الفعاليات في ظل وجود الوباء". وأضاف: "السبب الثاني يتعلق بالجانب المالي، الذي يحتاج إلى موازنة لا تقل عن 60 مليار دينار عراقي (نحو 48 مليون دولار) لتنفيذ التعداد"، موضحاً أن "التعداد السكاني لا يرتبط بالانتخابات، لذلك فإن تأجيل عملية التعداد لن يؤثر في العملية الانتخابية".
تشير التقديرات الأولية والتخمينات إلى اقتراب العراق من عتبة 44 مليون نسمة
وكانت وزارتا التخطيط في كلٍّ من بغداد وإقليم كردستان قد اتفقتا، العام الماضي، على تحديد العام الحالي موعداً لإجراء إحصاءٍ سكاني يشمل مناطق العراق كافة، فيما رسمت المادة 140 من الدستور خريطة طريق للحكومة الاتحادية في العراق، لتسوية الخلاف بشأن المناطق المتنازع عليها، وتحديد مصيرها، بضمّها إلى إقليم كردستان أو البقاء تحت إدارة الحكومة الاتحادية في بغداد. وخلال الأشهر الماضية، منعت الاحتجاجات الشعبية التي انطلقت في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، والتي أدّت إلى استقالة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي، من إجراء التعداد، قبل أن يتحول تفشي وباء كورونا إلى سبب إضافي لإجراء الإحصاء.
وقال الكاظمي، في آخر اجتماع له مع المجلس الأعلى للسكان، بحضور عددٍ من وزراء حكومته، إن "الأهمية لتعداد عام للسكان والمساكن، تكمن في كونه الأساس لأي بناء تنموي يتطلع بثقة إلى المستقبل"، مقرناً عدالة الانتخابات وحسن إدارتها، بإجراء التعداد العام للسكان، "لما سيوفره لها من قاعدة بيانات سليمة وصحيحة". ووجّه الكاظمي التعليمات لوزارة التخطيط والفريق العامل على تهيئة التعداد العام، بـ"المضي في تهيئة كل مستلزمات التنفيذ، ضمن المدة الزمنية المحددة بالتعاون بين وزارات التخطيط والصحة والمالية".
لكن برزت منذ الأسبوع الماضي مؤشرات على عدم إمكانية إجراء التعداد السكاني خلال العام 2020، بسبب استمرار تفشي كورونا، إضافة إلى الظروف المالية. وقال وزير التخطيط العراقي خالد بتّال النجم، الأسبوع الماضي، خلال لقائه ممثلة صندوق الأمم المتحدة للسكان في العراق، ريتا كولومبيا، والوفد المرافق لها، إن "الوزارة تعمل على إعداد دراسة مهمة، تتناول أثر انتشار جائحة كورونا على واقع الرعاية الصحية في البلد، فيما ستنجز دراسة نوعية أخرى عن المشاكل الحقيقية التي يواجهها الشباب".
ولم يجر العراق تعداداً سكانياً يشمل كل أراضيه، منذ العام 1987. وبعد العام 2003، منعت الخلافات السياسية الحكومات العراقية المتعاقبة من إجرائه، خصوصاً في ما يتعلق بملف كركوك والمناطق المتنازع عليها، ومدن بغداد وديالى، والتغيير الديمغرافي الذي طاول العديد من مناطق البلاد وفقاً لأجندات قومية وأخرى طائفية. كما أن هناك خلافات تتعلق بإدراج القومية بين عربي وكردي وتركماني وآشوري، ضمن ورقة التعداد، وغيرها من المشاكل، التي حالت دون إجرائه.
وتواصلت "العربي الجديد" مع مسؤول في وزارة التخطيط، أوضح أن الكاظمي "حين أعلن عزم العراق إجراء التعداد السكاني، لم يكن على اطلاع شامل على ما قد يحدث من عواقب ومخاطر على العاملين في الوزارة، ولذلك فقد تراجع عن قراره بعدما تواصل مباشرة مع مسؤولين في الوزارة". ولفت إلى أن "التقديرات الأولية والتخمينات تشير إلى اقتراب العراق من عتبة 44 مليون نسمة، وهو رقم لا بد من التعرف عليه بدقة، من أجل إجراء تعديلات قانونية وحكومية وانتخابية بناءً عليه، ولذلك فإن إجراء الإحصاء بات أمراً ضرورياً جداً خلال المرحلة المقبلة، من أجل التوصل إلى صيغ جديدة للتعامل مع الزيادة السكانية الحاصلة، ومنها تغيير قانون الانتخابات أو تعديله، إضافة إلى وضع خطط حديثة لطريقة توزيع الثروات وتوفير فرص العمل".
ولفت المسؤول في وزارة التخطيط إلى أن ما كان يشجع على إجراء التعداد "وجود الموافقة والتأييد السياسي من غالبية الأطراف على ضرورة أن يتم في أقرب موعد، بهدف التأسيس لقاعدة بيانات حديثة ومعرفة الخصائص السكانية، وكذلك لمعرفة الاحتياجات المتعلقة بقطاعات الصحة والبنية التحتية والتعليم ونسب البطالة وغيرها".
وقبيل الإعلان رسمياً عن التأجيل، كان عضو مجلس النواب العراقي، حنين قدو، قد أكد في اتصال مع "العربي الجديد" أن "فيروس كورونا يمنع إجراء التعداد السكاني بكل تأكيد، لكن هناك عرقلة مالية لا بد لحكومة مصطفى الكاظمي من أن تعالجها، إضافة إلى الخلافات والمشاكل بين حكومتي بغداد وأربيل، خصوصاً بما يتعلق بالمادة 140 المتعلقة بالمناطق المتنازع عليها بين الطرفين". واتهم قدو بعض الجهات السياسية في إقليم كردستان بـ"السعي إلى إجراء التعداد في محافظات الإقليم بعيداً عن سلطة بغداد، من أجل التلاعب بالأرقام والحصول على مكاسب سياسية، وهو أمرٌ لا بد أن تحمله حكومة الكاظمي على محمل الجد وألا تسمح به".