كوب داخل كيس

05 فبراير 2016
كانت لتنقذه من موقف محرج (Getty)
+ الخط -

كان ليحصل على كوب زجاجي عليه صورته مع زملائه في الصف، لو أنه دفع عشرة آلاف ليرة. كان يمكن ليومه أن يمرّ بشكل عادي لو أنه دفع هذا المبلغ البسيط. عشرة آلاف ليرة لبنانية فقط، أي أقلّ من سبعة دولارات أميركية، كانت لتنقذه من موقف محرج.

قبلَ أن يرنّ جرس المدرسة ظهراً، حمل الأطفال حقائبهم الصغيرة وارتدوا معاطفهم في انتظار أهلهم، لاصطحابهم إلى المنزل. مرّ اليوم بسلاسة. الأطفال جميعهم حملوا كيساً في داخله كوب طبعت عليه صورة الصف، باستثنائه. هذا الطفل، الذي يدفع والدَيه قسطاً ليس ببسيط، سقطوا في فخّ العشرة آلاف ليرة، وخرج ابنهم ليقول إنه الوحيد الذي لم يحصل على هذا التذكار.

قبل عطلة عيد الميلاد، كانت المدرسة قد أرسلت ورقة مع الأطفال طلبت منهم مبلغ عشرة آلاف ليرة بدل صورة تطبع على كوب أو قميص قطني، لتوزع على الأطفال. لسوء الحظ، لم ينتبه والدا الصبي إلى الورقة، أو أنهما لم يحصلا عليها أصلاً. في ذلك اليوم، خرج من المدرسة من دون كيس في يده، وقد عرف أنه الوحيد. كان قد راقب زملاءه واحداً واحداً. لم يعرف قصة العشرة آلاف ليرة. مع ذلك، كان يدرك قيمتها جيداً. وإذا ما أراد أن يعبر عن حبه لأحد ما، يقول إنه يحبّه حدّ المليون، وقد يضيف إلى المليون الرقم عشرة.

***

قصة الكيس في عام 2016 تشبه قصصاً كثيرة حدثت مع تلاميذ أخرجوا من الصف أو عوقبوا أمام زملائهم لأن أهلهم لم يدفعوا القسط كاملاً. بين هذه الحكايات، تطنّ كلمات مثل التربية وبناء الأجيال وغيرها. وهذه "كلمات ليست كالكلمات".

يقول المدرّسون: "وما ذنبنا؟ على الورقة البيضاء، وفي الخانة الموازية لاسمه، لم يدفع". وفي المدارس، لا اجتهادات. المال قبل كل شيء. كان يمكن أن تضاف العشرة آلاف ليرة إلى القسط. وكان يمكن أن يعاد تذكير الأهل، وإن كان بدا ذلك محرجاً. لكن الاجتهاد ممنوع. لا يمكن للمدرّسة أن تتصرف من دون اتباع نظام إداري لا تربوي. ليس مقبولاً أن تخسّر خزينة المدرسة عشرة آلاف ليرة. سوف تحاسب على فعلتها ولن يكترث أحد لحسن نيتها. لا مكان لنيّات من هذا النوع. 

***

يشكو الناس من قلّة المال، وحتى المدراء منهم. المدارس والمؤسسات والمصارف تشكو. معاناة الطبقات واحدة إذاً. والمدرسة مؤسسة، وإن أضيفت إليها عبارة تربوية للتجميل. وفي مجتمعات لا تكترث لمشاعر الأطفال، لن تنجح يوماً في بناء أجيال، أو تبني أجيالاً حاقدة. هل يقال إنه دخل معترك الحياة منذ نعومة أظافره؟ الأصح أنه ما كان يجب للحياة أن تكون كذلك. 

***
 
وحصل الطفل على التذكار بعدما دفع العشرة آلاف ليرة لبنانية. هذه المرة، كان الوحيد الذي يحمل كيساً.

اقرأ أيضاً: "شو بكي؟"
المساهمون