قبل أيام، تخطّت الولايات المتحدة الأميركية الصين وإيطاليا المنكوبة لتحلّ أولى على قائمة البلدان المستهدفة من قبل الوباء العالمي الجديد. وتُعَد ولاية نيويورك الأكثر تضرراً.
"لو كنت جندياً يخوض أكبر معركة عرفها في حياته، وبعد حصولي على واحد من أفضل التدريبات في العالم أدركت وأنا في بداية المعركة أنّني لا أملك ما يكفي من ذخيرة لحماية نفسي، بماذا سأشعر؟". هكذا تجيب ندى، وهي طبيبة أميركية من أصول يمنية، "العربي الجديد" عند سؤالها عن شعورها اليوم. هي تعمل في أحد مستشفيات مدينة نيويورك وتشكو، كما غيرها من الأطقم الطبية والصحية، من نقص في مستلزمات الحماية الشخصية الأساسية، من قبيل القفازات والأقنعة والبزّات الواقية من فيروس كورونا الجديد، علماً أنّ أغنياء العالم لطالما قصدوا نيويورك للتداوي في مستشفياتها التي يُعد بعضها من الأفضل، لكنّ الحال تبدّلت منذ ستّة أسابيع.
والنقص الذي تشير إليه ندى، التي فضّلت عدم الكشف عن هويتها كاملة، وصل إلى حدّ إصدار مستشفيات نيويورك بمعظمها، كما في ولاية واشنطن، تعليمات تلزم الأطباء والممرضين باستخدام كمّامات "إن 95" (تحمي من نحو 95 في المائة من الفيروسات)، على مدى خمسة أيام مع تعقيمها باستمرار. وهذا ما يفسّر ما أشارت إليه ندى عن شعور جنود الصف الأوّل الذين يحاربون الفيروس الجديد فيما حمايتهم غير مكفولة، ويخشون من انتشار العدوى إليهم. بالفعل، بدأت مستشفيات عدّة تسجّل إصابات في أطقمها الطبية، فيما باشر بعضها بتحويل مرضى إلى أخرى في منطقتها بعدما وصلت إلى حدّ فاق قدرتها على التعامل مع أعداد المرضى. وتحويل المرضى استراتيجية متّبعة كجزء من خطة أُعلن عنها على مستوى ولاية نيويورك، حتى تتقاسم المستشفيات الأعباء. كذلك طلبت الولاية من أطباء وممرضين متقاعدين العودة إلى مزاولة مهنهم في حال قدرتهم على ذلك، فيما وجّهت نداءات إلى أطقم طبية من خارج الولاية تطلب فيها مساندة نيويورك للتخفيف من الضغط الذي ترزح تحته أطقمها المحلية. أمّا الصعوبة الكبرى التي قد تواجهها الأطقم الطبية وفرق الإسعاف في هذه الأزمة هي أن تصل إلى نقطة تضطرها إلى اختيار من هم المرضى الذين سيتلقون الرعاية ومن هم الذي سيُتركون لمواجهة مصيرهم، على خلفية توفّر أجهزة التنفس الصناعي. وكان عمدة مدينة نيويورك بيل ديبلازيو قد حذّر، الأحد الماضي، من أنّ الإمدادات الطبية في مدينة نيويورك تكفي لأسبوع واحد فقط، مشيراً إلى أنّه طلب تعزيزات في ظلّ الحاجة الماسة إلى مئات من أجهزة التنفس الصناعي.
يأتي هذا كلّه في وقت شهدت فيه خط الطوارئ 911 في مدينة نيويورك ضغطاً غير مسبوق لم يشهده عاملو الهاتف في هذا المجال منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 على نيويورك. وبحسب بيانات رسمية لخطوط الطوارئ والإطفائية في مدينة نيويورك، فإنّها تستقبل في اليوم العادي أربعة آلاف اتصال طوارئ، لكنّ معدّل الاتصالات وصل في الأيام الأخيرة إلى سبعة آلاف اتصال في اليوم، وعدد كبير منها يتعلّق بفيروس كورونا.
وضرب الفيروس الجديد نيويورك، المدينة كما الولاية، بحدّة هي الأكبر في الولايات المتحدة الأميركية، لتُعلن الولاية منطقة منكوبة. وقد سُجّلت، حتى صباح اليوم الثلاثاء، نحو 67 ألف إصابة، أكثر من نصفها (38 ألفاً) في مدينة نيويورك التي تُعدّ بؤرة للوباء. والأرقام المتداولة المقلقة تعني أنّ أكثر من أربعين في المائة من الإصابات التي سُجلت في الولايات المتحدة عموماً هي في ولاية نيويورك. وعلى الرغم من تسجيل الولايات المتحدة أكبر نسبة إصابات في العالم، أكثر من 164 ألف إصابة حتى صباح اليوم الثلاثاء، فإنّ الأرقام الحقيقية في الغالب أعلى بكثير، إذ إنّ الفحوصات الطبية للكشف عن الإصابة بالعدوى غير متوفرة على نطاق واسع، حتى في المناطق التي تشهد معدلات إصابة عالية مثل نيويورك.
وفي هذا الإطار، حذّر مسؤولون من أنّ الأوضاع مرشّحة لتزداد سوءاً. وقد صرّح حاكم ولاية نيويورك أندرو كومو، في مؤتمر صحافي يوم الأحد الماضي، بأنّ ولايته سجّلت أكبر معدّل وفيات جديدة من جرّاء الإصابة بفيروس كورونا، محذّراً من أنّ الأزمة قد تتفاقم. أضاف كومو: "إذا نظرنا إلى الأرقام والمستجدات، فإنهّا تشير إلى احتمال وفاة الآلاف".
اقــرأ أيضاً
ومع تفاقم الوضع أمام أعين الجميع، نجد الرئيس الأميركي دونالد ترامب ماضياً في الرد والتفاعل ببطء مع ما يطلبه حكام الولايات، على الرغم من أنّ عدداً منهم، بمن فيهم حكام نيويورك وواشنطن وكاليفورنيا ونيو جيرسي، كانوا قد دقّوا ناقوس الخطر قبل أسابيع. ومن جهتها، كانت ولاية نيويورك قد أعلنت حالة الطوارئ على مستواها قبل أن تعلنها الحكومة الفدرالية. لكنّ ترامب يبدو مشغولاً وبشكل دائم بتغريدات يدوّنها على موقع "تويتر" تثير غضب كثيرين، ولعلّ الهدف منها بالإضافة إلى جسّ نبض الرأي العام، تحويل الأنظار عن المواضيع الأساسية، كالنقص الحاد في المعدّات اللازمة لخوض الحرب على هذا الفيروس في أغنى بلد في العالم. وأخيراً، أغضبت واحدة من تغريداته أهالي نيويورك، حين أشار إلى نيّته وضع ولاية نيويورك وجارتَيها نيو جيرسي وكونيتكت تحت الحجر الصحي، غير أنّه سرعان ما تراجع عن ذلك بعد ردود فعل قوية تشكك في قانونية إجراء من هذا القبيل وفي أن يكون أصلاً من ضمن صلاحياته كرئيس وليس من صلاحية الولايات أنفسها. هكذا عاد ليعلن أنّ الحجر الصحي لن يكون ضرورياً، وأنّ تحذيراً قوياً سيصدر بشأن السفر من تلك الولايات وإليها. يُذكر أنّ سكان تلك الولايات يلازمون بيوتهم، باستثناء الذين يحتاجون إلى الخروج لمزاولة مهنهم أو شراء المواد الغذائية والدواء وغيرهما من الضروريات. ولو كان بالأمر بيد دونالد ترامب، لكانت الولايات قد استأنفت دورة حياتها الطبيعية في حلول عيد الفصح، في 12 الشهر المقبل، وهو ما عاد وتراجع عنه، ليحذّر، قبل يومين، من أنّ الأسبوعين المقبلين سيشهدان ذروة عدد الإصابات والوفيات في الولايات المتحدة.
وعلى الرغم من تفعيل قانون الإنتاج الدفاعي قبل نحو أسبوعَين، فإنّ الحكومة الفدرالية وفروعها المختصة لم توكل لأيّ من المصانع تغيير إنتاجها لتوفير المعدّات الناقصة من أجهزة تنفّس ومستلزمات وقاية وغيرها، إلا قبل أيام معدودة. وكان ترامب قد شكّك في أكثر من مناسبة بالحاجة الفعلية إلى 30 ألف جهاز تنفّس صناعي إضافي في ولاية نيويورك، بحسب تقديرات حاكم الولاية. لكنّ أنتوني فاوتشي، وهو باحث وطبيب مرموق وعضو طاقم الطوارئ الفدرالي، أكّد تقديرات حاكم نيويورك حول حاجة الولاية إلى ذلك العدد من أجهزة التنفس الصناعي في الأسابيع المقبلة.
والأمر لا يتوقّف عند هذا الحد، فقد شكى حكام الولايات وفي مقدّمتهم حاكم نيويورك في أكثر من مناسبة من تضاعف أسعار المنتجات والمعدّات الطبية في السوق الأميركي، وذلك بسبب اضطرار الولايات إلى المضاربة ضدّ بعضها لشراء ما تحتاجه. وأعطى كومو مثالاً سعر الكمّامات العادية الذي كان نحو ثمانين سنتاً للواحدة ليصير اليوم سبعة دولارات أميركية، أمّا سعر جهاز التنفس الصناعي الذي كان 22 ألف دولار فقد وصل اليوم إلى نحو 45 ألف دولار. أضاف كومو أنّ الشركات تعرض بضاعتها في السوق والولايات تدخل في مضاربات لأنّها في حاجة ماسة إلى كلّ المعدّات الممكنة، موضحاً أنّ الحلّ يكون عن طريق قيام الحكومة الفدرالية بشراء كلّ تلك المعدات وتوزيعها على الولايات بحسب الحاجة. وقبل يومَين، بدأت الحكومة الفدرالية النظر بشكل جدي في خطوة من هذا القبيل وتشكيل فريق مختص لمتابعة الأمر على الرغم من أنّ تحذيرات كومو وغيره مستمرة منذ أسابيع.
ويفيد تقرير أعدّته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية بأنّ إدارة ترامب أضاعت وقتاً ثميناً ولم تستجب بالشكل اللازم حتى قبل أن يتفشّى الفيروس في داخل الولايات المتحدة، ففشلت في توفير العدد الكافي من الفحوصات الطبية اللازمة للكشف عن الإصابة بالعدوى على نطاق واسع. وهذا الفشل أدّى إلى خسارة البلاد نحو ستة أسابيع، ما بين نهاية يناير/ كانون الثاني وبداية مارس/ آذار، من الاستعداد والردّ. وبحسب التقرير الذي ارتكز على آراء أكثر من خمسين مختصاً ومسؤولاً في مجال الصحة العامة، حاليين وسابقين، إلى جانب مسؤولين حكوميين وكبار العلماء ومديري شركات، فإن الولايات المتحدة البلد الذي يضمّ عدداً من أفضل الباحثين والمختبرات في العالم، أضاع أكثر من شهر بسبب فشل المسؤولين في البيت الأبيض في الردّ بسرعة واتخاذ الخطوات الصحيحة والضرورية، بما فيها رفع العقبات التنظيمية والبيروقراطية واكتشاف الثغرات والتحرّك السريع من أجل توفير فحوصات طبية كافية ودقيقة.
اقــرأ أيضاً
وحتى نهاية شهر فبراير/ شباط الماضي، كان ترامب يكذّب خطورة الوضع، وفي واحدة من أشهر تصريحاته الإعلامية آنذاك ادّعى أن الفيروس على وشك أن يتبدد، قائلاً "سيختفي ذات يوم، كالمعجزة سيختفي". لكنّ المعجزة الحقيقية التي يحتاجها أهالي نيويورك والأميركيون عموماً هي أن يقوم رئيسهم باتخاذ الخطوات اللازمة في خلال الأيام والأسابيع المقبلة بالسرعة اللازمة وإلا فإنّ الوضع سيتدهور بشكل أكبر في البلاد التي تسجّل عدد الإصابات الأكبر في العالم. وهكذا لن ينفع وجود أفضل الأطباء والباحثين إذا كانت أسس الوقاية، فحوصات كافية ومعدات حماية، غير متوفرة عندما تستدعي الحاجة.
والنقص الذي تشير إليه ندى، التي فضّلت عدم الكشف عن هويتها كاملة، وصل إلى حدّ إصدار مستشفيات نيويورك بمعظمها، كما في ولاية واشنطن، تعليمات تلزم الأطباء والممرضين باستخدام كمّامات "إن 95" (تحمي من نحو 95 في المائة من الفيروسات)، على مدى خمسة أيام مع تعقيمها باستمرار. وهذا ما يفسّر ما أشارت إليه ندى عن شعور جنود الصف الأوّل الذين يحاربون الفيروس الجديد فيما حمايتهم غير مكفولة، ويخشون من انتشار العدوى إليهم. بالفعل، بدأت مستشفيات عدّة تسجّل إصابات في أطقمها الطبية، فيما باشر بعضها بتحويل مرضى إلى أخرى في منطقتها بعدما وصلت إلى حدّ فاق قدرتها على التعامل مع أعداد المرضى. وتحويل المرضى استراتيجية متّبعة كجزء من خطة أُعلن عنها على مستوى ولاية نيويورك، حتى تتقاسم المستشفيات الأعباء. كذلك طلبت الولاية من أطباء وممرضين متقاعدين العودة إلى مزاولة مهنهم في حال قدرتهم على ذلك، فيما وجّهت نداءات إلى أطقم طبية من خارج الولاية تطلب فيها مساندة نيويورك للتخفيف من الضغط الذي ترزح تحته أطقمها المحلية. أمّا الصعوبة الكبرى التي قد تواجهها الأطقم الطبية وفرق الإسعاف في هذه الأزمة هي أن تصل إلى نقطة تضطرها إلى اختيار من هم المرضى الذين سيتلقون الرعاية ومن هم الذي سيُتركون لمواجهة مصيرهم، على خلفية توفّر أجهزة التنفس الصناعي. وكان عمدة مدينة نيويورك بيل ديبلازيو قد حذّر، الأحد الماضي، من أنّ الإمدادات الطبية في مدينة نيويورك تكفي لأسبوع واحد فقط، مشيراً إلى أنّه طلب تعزيزات في ظلّ الحاجة الماسة إلى مئات من أجهزة التنفس الصناعي.
يأتي هذا كلّه في وقت شهدت فيه خط الطوارئ 911 في مدينة نيويورك ضغطاً غير مسبوق لم يشهده عاملو الهاتف في هذا المجال منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 على نيويورك. وبحسب بيانات رسمية لخطوط الطوارئ والإطفائية في مدينة نيويورك، فإنّها تستقبل في اليوم العادي أربعة آلاف اتصال طوارئ، لكنّ معدّل الاتصالات وصل في الأيام الأخيرة إلى سبعة آلاف اتصال في اليوم، وعدد كبير منها يتعلّق بفيروس كورونا.
وضرب الفيروس الجديد نيويورك، المدينة كما الولاية، بحدّة هي الأكبر في الولايات المتحدة الأميركية، لتُعلن الولاية منطقة منكوبة. وقد سُجّلت، حتى صباح اليوم الثلاثاء، نحو 67 ألف إصابة، أكثر من نصفها (38 ألفاً) في مدينة نيويورك التي تُعدّ بؤرة للوباء. والأرقام المتداولة المقلقة تعني أنّ أكثر من أربعين في المائة من الإصابات التي سُجلت في الولايات المتحدة عموماً هي في ولاية نيويورك. وعلى الرغم من تسجيل الولايات المتحدة أكبر نسبة إصابات في العالم، أكثر من 164 ألف إصابة حتى صباح اليوم الثلاثاء، فإنّ الأرقام الحقيقية في الغالب أعلى بكثير، إذ إنّ الفحوصات الطبية للكشف عن الإصابة بالعدوى غير متوفرة على نطاق واسع، حتى في المناطق التي تشهد معدلات إصابة عالية مثل نيويورك.
وفي هذا الإطار، حذّر مسؤولون من أنّ الأوضاع مرشّحة لتزداد سوءاً. وقد صرّح حاكم ولاية نيويورك أندرو كومو، في مؤتمر صحافي يوم الأحد الماضي، بأنّ ولايته سجّلت أكبر معدّل وفيات جديدة من جرّاء الإصابة بفيروس كورونا، محذّراً من أنّ الأزمة قد تتفاقم. أضاف كومو: "إذا نظرنا إلى الأرقام والمستجدات، فإنهّا تشير إلى احتمال وفاة الآلاف".
ومع تفاقم الوضع أمام أعين الجميع، نجد الرئيس الأميركي دونالد ترامب ماضياً في الرد والتفاعل ببطء مع ما يطلبه حكام الولايات، على الرغم من أنّ عدداً منهم، بمن فيهم حكام نيويورك وواشنطن وكاليفورنيا ونيو جيرسي، كانوا قد دقّوا ناقوس الخطر قبل أسابيع. ومن جهتها، كانت ولاية نيويورك قد أعلنت حالة الطوارئ على مستواها قبل أن تعلنها الحكومة الفدرالية. لكنّ ترامب يبدو مشغولاً وبشكل دائم بتغريدات يدوّنها على موقع "تويتر" تثير غضب كثيرين، ولعلّ الهدف منها بالإضافة إلى جسّ نبض الرأي العام، تحويل الأنظار عن المواضيع الأساسية، كالنقص الحاد في المعدّات اللازمة لخوض الحرب على هذا الفيروس في أغنى بلد في العالم. وأخيراً، أغضبت واحدة من تغريداته أهالي نيويورك، حين أشار إلى نيّته وضع ولاية نيويورك وجارتَيها نيو جيرسي وكونيتكت تحت الحجر الصحي، غير أنّه سرعان ما تراجع عن ذلك بعد ردود فعل قوية تشكك في قانونية إجراء من هذا القبيل وفي أن يكون أصلاً من ضمن صلاحياته كرئيس وليس من صلاحية الولايات أنفسها. هكذا عاد ليعلن أنّ الحجر الصحي لن يكون ضرورياً، وأنّ تحذيراً قوياً سيصدر بشأن السفر من تلك الولايات وإليها. يُذكر أنّ سكان تلك الولايات يلازمون بيوتهم، باستثناء الذين يحتاجون إلى الخروج لمزاولة مهنهم أو شراء المواد الغذائية والدواء وغيرهما من الضروريات. ولو كان بالأمر بيد دونالد ترامب، لكانت الولايات قد استأنفت دورة حياتها الطبيعية في حلول عيد الفصح، في 12 الشهر المقبل، وهو ما عاد وتراجع عنه، ليحذّر، قبل يومين، من أنّ الأسبوعين المقبلين سيشهدان ذروة عدد الإصابات والوفيات في الولايات المتحدة.
وعلى الرغم من تفعيل قانون الإنتاج الدفاعي قبل نحو أسبوعَين، فإنّ الحكومة الفدرالية وفروعها المختصة لم توكل لأيّ من المصانع تغيير إنتاجها لتوفير المعدّات الناقصة من أجهزة تنفّس ومستلزمات وقاية وغيرها، إلا قبل أيام معدودة. وكان ترامب قد شكّك في أكثر من مناسبة بالحاجة الفعلية إلى 30 ألف جهاز تنفّس صناعي إضافي في ولاية نيويورك، بحسب تقديرات حاكم الولاية. لكنّ أنتوني فاوتشي، وهو باحث وطبيب مرموق وعضو طاقم الطوارئ الفدرالي، أكّد تقديرات حاكم نيويورك حول حاجة الولاية إلى ذلك العدد من أجهزة التنفس الصناعي في الأسابيع المقبلة.
والأمر لا يتوقّف عند هذا الحد، فقد شكى حكام الولايات وفي مقدّمتهم حاكم نيويورك في أكثر من مناسبة من تضاعف أسعار المنتجات والمعدّات الطبية في السوق الأميركي، وذلك بسبب اضطرار الولايات إلى المضاربة ضدّ بعضها لشراء ما تحتاجه. وأعطى كومو مثالاً سعر الكمّامات العادية الذي كان نحو ثمانين سنتاً للواحدة ليصير اليوم سبعة دولارات أميركية، أمّا سعر جهاز التنفس الصناعي الذي كان 22 ألف دولار فقد وصل اليوم إلى نحو 45 ألف دولار. أضاف كومو أنّ الشركات تعرض بضاعتها في السوق والولايات تدخل في مضاربات لأنّها في حاجة ماسة إلى كلّ المعدّات الممكنة، موضحاً أنّ الحلّ يكون عن طريق قيام الحكومة الفدرالية بشراء كلّ تلك المعدات وتوزيعها على الولايات بحسب الحاجة. وقبل يومَين، بدأت الحكومة الفدرالية النظر بشكل جدي في خطوة من هذا القبيل وتشكيل فريق مختص لمتابعة الأمر على الرغم من أنّ تحذيرات كومو وغيره مستمرة منذ أسابيع.
ويفيد تقرير أعدّته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية بأنّ إدارة ترامب أضاعت وقتاً ثميناً ولم تستجب بالشكل اللازم حتى قبل أن يتفشّى الفيروس في داخل الولايات المتحدة، ففشلت في توفير العدد الكافي من الفحوصات الطبية اللازمة للكشف عن الإصابة بالعدوى على نطاق واسع. وهذا الفشل أدّى إلى خسارة البلاد نحو ستة أسابيع، ما بين نهاية يناير/ كانون الثاني وبداية مارس/ آذار، من الاستعداد والردّ. وبحسب التقرير الذي ارتكز على آراء أكثر من خمسين مختصاً ومسؤولاً في مجال الصحة العامة، حاليين وسابقين، إلى جانب مسؤولين حكوميين وكبار العلماء ومديري شركات، فإن الولايات المتحدة البلد الذي يضمّ عدداً من أفضل الباحثين والمختبرات في العالم، أضاع أكثر من شهر بسبب فشل المسؤولين في البيت الأبيض في الردّ بسرعة واتخاذ الخطوات الصحيحة والضرورية، بما فيها رفع العقبات التنظيمية والبيروقراطية واكتشاف الثغرات والتحرّك السريع من أجل توفير فحوصات طبية كافية ودقيقة.
وحتى نهاية شهر فبراير/ شباط الماضي، كان ترامب يكذّب خطورة الوضع، وفي واحدة من أشهر تصريحاته الإعلامية آنذاك ادّعى أن الفيروس على وشك أن يتبدد، قائلاً "سيختفي ذات يوم، كالمعجزة سيختفي". لكنّ المعجزة الحقيقية التي يحتاجها أهالي نيويورك والأميركيون عموماً هي أن يقوم رئيسهم باتخاذ الخطوات اللازمة في خلال الأيام والأسابيع المقبلة بالسرعة اللازمة وإلا فإنّ الوضع سيتدهور بشكل أكبر في البلاد التي تسجّل عدد الإصابات الأكبر في العالم. وهكذا لن ينفع وجود أفضل الأطباء والباحثين إذا كانت أسس الوقاية، فحوصات كافية ومعدات حماية، غير متوفرة عندما تستدعي الحاجة.