كورونا تزيد الشعوب العربية فقراً

17 يوليو 2020
+ الخط -

تزداد شراسة جائحة كورونا يومًا بعد يوم، لتتَّسع معها هوَّة الفقر التي ستلتهم ما أمكنها من الفقراء والمستضعفين الذين يتعذَّر عليهم تأمين قوت يومهم، في أوضاع ازدادت تعقيدًا وقساوة بسبب إجراءات الحجر الصحي التي تمَّ فرضها في كل الدول العربية دون استثناء.

وقد أشار تقرير صادر عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا "الإسكوا" في أبريل/نيسان 2020 إلى أنّ 8.3 ملايين شخص إضافي سيقعون في براثن الفقر بالمنطقة العربية، بسبب الغمامة الكورونية التي أبت أن تنقشع، وسبَّبت موجة عاتية من فقدان الوظائف، وارتفاعًا في الأسعار، وانخفاضًا غير مسبوق في تدفُّق التحويلات المالية للمغتربين، وعسَّرت الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية، حيث أفاد التقرير بأنّ العالم العربي سيخسر ما لا يقل عن 1.7 مليون وظيفة في عام 2020.

وبعدما ازداد بطش كورونا أصدرت "الإسكوا" تقريرًا آخر في يونيو/حزيران 2020 صحَّحت فيه التوقُّعات، ومنحتها طابعًا أكثر رعبًا وفزعًا، وأشارت فيه إلى انضمام 16 مليون شخص إضافي إلى فئة الفقراء والمعوزين، باحتساب كل خطوط الفقر، وفقدان المنطقة العربية لما يفوق 6 ملايين وظيفة في عام 2020، فلم يكن ينقص الجهود العربية ذات السرعة الحلزونية في مكافحة الفقر والتخفيف من حدَّته سوى هذه الجائحة لتزيدها خمولًا وجمودًا.

ولم تلبث أغلب الشعوب العربية أن تعافت من سلسلة الصدمات والانتكاسات التي أعقبت ثورات الربيع العربي، حتى جاءت العاصفة الكورونية، لتكون أكثر العواصف الاقتصادية عنفًا مع الطبقات الفقيرة والمتوسطة، لا سيَّما أنّ معظم الدول العربية غير مستعدَّة إطلاقًا لمواجهة النتائج الاقتصادية والاجتماعية الكارثية للجائحة، حيث تتوقَّع "الإسكوا" في آخر تقرير لها انزلاق 9.1 ملايين شخص إضافي في المنطقة العربية تحت خط الفقر الذي ينفق فيه الفقراء ما لا يزيد عن 1.9 دولار يوميًا بحلول عام 2021.

وكلما ازدادت فجوة الفقر اتِّساعًا ازدادت معها تكاليف إغلاقها التي قد تصل حسب "الإسكوا" إلى مبلغ يتراوح ما بين 45 مليار دولار إلى 51.7 مليار دولار عام 2021 لخط الفقر البالغ 3.5 دولارات للفرد في اليوم، وستتراوح تلك التكاليف من 11.7 مليار دولار إلى 12.4 مليار دولار عام 2021 لخط الفقر البالغ 1.9 دولار للفرد في اليوم، كما سترتفع تلك التكاليف حتمًا في سورية واليمن الممزَّقين بالحروب.

وكانت الزيادة في الفقر في العالم العربي قبل جائحة كورونا تسير وفق منحنى تصاعدي مطرد، فقد بلغت نسبة السكان الذين يعيشون في فقر مدقع 29.2 بالمائة في عام 2019، أي ما يعادل 101.4 مليون شخص مقارنة بـ 22.8 بالمائة في عام 2010 ، أي ما يعادل 66.4 مليون شخص، وستزداد سرعة ارتفاع معدل الفقر نتيجة للدور الذي تلعبه جائحة كورونا في مفاقمة مشكلة البطالة والتهاب الأسعار وتعطيل خدمات الرعاية الصحية.

فحسب "الإسكوا" سيرتفع معدل الفقر إلى 32.4 بالمائة في عام 2020، وسيصل عدد الفقراء في عام 2021 إلى حوالي 116 مليون نسمة يقيم أكثر من 80 بالمائة منهم في مصر، اليمن، سورية والسودان، ومن المتوقَّع أن تؤدِّي جائحة كورونا إلى رفع نسبة الفقر المدقع في الدول العربية لتصل إلى 33.3 بالمائة، أي ما يعادل 9.1 ملايين شخص عند خط الفقر المحدَّد بـ 1.9 دولار أو أقل في اليوم في عام 2021.

وكل الأرقام القاتمة التي تسردها التكهُّنات، التي تحوم حول الآثار الاقتصادية لجائحة كورونا، تنمّ على أنّ أغلب الحكومات العربية ستكون على موعد مع الفقر في حلَّته الكورونية الجديدة، والذي سيكون أشدّ فتكًا بالفقراء وأكثر اغتيالًا لأحلام متوسطي الدخل بتحسين أوضاعهم.

وإذا عجزت تلك الحكومات عن التخفيف من آلام الفقراء خلال العشريات الماضية فستثبت فشلها الذريع في انتشال الفقراء، الذين ترمي بهم كورونا في دوامة الفقر المدقع، خلال العقود المقبلة، وإذا تعذَّر سابقًا إيجاد الموارد المالية اللازمة لإغلاق فجوة الفقر القائمة، فسيستحيل مستقبلًا استحضار الأموال الكافية لسدّ، ولو حيِّزا بسيطا، في فجوة الفقر التي تنخر فيها كورونا، وتزيد من عمقها في كل يوم يمرّ لا تحرِّك فيه الحكومات العربية ساكنًا لإيجاد وتطبيق سياسات فعّالة للحدّ من الفقر عوضًا عن التمسُّك بسياسات عقيمة، أكل الدهر عليها وشرب، تصنع الفقر بدلًا من أن تحاربه.

وتبقى كل توقُّعات نسب الفقر ما بعد عام 2020 عرضة للزيادة، نظرًا لغياب الوسائل والأدوات الناجعة للتعامل مع عدم اليقين الكبير الذي تنثره كورونا في كل أنحاء المعمورة، فقد نجحت هذه الجائحة في خلط كل الأوراق وإرباك سلوك الاقتصاد الكلي والجزئي، وضيَّقت الخناق على استهلاك الأسر الفقيرة والمتوسطة وعصفت بمصدر رزق عمال المُياومة.

كما أنّ الحذر مطلوب بشدّة في التعامل مع التنبُّؤات المتعلقة بنسب الفقر للفئات الهشة التي تعيش على أقل من 1.90 دولار للفرد في اليوم، لأنّها أكثر عرضة من غيرها من الفئات لحدوث انخفاض كبير في استهلاكها، لارتباط جزء كبير من دخلها بالعمل في القطاع غير الرسمي الذي تأثَّر بشدّة بالركود الاقتصادي الذي فرضته الجائحة، وأيضًا لضآلة أو انعدام مدّخراتها وثرواتها التي تسمح باستمرار استهلاكها خلال الأزمة مقارنة بالأسر ذات الدخل المرتفع والمتوسط.

خلاصة القول إنّ جائحة كورونا تفوَّقت على جميع الكوارث والثورات في تقسيم التاريخ إلى حقبتين، ما قبل كورونا وما بعدها، والحكومات العربية التي فشلت في القضاء على الفقر في فترة ما قبل كورونا ستعجز لا محالة عن الحدّ من الفقر في فترة ما بعد كورونا.

ولا يزال كل من ضعف سياسات الحماية الاجتماعية وانتهاء صلاحية العقد الاجتماعي بين المواطن والدولة يرجح الكفَّة لكورونا، لتجعل قاع السلم الاجتماعي أكثر ازدحامًا بالفقراء، وإذا تمكَّن العالم المتقدم من إيجاد ترياق للجائحة سيتعذَّر على العالم العربي إيجاد ترياق للفقر الذي ينهش الشعوب العربية.

وإذا أرادت الحكومات العربية تصحيح الاختلال المزمن في ميزان المساواة في الثروة بين الناس عليها أن تبتعد عن جيوب الفقراء، وتتَّجه صوب فرض ضرائب على ثروات الأغنياء.

المساهمون