كوردٍ يُقلّمُ بالعطر أشواكَه

05 مايو 2015
+ الخط -
نفرٌ من جِنّ

قيلَ بأنا نفرٌ من جنٍّ،
لكن حين نظرنا في المرآة
رآنا، في المرآة، الإنسُ

قلنا كابوسٌ لا شكّ ويمضي
ومضينا ..
قمحٌ في أيدينا
نفركه .. يخضرّ،
كهوفٌ في أعيننا
نسكنها .. تَدفأ؛

قتلى منسيون على جدران منازلنا،
أحياء فوق أرائكنا
لا يمسكْهم حسٌ عنا
لا يطْلقهم فينا حسُ

قيل بأنا نعرف، ما زلنا،
وجعَ الأصداف
إذا ما مات البحرُ،
ونعرف كيف تُجَسُ

غرباء نحن بلا أسماء أو ألوان،
شاهدنا أحمرنا ينهار .. فأغضينا،
أخضرنا يتلاشى .. أغضينا،
أصفرنا،
أبيضنا،
والآن .. هنا ، في هذي اللحظة،
في هذا اللا عمر
نشاهِد
نَشهد
نُستشهَد ..
لكنا ما زلنا نُغضي

نفر من جن
ملعونون
يرَون
يرون
يرون
.. ويدخل بعضٌ منهم في بعضِ!




حياً في قبري

مجنونان،
أنا ورنين الكأس الملأى
تقرع كأساً فارغةً
إلا من بعض رنينْ

غَبشان غبيّان :
ستارة نافذتي،
والنافذة المشبوحة فوق الحائط
منذ سنينْ

سقفان اثنان
لبيتٍ لا يسكنه أحدٌ،
والبابُ صريرُ وداعٍ
للآتين

شفتان على شفتين،
كأن الحب إلهٌ
رحمن ورحيمٌ
وكأنّ القبلة دينْ

موتان يجوبان الطرقات
ككلبين،
ويشتمّان غباراً معفوراً
بخطى الماضينْ

ها أنا وحدي، حياً في قبري
واثنان من الموتى
يتلو الواحدُ بعد الآخر فوقي
سورةَ ياسينْ!



النافذة

ما لون هذي البرتقالةِ؟
تُسألُ السكينُ.

ما طعمُ البنفسجِ؟
يُسأل الحصادُ.

كيف تكون رائحة الغيوم
إذا تبلّل خدّها بالأرضِ؟
تُسأل نعجةٌ ضلّت.

وأي غوايةٍ في أن تكون شباكُهُ خرقاءَ؟
يُسأل صائد الحيتانِ.

من أهدى لطفلٍ موته
في العيد؟
يُسأل، مثلما في العادة، العيدُ.

الدخان بأي شكل
يُدمع العينين؟
تُسأل ظلمةٌ.

وإلى متى أو أين؟
تُسأل خمرة يبستْ
كجرحٍ بائتٍ فوق الشفاه.

ومن يراك .. هناكَ .. بينك؟
يُسأل الأعمى.

متى في البحر تَغرقُ؟
يُسأل الموجُ المعلّقُ، فتنةً،
بالقشِّ.

ما تشتاقُ ؟
يُسأل عاشقٌ في حضن معشوقٍ.

إذن .. من أنتَ ؟
يُسأل من رأى المرآة نافذةً
تُطلّ عليهْ
تُنكره قليلاً،
ثم تمحوه قليلاً،
ثم تجلس في السؤال
حزينةً ..
ترنو إليهْ!



نسيان

ربما كنتَ نسيتْ

أنا ذاك الطفلُ،
ذاك الشيخُ ،
تلك المرأةُ الحاملُ جناً؛

وأنا الشرخ ُالذي في قشرة الرمّانِ،
والشِّقُ الذي في عسل التينِ،
أنا مجرى حجارٍ .. لا مياهٍ؛

وأنا كأسُكَ
أسكبْ بيَ ما شئتَ
وطوّح بي بعيداً حينما أفرغُ،
أَسكرْني .. ولا تَسكرْ

تذكرْ
نحن ابنا لذةٍ كنا وَلَدناها،
عجنّا الطين بالشمس،
وأولجنا نهاراً غافلاً في الليل،
ليلاً في نهارٍ غافلٍ؛

كنا أوينا لجبال لم تكن تعصمنا،
وهدمنا فُلكنا قبل بلوغ الماء،
واخترنا حبيباتٍ من الملح
لكي يحفظننا مِن بَعدِنا ..

كنا خَبَزنا لجياع الأرض
ما ضنّتْ به الأرضُ علينا،
وأكلْنا جوعَنا الكاملَ ...

كم طفلين كنا!
لنقول العمرُ ملهاةٌ،
دمىً نَلعبها،
وجعٌ نلتذّهُ،
.. وكبِرنا،
ها أنا ما زلت أشقاه
وكم أنت شقيتْ!

وتذكرْ
أنت لا تذكر شيئاً،
وأنا مثلك
يا رب
نسيتْ!!




بعد الخمسين

في الثامنة قليلاً بعد الخمسينْ
ماذا يتوقع مني اللهُ
وماذا تنتظر امرأتي ؟

▪ ▪

ما كان كلاماً في الحبّ،
ولا عن يوسفَ ملقىً في الجبّ،
كلامي كان عن امرأة وخيال امرأةٍ
بينهما موتٌ يتحدان بهِ
كي يولد بينهما سفرُ التكوينْ


كتبتُ رسائلَ للأحياء
وأخرى للموتى
.. وحشوتُ بها أدراجي؛


فتّحتُ لكلّ هواء نافذتي
وسفحتُ على كل ترابٍ خمري؛
ما لم أرهُ قلتُ له غِبْ!
ما لم يرني لن يعرف أني غبتُ
ولن يلحظ صمتي
وهو يفور ويشهقُ
في قلب الطينْ

.. وأنا في الثامنة قليلاً بعد الخمسينْ

▪ ▪

ماذا يتوقع مني اللهُ ؟
وماذا تُشبهُ هذي الأشباهُ؟
رأيتُ يدين على وجهٍ تنتحبان
وكان يصلي الوجهُ؛
رأيتُ دماءً تنفر من عينين
وكانت تبتهلُ العينان ؛
رأيت لهيباً يَسبَحُ فيه الخشبُ الجائعُ؛
بيتاً يهدمه صاحبُهُ
كي تسكنه الجنُ؛
ملائكةً تصطفّ على الكتف اليسرى للرغبة
تُحصي زلات مواجعها؛

ورأيت صراخاً يهدر من رئتي
.. وأنا بعدُ صبيٌ يلهو
في الثامنة قليلاً بعد الخمسينْ!

▪ ▪

اعتذري يا ناياتُ
اعتذري يا حاناتُ
ويا تفاحُ اختَرْ أسناناً أمضى وأحَنّ وأقسى
تعرف كيف تمصّك وهي تعضّك؛

يا ماء النشوة إنهضْ!
مثلُك لا ينشفُ
من لفحة عمرٍ؛

يا ورقي المبيضّ اسوَدّ
لكيلا أقرأ ما أخفاه الغيبُ
وما يَسرده الآنيُّ المفتونُ بعطر فتوّتهِ؛

وافترضي أنك ما يتقطّرُ مني
يا لغتي ..
كيف ستحتضنينْ
جسدي الغيميَّ ؟
وأين ستلقين بقلبي (الملقَى سلفاً)
في هذا اللَيسَ يُسمَى
من رقّتهِ
والليسَ يَلينْ!

▪ ▪

في الثامنة قليلاً بعد الخمسينْ
ماذا يتوقع مني الله
وماذا تنتظر امرأتي؟!




ليلى

فرحٌ يقفزُ كالجندب في حقل البابونج،
أمطارُ الأمس تجفُّ
كمن يصحو من سُكرٍ ..
ماذا تفعل ليلى الآن ؟

تُلملمُ أطرافَ صباها
وتُعيدُ وراء الأذنينْ
خصلةَ شعرٍ نافرةً،
وتُتمُّ حديثاً مكتوماً
خلف الشفتينْ

ماذا يشغلُ بالك يا ليلى؟
هذا الضوءُ الفاترُ
كيف له أجنحةٌ من سمّاقٍ؟
وكأني أسمعه يعصر دمعاً
تشربه، مثل الرؤيا، العينْ

كيف تنامينَ؟
على جنبي المفروك ببرقٍ،
جسدي يركض في جسدي،
روحي واهيةٌ،
أمسحُ عن صدري أوراقَ الأشجار
وأمواج البحر،
أُعدُّ ثماري
لحبيبٍ
يتلاشى
كالتنهيدة
بين النهدينْ

▪ ▪

فرحٌ في حقل البابونج،
أمطار الأمس تجفّ،
وليلى تعرف أن اللذة تُسكَبُ
في كأسٍ واحدةٍ
... لا في كأسينْ !



مثال



كوردٍ يُقلّمُ بالعطر أشواكَه،
كسحابٍ ، لشدّة ما امتلأتْ بالسماوات أثداؤُه
لم تعد تشتهيه شفاهُ الترابِ؛

كلحمٍ يجوعُ،
كماء يَسيلُ على نفسه حينما يَعطشُ

خذوا الموتَ بعد الحياة مثالاً :
تظنونه أبكماً ..
وهو في ظنّه أنه .. أطرشُ!!




البئر


سَكتُّ
وهذا الذي تسمعون
صدى حجرٍ غابرٍ
تحتَ مَسّ الرياح يُحَتُّ


مضى زمنٌ من فراغٍ
حفرتُ به بئرَ روحي
وأجريتُ كل السواقي إليها،
وألقيتُ فيها نبياً وسيماً،
وقلتُ :
إلى أن يمرَّ رعاةُ الهباء
... أكون امتلأتُ !!
(شاعر فلسطيني)
المساهمون