كل ما يحدث

06 اغسطس 2015
هاكوب هاكوبيان / أرمينيا
+ الخط -

الإمبريالية، في أحسن حالاتها، تنظر إلى الآخرين كـ"زبائن". وأنا، في أسوأ حالاتي، أنظر إلى ما يصلنا من بضاعتها، كمشروع لصّ داخل السوبر ماركت، فإن تعذّر، فشحّاذ على بابه.

*

الإمبريالية وشاعر الإيقاع لا يحبّان السرد. المفارقة، أن قصيدة النثر المولعة بالسرد، بزغت وتألّقت في الزمن الإمبريالي. مع ذلك، الإمبريالية أغمضت عينها عنها وتسامحت معها، لأنها "ذاتية واستبطانية" في العموم. بينما فتحت عينيها الاثنتين، ككشّافيْن إسرائيلييْن، على السرد الحكائي.
الإمبريالية تُصاب بالحَكَاك من سرد الحكايات!

*

كان عرب الجزيرة زمان يقولون للأسود يا أبيض، وبالعكس، على سبيل المحبة والاستلطاف. الإمبريالية الآن تقول "العدالة" وتقصد الظلم، "الديموقراطية" وتقصد الفوضى، "البيئة" وتقصد تخريبها، على سبيل جني المزيد من الأرباح.

*

أسماء الحروب التي تجترحها الأم الإمبريالية، وابنتها الصهيونية، هي أكثر ما يملأني بالهبوط، كمشتغل باللغة. أما كمواطن، فما إن أسمع الإسم في الميديا، حتى أُشغّل آلة التفكيك عندي، لأتدبّر حينها، في أيّة زاوية من البيت، سأتوهّم الأمان.

*

"موت المؤلف"، "موت النقد"، موت الـ .. والـ، تلك ألعاب بسيطة لمنظّرين يمارسون هواياتهم بعد سن التقاعد. أما الإمبريالية المتصابية، فهدمت المعبد على رؤوس الجميع: أعلنت، دون إعلان، عن "موت المعنى"، وبالتالي قتلت اللغة.
الآن أنظر إلى كل محترفي اللغة وأستغرب من عقوقهم: كيف تُقتل أمكم، ولا يُسمع في حيّزكم إشارة إلى القاتل، أو حتى عويل؟

*

شيء مثير للرعب: الإمبريالية قلَبت المعاني القديمة للكلمات ـ تلك الثاوية في بطون القواميس. الآن لديها قاموس وحيد: "قاموس الجحيم". ويمكنك أن تتعلّمه بدون معلّم في ستة أيام، ثم تموت في اليوم السابع.

*

كل الصفات المرذولة في الثقافة، تمارسها الإمبريالية بامتياز: الكيتش، الإكزوتيك، قوّة الذراع، الامتثالية، إلخ.

*

معلش! على الأدب أن يقلّد الإمبريالية في خطابها: الغموض، التجريد، اللف والدوران، التذرّر. هكذا ينجو من التهمة التي تلاحق أدب السجون: "مباشر"، "تقريري وتسجيلي"!

*

لدى الإمبريالية، هذا كل ما يحدث: الشمس تشرق والتجار يربحون.

*

أليس مخيّباً، أن الأبدية، لا يمكن العثور عليها سوى في قبر؟ ذلك ما زرعته ميثولوجياتٌ على نحو ساذج، وحصدته الإمبريالية بآلة ذكائها الخبيث.

*

ديدن وحيد للإمبريالية: إجهاض إنسانيّتنا.

*

كلما فكرت بكتابة أي شيء عن الإمبريالية أم أربعة وأربعين، ركبتني العصبية حتى زحفت على أربعة. وما إن يحدث فقدان الصواب هذا، حتى أنظر إلى الفارق بيننا، فأكتئب من مارثون لا نهائي.

*

أتشظّى. هذا يناسب جداً الناسوت الإمبريالي.

المساهمون