وفي الوقت الذي يراقب منافسها الديمقراطي السابق، السيناتور بيرني ساندرز، ما ستنتهي إليه القضية، على أمل أن يحلّ محلها، فإن منافسها الجمهوري دونالد ترامب، بدا واثقا من أن "إف بي آي" سيوجه اتهاما جرميا لكلينتون، مستبعدا ألا يتم ذلك.
وكان السيناتور ساندرز قد أدلى بتصريحات تلفزيونية جديدة، نفى فيها أن يكون قد أعلن التزامه بتزكية كلينتون لتمثيل الحزب الديمقراطي، وهو ما اعتبره بعض المعلقين تراجعا منه، استعدادا لتقديم نفسه بديلا عنها.
وكان استجواب كلينتون قد استغرق ثلاث ساعات ونصف الساعة، أصدرت بعده حملتها بيانا وصفت فيه التحقيق بأنه "طوعي"، وذلك للتأكيد على حسن نيتها في استخدامها البريد الإلكتروني الخاص في تبادل معلومات حساسة خلال عملها وزيرة للخارجية. غير أن محامين وسياسيين جمهوريين اعتبروا التحقيق الخطوة الأولى في قضية جرمية، مستبعدين أن يبادر محققو "إف بي آي" للقاء بها لمجرد التعارف، خصوصا أن اللقاء تم في يوم عطلة رسمي، ورفض المكتب الكشف عن تفاصيله.
وجاء استجواب كلينتون بعد يوم واحد من لقاء وزيرة العدل الأميركية، لوريتا لينش، زوجها الرئيس الأسبق بيل كلينتون، على متن طائرة، وهو ما دفع الجمهوريين إلى التشكيك في حيادية وزيرة العدل، التي اختارها للمنصب الرئيس الحالي باراك أوباما الذي ينتمي للحزب الديمقراطي.
كما يتهم خبراء ومعلقون آخرون السلطات التنفيذية والقضائية في الحكومة الفيدرالية بمحاباة كلينتون بصورة استثنائية.
من المقرر أن يبدأ، بعد ثلاثة أسابيع، المؤتمر العام للحزب الديمقراطي في فيلاديلفيا، بولاية بنسلفانيا، غير أن التحقيق الجاري بشأن استخدام بريدها الخاص، وإمكانية توجيه اتهام رسمي لها بخرق القانون، ألقيا بظلال من الشك على ترشيحها.
ويبدي الجمهوريون تهليلا كبيرا باستجواب كلينتون، على أمل إزاحتها من منافسة مرشحهم المقبل للرئاسة، ومجيء مرشح ديمقراطي آخر أقل منها قوة.
وكانت كلينتون قد أصدرت قرارا بفصل أحد العاملين في الخارجية الأميركية في اليوم الأول لتوليها منصبها، بسبب استخدامه بريدا خاصا في عمله، وهو الأمر الذي لم تلتزم به لاحقا، بل أنشأت خوادم خاصة في منزلها خارج نطاق خوادم وزارة الخارجية المحمية من الاختراق.
ولا تقتصر مشكلات كلينتون السياسية على قضية بريدها الإلكتروني، بل إن التحقيقات السياسية بشأن تعاملها مع هجمات بنغازي في ليبيا، التى وقعت في سبتمبر/أيلول 2012، أثناء توليها منصب وزيرة الخارجية، وضعتها كذلك فى مرمى التشكيك في كفاءتها وأهليتها للثقة، على حد سواء.
ويتهم الجمهوريون كلينتون بإهمال طلبات الحماية التي أرسلها رئيس البعثة الأميركية في بنغازي، كريس ستيفينز، قبل مقتله مع اثنين آخرين من موظفي وكالة الاستخبارات الأميركية جراء الهجوم، فيما سارعت بريطانيا إلى حماية سفيرها وسفارتها بالانسحاب فوراً من ليبيا.
ولم يسفر تحقيق الكونغرس في الأمر، الذي كلف دافع الضريبة الأميركي حوالي سبعة ملايين دولار أميركي، عن أي نتائج تكفي لإدانة المرشحة الديمقراطية الأبرز.
ولا يزال الإعلام الأميركي، رغم ذلك، يردد أنها رفضت تدخل المارينز، وأصرت على أن الشرطة الليبية كانت قادرة على تأمين مقر البعثة الأميركية، ما أدى إلى تفاقم المشكلة.
ويعتبر الجمهوريون هذا الحادث مؤشرا مباشرا على ضعف كلينتون في اتخاذ قرارات مصيرية لحماية أمن الأميركيين، كما يزعمون أنها لم تكتف بإنكار أخطائها، بل قامت بجهود كبيرة في محاولات محو آثار هذه الأخطاء. ويستشهد مهاجموها للتدليل على ذلك بأنها محت محتويات بريدها الإلكتروني، تحسبا لعثور المحققين على ما يدينها.
وبغض النظر عن سلامة الموقف القانوني لكلينتون من عدمه، فإن توجيه اتهام رسمي لها سوف يقضي، على الأرجح، على طموحها الرئاسي، حيث يشترط في المرشح أن يكون سجله الجنائي خاليا من الشوائب تماما.
ويفسر هذا الاحتمال، إلى حد كبير، أسباب إصرار منافسها الديمقراطي ساندرز على المضي قدما في السباق حتى النهاية، حيث إنه يدرك تماما أنه سيكون أول المستفيدين فيما لو تطور مسار القضية باتجاه حرمان كلينتون من الترشيح لأسباب قانونية، كما أنه من غير المستبعد أن يكون على علم مسبق بجزء من مضمون التحقيق الجاري معها، وهو ما قد يدل عليه إصراره على الاستمرار في تحدّيها، ونقل منافسته معها إلى مؤتمر الحزب المقبل، رغم خسارته أمامها في الانتخابات التمهيدية.
لكن الأكثر خطورة على الحزب الديمقراطي، هو أن يحدث مثل هذا الأمر بعد اختيار كلينتون لتمثيل الحزب لا قبل ذلك، كما يخشى الديمقراطيون أن يؤثر الجدل الدائر حول القضية على فقدان مرشحتهم ثقة المزيد من الناخبين، وهذا هو ما يريده الجمهوريون، على وجه التحديد.