كورونا والتجربة الأردنية

23 مارس 2020
+ الخط -
بلغت الإجراءات الحكومية في الأردن ذروتها في مواجهة انتشار وباء كورونا، حين أعلن مساء الجمعة المنصرم قرار حظر التجول في كل مناطق المملكة. وهو قرار اضطراري قاس، في سياق تنفيذ قرار ملكي جريء، تم بموجبه تفعيل العمل وفق قانون الدفاع الذي يتيح للحكومة اتخاذ إجراءات مشدّدة، وتنفيذها بالقوة الجبرية إذا اقتضى الأمر. لا يمكن لأحد يتحلّى بشيء من المنطق سوى الموافقة على الانصياع لرؤية الجهات المسؤولة، بغية محاصرة هذا الخطر الذي يحيق بنا جميعا، وقد حاولت الحكومة، بكل طاقتها، توعية الناس لضرورة البقاء في البيوت، حفاظا على سلامتهم وعدم الخروج إلا في حالات الضرورة القصوى، غير أن حجم الاستجابة الشعبية لم يكن في المستوى المطلوب، وتعامل كثيرون مع الأمر باستخفاف وقلة إدراك، ما دفع الحكومة إلى التصعيد، وصولا إلى قرار حظرالتجول كليا، ما جعل الناس يندفعون ويتزاحمون بشكل خطير في المخابز والمحال التجارية خوفاً من احتمالية الجوع. 
وعلى الرغم من التجاوزات التي شهدتها معظم شوارع المملكة، إلا أن التجربة الأردنية في التصدي لتبعات كورونا تعد سباقة متميزة، تستحق الإشادة والإضاءة الإعلامية، فمنذ اللحظة الأولى أبدت الجهات المختصة حرفية عالية وجدّية كاملة، وبذلت جهودا خرافية، تعجز عنها دول عظمى، بغية حماية مواطنيها والتقليل ما أمكن من عدد الإصابات، وتوفير أفضل شروط الحياة في هذه الظروف الاستثنائية، على الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة، ومحدودية، بل وشح، الموارد والبطالة وحالات الفقر المدقع، والمعوقات اللوجستية الكثيرة، وسخط المعارضة التقليدي على الأداء الحكومي. غير أن الأيام القليلة الماضية شهدت حالةً من التناغم غير المسبوق بين الحكومة والشعب. اختفت الصراعات والمماحكات السياسية، والتف الجميع حول الدولة، وتضافرت الجهود على المستوى الواقعي غير الشعاراتي، من أجل الخلاص سريعا من هذه الكارثة. ومنذ اللحظة الأولى، عملت الحكومة على إجلاء رعاياها من المقيمين في الدول المنكوبة، وأغلقت الجامعات والمدارس، وأقرت التعليم الإلكتروني عن بعد، وخصّصت إذاعات رسمية قنوات خاصة لبث الدروس للطلبة في منازلهم، ما ضمن استمرار العملية التعليمية، وخفف من مخاوف الأهالي. كما تميزت بالدقة والتنظيم العالي عمليات حجر نحو خمسة آلاف مواطن في ظروف معيشية ملائمة، أو تمت في زمن قياسي يستدعي الإحساس بالفخر.
وأعادت الحكومة النظر في سياساتها النقدية المتعلقة بالقروض والديون، وعجلت في مواعيد دفع الرواتب، تسهيلا على المواطنين. وأبدت حزما وتشدّدا إزاء فئة المستغلين من بعض التجار، وهم فئة باغية قليلة ممن وجدوا في ظروف البلد الحرجة فرصةً للكسب غير المشروع. وبادر أثرياء من القطاع الخاص إلى تقديم تبرعات مجزية، إسهاما منهم في معركة الحياة، وتعدّدت المبادرات الإنسانية الجميلة من كل الأفراد والقطاعات الخدمية، الطبية منها خصوصاً.
وساهمت شخصيات ثقافية وفنية في حملة التوعية بأساليب الوقاية من الوباء اللعين. وتعزّزت الروح الوطنية، كما لم يحدث من قبل، وتجلى التضامن الإنساني بأبهى صوره بين الأهل والجيران في الحارات. ونشطت حركة التواصل الاجتماعي الإيجابي، بما يفيد المجتمع، ويوثق أواصر المحبة بين الأفراد، فتعالى الجميع عن الخصومات الصغيرة، لإدراكهم أن مصيرنا واحد في هذا المركب الذي سيصل إلى بر الأمان قريبا. وما أن دوّت صفارات الإنذار في صباح يوم السبت، حتى بدأ الاطمئنان يتسلل إلى النفوس المذعورة. عزّز ذلك انتشار الجيش الذي يحظى بمحبة وتقدير الجميع في مداخل المدن والشوارع الرئيسية. حالة من التضامن المذهلة وحّدت بين الناس في صف واحد، معلنين رغبتهم في استرداد حياتهم، مقدّرين قيمتها بشكل أعمق، رافضين الاستسلام لأسباب الهزيمة، مصرّين على المقاومة من أجل غد معافى، متحلين بالصبر والعزيمة والإيمان بحتمية انجلاء هذه السحابة، قاتمة السواد، متلهفين جميعا للحظة انتصار قادمة لا ريب فيها.
AD06A645-8A0A-4B42-9292-5FC44B5D51C6
بسمة النسور

كاتبة أردنية، تحمل الليسانس في الحقوق، صدر لها ست مجموعات قصصية، وكتبت نصين مسرحيين. تكتب في الصحافة العربية منذ 1990، وتشغل موقع رئيسة تحرير مجلة "تايكي" المتخصصة بالإبداع النسوي.