كما لو أنني لا أستحقّ الصباح

08 نوفمبر 2015
"العشاء الأخير"، يعقوب إبراهيم، سورية
+ الخط -

اخرُجْ من الوقت
اخرجْ من النُّور الذي حبسَتْكَ فيه الكلمات
اخرجْ من اللعبة؛ طالتْ أظافرُها
اخرجْ من الحاجة التي هتكَتْ قناعَكَ
اخرجْ من النّدى، الأسيرِ الصغيرِ
اخرجْ من اليقظة التي يسمّونها الحقيقة
اخرج من ندائِكَ الجبلَ العاري
اخرجْ من المسافة بين الفجر والبذرة
اخرجْ من الوقت الذي أنهكَ الأيامَ السبعة.

 

داخل مرآة
يتضاعفُ وجهي، هذا المدى الموحل،
جامعاً نظرة الطفل العجيبة
إلى ربيع الرجل الباكي.

ومثل موج البحر
دفعاتٍ وراء دفعاتٍ،
أتناسلُ
حتى فمي عاجزاً ومرتجفاً
عن الإمساك بكلمة واحدة.

لا شيءَ يحيطُ بي
سوى بيتٍ ينشدُهُ جميعُ من تاهوا
في نواحي المدن
في المنحدرات القاسية
حيث تشعّ الشمس أبداً
مثلما يشتعل صيفٌ داخل مرآة.

 

فم الزمن
أبيضُ فمُ الزمن
حمراءُ عيني .. حمراء حمراء.

يَسْوَدُّ النهارُ عقبَ النهار
ويبقى الزمنُ أبيضَ كالثلج
كحكمةٍ مُمرّغة كلَّ يوم.

لحمٌ يتلوّى في جيب معطفي
لحمُ جوعٍ مهين.
الضوء يغدر ويقبح
مثلما يصفعُ رجلٌ طفلاً.

 

العافية العنيدة
أنظرُ لأتخلّى،
كما لو أنني لا أستحقُّ الصباحَ
الوليدَ الصافي
ابنَ العافية العنيدة.

أذرع الشوارع جيئة وذهاباً
مشدوداً إلى فمي، إلى الصمت الخائف
فيما خيبتي تطفو فوقي
مثل ريشة، مثل فكرة مُجهَدة.

ليس لي هذا الولهُ
ليست لي نغمات الأشجار،
أعبرها وتعبرني
مجهولين نظلّ
محاصَرين بالصّخب بالتّسرّع بالنّسيان.


لا شيء أقوى من الصباح
لا شيء أقوى من الصباح.
الضوء، بلا يد،
يغسلُ جدران أيلول الألف،
يغسل الذكريات القذرة،
يرفعها كي تغدو بعيدة وغائرة مثل البحر.

صدري جبلٌ من صرخاتٍ وعرةٍ،
والأشجار التي تورقُ في عيني،
هي الطريق الأليفة إلى البيت،
حيث أفتح عيني مرة أخرى.

هناك أيامٌ تشبهُ السَّيْرَ في الظلام،
وقد خاضَها الصباحُ من قبلي.
هناك أيادٍ تحملني كساعات الندم،
تشدني، تؤنّبني كي أجوع مثل حيوان.

إنّني أغنّي،
إنّني أغنّي،
إنّني أغنّي.

 

كنت أبحث عن النسيم
بحثتُ مراراً عن النسيم بين الحصى،
كمن يبحث عن كنز.
دخلتُ غرفاً كثيرة،
كان هواؤها مغلقاً،
وأنا الآن أجرّها خلفي ذبيحةً،
ثقيلةً وذاوية.

لو كان للبيوت عيونٌ أخرى،
عيونٌ من عشبٍ،
لكانت القلادةُ على صدركِ أرأَفَ.


اقرأ أيضاً: ثلاثة أرباع الساعة

دلالات
المساهمون