07 اغسطس 2024
كندا وخطوط السعودية الحمراء
فوجئ كثيرون في العالم، في الخامس من أغسطس/آب الحالي، بردود الفعل السعودية على تعليقٍ كتبته وزيرة الخارجية الكندية على "تويتر"، قبل يومين من ذلك، تعبّر فيه عن "انزعاج" بلادها من سجن المملكة ناشطة سعودية، وتطالب بالإفراج الفوري عنها. وقد اتّصف رد الفعل السعودي بقدر كبير من الحدّة فاقت التوقعات، حيث أقدمت المملكة على سحب سفيرها، وطرد السفير الكندي، ووقف رحلات طيرانها إلى أوتاوا، ووقف منح طلابها هناك، والمقدّر عددهم بحوالي 12 ألف طالب، كما توالت تقارير صحفية عن عزم المملكة بيع أرصدتها الاستثمارية في كندا، ووقف برامج علاج مواطنيها هناك.
وبهذا، تحول الخلاف إلى أزمة بين البلدين، استدعت تدخّل بعض الدول العربية، مثل مصر والسودان، دعما للحكومة السعودية، في حين طالبت بريطانيا البلدين "بضبط النفس"، أما الولايات المتحدة فقد حثّت المتحدثة باسم خارجيتها "الطرفين على حل المشكلة دبلوماسيا سويّا"، مؤكّدة أن الولايات المتحدة "لا تستطيع أن تفعل ذلك، بدلا عنهما".
في هذا السياق، تباينت التحليلات بشأن أسباب الأزمة ومغزاها، فهناك من رأى أن الأزمة تعبر عن مخاوف عميقة لدى القيادة السعودية، بسبب ما تجريه من تغييراتٍ داخلية ضخمة، تسعى من خلالها إلى تقليل اعتماد اقتصادها على النفط، وفتح البلاد ثقافيا واجتماعيا، بالإضافة إلى حرب اليمن. وفي هذا السياق، رأت القيادة السعودية أن مصلحتها السياسية تحتم اتخاذ هذا الموقف، لغلق الباب كليا أمام الانتقادات الدولية، وما يمكن أن تقود إليه من دعمٍ للانتقادات الداخلية لسياساتها.
في المقابل، رأى آخرون أن من شأن الموقف السعودي المتشدد الإضرار بالصورة الخارجية للمملكة، ومصالحها الاقتصادية، خصوصا فيما يتعلق بإخافة المستثمرين الأجانب، وشعورهم بصعوبة الاستثمار في بلدٍ لا يقبل بالحد الأدنى من الانتقادات الحقوقية.
وفيما يتعلق بردود الفعل الغربية على الأزمة، رأت بعض وسائل الإعلام الغربية الليبرالية الكبرى، ومنها صحيفة واشنطن بوست، أن رد الفعل الأميركي جاء "فاترا"، وأن إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، "انسحبت بشكل شبه كلي" من دورها في قيادة المطالب الدولية باحترام حقوق الإنسان.
ردود الفعل السعودية ذات دلالات أعمق بكثير، وتمثل تعبيرا واضحا عن عالم ما بعد القطبية الأحادية وعصر حقوق الإنسان. فمنذ سنوات والجدل لا يتوقف في الدوائر الأكاديمية الغربية عن تبعات التغيرات الحادثة أخيرا في موازين القوى الدولية على انتشار الديمقراطية وحقوق الإنسان، والتي ترى تقارير حقوقية وأكاديمية غربية مختلفة أنها في تراجعٍ مستمر على مدى العقد الأخير. فحقوق الإنسان بالأساس مشروع نخبوي غربي، ظهر، في بعض الدول الأوروبية، في نهايات القرن التاسع عشر، في مواجهة استبداد نخبٍ أخرى حاكمة، تبنّت مشاريع سلطوية داخلية وخارجية، كالاستعمار واضطهاد المرأة والأقليات والاستبداد السياسي والديني. وبعد الحرب العالمية الثانية، تحولت حقوق الإنسان إلى مشروع دولي بقيادة أوروبا والولايات المتحدة، كرد فعل لمشكلات أوروبية داخلية، كالحاجة إلى معاقبة النازية، والحيلولة دون عودتها، حيث تزامن إعلان الميثاق العالمي لحقوق الإنسان في عام 1948 مع وقوع عشرات الدول حول العالم تحت نير الاستعمار الأوروبي.
ولم يتوقف صراع النخب الغربية الداعمة للحقوق والحريات من ناحية، ولوبيات السلاح والمال والثقافة السلطوية المناهضة لتلك الحريات من ناحية أخرى، ففي الستينيات والسبعينيات، شهدت الدول الغربية انتفاضاتٍ حقوقيةً وشبابيةً وثقافيةً وخسائر خارجية، كنهاية الاستعمار وحرب فيتنام، أدّت إلى صعود المد الحقوقي. لذا حاول شخص كالرئيس الأميركي، جيمي كارتر، في نهاية السبعينيات، جعل حقوق الإنسان جزءا أساسيا من السياسة الخارجية الأميركية. ولكن بعد كارتر، جاء الرئيس رونالد ريغان، والذي استخدم الديمقراطية وحقوق الإنسان سلاحا ضد الشيوعية، في الوقت الذي حرص فيه على دعم الديكتاتوريات الحليفة للولايات المتحدة، خوفا من إضعافها وانهيارها، كما حدث مع شاه إيران في عهد كارتر.
ومع سقوط الاتحاد السوفييتي، مالت الكفّة في التسعينيات لصالح الديمقراطية وحقوق الإنسان، أداة للتمدّد الغربي والأميركي، وظهرت فكرة التدخل الدولي ضد الانتهاكات الحقوقية، ولأغراض إنسانية، كما حدث في البوسنة والصومال، وهي تدخلاتٌ لم تخل من عيوب وانتقادات، كالتأخر والتردّد، على الرغم من فظاعة الانتهاكات، وتفاقم الأوضاع الإنسانية.
وفي أوج فترات المد الديمقراطي والحقوقي، ظلت بعض المناطق عصيةً على ذلك المد، وفي مقدمتها العالم العربي، بسبب النفط وإسرائيل، حيث رأت الدول الغربية أن من شأن الديمقراطية تهديد استقرار الدول النفطية الحليفة لها، وتهديد أمن إسرائيل، في ظل الرفض الشعبي للاحتلال. لذا لم تهتم الولايات المتحدة بنشر الديمقراطية في العالم العربي، إلا فترة قصيرة للغاية، بعد أحداث "11 سبتمبر"، والتي ربط الرئيس الأميركي، جورج دبليو بوش، بينها وبين انتشار الاستبداد في العالم العربي. ويبدو أن صعود التيارات الدينية في الانتخابات الحرّة التي عقدت، خلال تلك الفترة، في بعض الدول العربية، أقنع بوش بالتخلي عن سياسته، وهو ما حافظ عليه الرئيس باراك أوباما، لولا الربيع العربي الذي فاجأه، ودفعه إلى التخلي بتردّد عن بعض حلفاء أميركا في المنطقة، مثل حسني مبارك.
جاء الربيع العربي متأخرا، وقد بدأ عصر الديمقراطية وحقوق الإنسان في الانحسار، فالغرب بات يواجه تنافسا سياسيا واقتصاديا أكبر من الصين وروسيا، والنخب الغربية المناصرة لحقوق الإنسان باتت تواجه تحدياتٍ أكبر داخليا، مع صعود الشعبوية والحركات القومية المتشدّدة والمعادية للمهاجرين والأجانب، هذا بالإضافة إلى انشغال المواطن الغربي بالمشكلات الاقتصادية، والتي لم تفعل منظمات حقوق الإنسان الدولية الكثير لمواجهتها.
في ظل هذا السياق، مرّت مذابح النظام السوري بلا حساب، في ظل الحماية الروسية لها، ومرّ الانقلاب العسكري في مصر، وما قاد إليه من انتهاكات صارخة، طاولت مئات القتلى وآلاف المعتقلين بلا حساب، واستمرّت الحرب الأهلية في ليبيا، وتحول اليمن إلى أكبر المشكلات الإنسانية في العصر الحديث، في ظل الحرب الجارية، والتي تشارك فيها الدول الغربية، بوصفها حليفا للمملكة، قائدة التحالف الداعم للشرعية.
في ظل تلك المعطيات، تَشجّع صانع القرار السعودي على الرد بحدّة على الانتقادات الغربية لبلاده في مجال حقوق الإنسان وأسكتها، وهي انتقاداتٌ لا تخلو من ازدواجية، فكندا التي طالبت على "تويتر" بالإفراج عن ناشطة سعودية وافقت، في عام 2014، على تزويد المملكة بمدرعات حربية في صفقة ضخمة تبلغ تكلفتها 15 مليار دولار. وقد سبق أن سحبت السعودية سفيرها من السويد، في مارس 2015، بسبب انتقادات وزيرة خارجيتها ممارسات حقوقية في المملكة، كما دخلت في خلاف دبلوماسي مع ألمانيا بعد تصريحات أدلى بها وزير الخارجية الألماني انتقد فيها سياسات السعودية الخارجية ووصفها بالمغامرات في نوفمبر 2017، كما سعت إلى عقاب شركاتها اقتصاديا. ومع ذلك، لم تفعل الدول الأوروبية ما يذكر للضغط على المملكة في ملفات مهمة عديدة، كحقوق الإنسان، والقبض على عشراتٍ من أكبر الأمراء ورجال الأعمال، بالإضافة إلى حرب اليمن، وما تشهده من انتهاكاتٍ جسيمة، بصفةٍ تكاد أن تكون يومية.
ولما فاز ترامب بالرئاسة، كانت أول زياراته الخارجية إلى العربية السعودية، وليس إلى كندا أو ألمانيا، حيث أعلن راقصا عن التوصل إلى صفقات اقتصادية وعسكرية، تقدّر بعشرات المليارات، هذا في وقتٍ تنشغل فيه الدول الأوروبية بصراعاتها الداخلية مع الشعبوية، والأزمات الاقتصادية، في حين تكسب روسيا والصين أرضا جديدة في الشرق الأوسط كل يوم.
عالم كهذا شجع السعودية على محاولة رسم خطوط حمراء جديدة، تحول حتى دون توجيه النقد العلني لسياساتها الداخلية والخارجية، وقد تنجح السعودية نسبيا في ذلك، أو تتحمّل بعض الخسائر، كتضرر صورتها والاستثمارات الأجنبية فيها. وفي النهاية، ما تفعله السعودية هو جزء من العالم الجديد، عالم مع بعد القطبية الأحادية، وتراجع عصر حقوق الإنسان، وصعود روسيا والصين وقوى إقليمية سلطوية، تجد مساحة واسعة للتحرّك، وكسب النفوذ بلا رادع يُذكر.
وبهذا، تحول الخلاف إلى أزمة بين البلدين، استدعت تدخّل بعض الدول العربية، مثل مصر والسودان، دعما للحكومة السعودية، في حين طالبت بريطانيا البلدين "بضبط النفس"، أما الولايات المتحدة فقد حثّت المتحدثة باسم خارجيتها "الطرفين على حل المشكلة دبلوماسيا سويّا"، مؤكّدة أن الولايات المتحدة "لا تستطيع أن تفعل ذلك، بدلا عنهما".
في هذا السياق، تباينت التحليلات بشأن أسباب الأزمة ومغزاها، فهناك من رأى أن الأزمة تعبر عن مخاوف عميقة لدى القيادة السعودية، بسبب ما تجريه من تغييراتٍ داخلية ضخمة، تسعى من خلالها إلى تقليل اعتماد اقتصادها على النفط، وفتح البلاد ثقافيا واجتماعيا، بالإضافة إلى حرب اليمن. وفي هذا السياق، رأت القيادة السعودية أن مصلحتها السياسية تحتم اتخاذ هذا الموقف، لغلق الباب كليا أمام الانتقادات الدولية، وما يمكن أن تقود إليه من دعمٍ للانتقادات الداخلية لسياساتها.
في المقابل، رأى آخرون أن من شأن الموقف السعودي المتشدد الإضرار بالصورة الخارجية للمملكة، ومصالحها الاقتصادية، خصوصا فيما يتعلق بإخافة المستثمرين الأجانب، وشعورهم بصعوبة الاستثمار في بلدٍ لا يقبل بالحد الأدنى من الانتقادات الحقوقية.
وفيما يتعلق بردود الفعل الغربية على الأزمة، رأت بعض وسائل الإعلام الغربية الليبرالية الكبرى، ومنها صحيفة واشنطن بوست، أن رد الفعل الأميركي جاء "فاترا"، وأن إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، "انسحبت بشكل شبه كلي" من دورها في قيادة المطالب الدولية باحترام حقوق الإنسان.
ردود الفعل السعودية ذات دلالات أعمق بكثير، وتمثل تعبيرا واضحا عن عالم ما بعد القطبية الأحادية وعصر حقوق الإنسان. فمنذ سنوات والجدل لا يتوقف في الدوائر الأكاديمية الغربية عن تبعات التغيرات الحادثة أخيرا في موازين القوى الدولية على انتشار الديمقراطية وحقوق الإنسان، والتي ترى تقارير حقوقية وأكاديمية غربية مختلفة أنها في تراجعٍ مستمر على مدى العقد الأخير. فحقوق الإنسان بالأساس مشروع نخبوي غربي، ظهر، في بعض الدول الأوروبية، في نهايات القرن التاسع عشر، في مواجهة استبداد نخبٍ أخرى حاكمة، تبنّت مشاريع سلطوية داخلية وخارجية، كالاستعمار واضطهاد المرأة والأقليات والاستبداد السياسي والديني. وبعد الحرب العالمية الثانية، تحولت حقوق الإنسان إلى مشروع دولي بقيادة أوروبا والولايات المتحدة، كرد فعل لمشكلات أوروبية داخلية، كالحاجة إلى معاقبة النازية، والحيلولة دون عودتها، حيث تزامن إعلان الميثاق العالمي لحقوق الإنسان في عام 1948 مع وقوع عشرات الدول حول العالم تحت نير الاستعمار الأوروبي.
ولم يتوقف صراع النخب الغربية الداعمة للحقوق والحريات من ناحية، ولوبيات السلاح والمال والثقافة السلطوية المناهضة لتلك الحريات من ناحية أخرى، ففي الستينيات والسبعينيات، شهدت الدول الغربية انتفاضاتٍ حقوقيةً وشبابيةً وثقافيةً وخسائر خارجية، كنهاية الاستعمار وحرب فيتنام، أدّت إلى صعود المد الحقوقي. لذا حاول شخص كالرئيس الأميركي، جيمي كارتر، في نهاية السبعينيات، جعل حقوق الإنسان جزءا أساسيا من السياسة الخارجية الأميركية. ولكن بعد كارتر، جاء الرئيس رونالد ريغان، والذي استخدم الديمقراطية وحقوق الإنسان سلاحا ضد الشيوعية، في الوقت الذي حرص فيه على دعم الديكتاتوريات الحليفة للولايات المتحدة، خوفا من إضعافها وانهيارها، كما حدث مع شاه إيران في عهد كارتر.
ومع سقوط الاتحاد السوفييتي، مالت الكفّة في التسعينيات لصالح الديمقراطية وحقوق الإنسان، أداة للتمدّد الغربي والأميركي، وظهرت فكرة التدخل الدولي ضد الانتهاكات الحقوقية، ولأغراض إنسانية، كما حدث في البوسنة والصومال، وهي تدخلاتٌ لم تخل من عيوب وانتقادات، كالتأخر والتردّد، على الرغم من فظاعة الانتهاكات، وتفاقم الأوضاع الإنسانية.
وفي أوج فترات المد الديمقراطي والحقوقي، ظلت بعض المناطق عصيةً على ذلك المد، وفي مقدمتها العالم العربي، بسبب النفط وإسرائيل، حيث رأت الدول الغربية أن من شأن الديمقراطية تهديد استقرار الدول النفطية الحليفة لها، وتهديد أمن إسرائيل، في ظل الرفض الشعبي للاحتلال. لذا لم تهتم الولايات المتحدة بنشر الديمقراطية في العالم العربي، إلا فترة قصيرة للغاية، بعد أحداث "11 سبتمبر"، والتي ربط الرئيس الأميركي، جورج دبليو بوش، بينها وبين انتشار الاستبداد في العالم العربي. ويبدو أن صعود التيارات الدينية في الانتخابات الحرّة التي عقدت، خلال تلك الفترة، في بعض الدول العربية، أقنع بوش بالتخلي عن سياسته، وهو ما حافظ عليه الرئيس باراك أوباما، لولا الربيع العربي الذي فاجأه، ودفعه إلى التخلي بتردّد عن بعض حلفاء أميركا في المنطقة، مثل حسني مبارك.
جاء الربيع العربي متأخرا، وقد بدأ عصر الديمقراطية وحقوق الإنسان في الانحسار، فالغرب بات يواجه تنافسا سياسيا واقتصاديا أكبر من الصين وروسيا، والنخب الغربية المناصرة لحقوق الإنسان باتت تواجه تحدياتٍ أكبر داخليا، مع صعود الشعبوية والحركات القومية المتشدّدة والمعادية للمهاجرين والأجانب، هذا بالإضافة إلى انشغال المواطن الغربي بالمشكلات الاقتصادية، والتي لم تفعل منظمات حقوق الإنسان الدولية الكثير لمواجهتها.
في ظل هذا السياق، مرّت مذابح النظام السوري بلا حساب، في ظل الحماية الروسية لها، ومرّ الانقلاب العسكري في مصر، وما قاد إليه من انتهاكات صارخة، طاولت مئات القتلى وآلاف المعتقلين بلا حساب، واستمرّت الحرب الأهلية في ليبيا، وتحول اليمن إلى أكبر المشكلات الإنسانية في العصر الحديث، في ظل الحرب الجارية، والتي تشارك فيها الدول الغربية، بوصفها حليفا للمملكة، قائدة التحالف الداعم للشرعية.
في ظل تلك المعطيات، تَشجّع صانع القرار السعودي على الرد بحدّة على الانتقادات الغربية لبلاده في مجال حقوق الإنسان وأسكتها، وهي انتقاداتٌ لا تخلو من ازدواجية، فكندا التي طالبت على "تويتر" بالإفراج عن ناشطة سعودية وافقت، في عام 2014، على تزويد المملكة بمدرعات حربية في صفقة ضخمة تبلغ تكلفتها 15 مليار دولار. وقد سبق أن سحبت السعودية سفيرها من السويد، في مارس 2015، بسبب انتقادات وزيرة خارجيتها ممارسات حقوقية في المملكة، كما دخلت في خلاف دبلوماسي مع ألمانيا بعد تصريحات أدلى بها وزير الخارجية الألماني انتقد فيها سياسات السعودية الخارجية ووصفها بالمغامرات في نوفمبر 2017، كما سعت إلى عقاب شركاتها اقتصاديا. ومع ذلك، لم تفعل الدول الأوروبية ما يذكر للضغط على المملكة في ملفات مهمة عديدة، كحقوق الإنسان، والقبض على عشراتٍ من أكبر الأمراء ورجال الأعمال، بالإضافة إلى حرب اليمن، وما تشهده من انتهاكاتٍ جسيمة، بصفةٍ تكاد أن تكون يومية.
ولما فاز ترامب بالرئاسة، كانت أول زياراته الخارجية إلى العربية السعودية، وليس إلى كندا أو ألمانيا، حيث أعلن راقصا عن التوصل إلى صفقات اقتصادية وعسكرية، تقدّر بعشرات المليارات، هذا في وقتٍ تنشغل فيه الدول الأوروبية بصراعاتها الداخلية مع الشعبوية، والأزمات الاقتصادية، في حين تكسب روسيا والصين أرضا جديدة في الشرق الأوسط كل يوم.
عالم كهذا شجع السعودية على محاولة رسم خطوط حمراء جديدة، تحول حتى دون توجيه النقد العلني لسياساتها الداخلية والخارجية، وقد تنجح السعودية نسبيا في ذلك، أو تتحمّل بعض الخسائر، كتضرر صورتها والاستثمارات الأجنبية فيها. وفي النهاية، ما تفعله السعودية هو جزء من العالم الجديد، عالم مع بعد القطبية الأحادية، وتراجع عصر حقوق الإنسان، وصعود روسيا والصين وقوى إقليمية سلطوية، تجد مساحة واسعة للتحرّك، وكسب النفوذ بلا رادع يُذكر.