كصافرة القطار من بعيد

09 نوفمبر 2015
لوحة للفنان الصيني شن لين كسين (Getty)
+ الخط -
                                                        إلى سورية، قتلى وشهداء


(1)

حين أكتب
تخرج من عيني
غربان سوداء
تنهمر مثل
صلوات القديسين
على المذبح؛
تلك دموعي المجفّفة
أحوشها للفرح الموعود
لمؤازرة الصباح
لأيامنا البيضاء
التي تتعربش
جدران الحانة
هرعة من زيت
الدبابات ومن لوثة
الحرب الدميمة.


(2)

لا يفجعني الموت
إنما الحياة،
أعتمر قبعة
كي أرفعها مرحًا
بالقتلى قبل أوانهم
وبأمنياتهم الحقيقية
بالرحيل؛
هناك لا ينشف
دم الضحية من الجلاد
ولا زنزانة توصد
على الجثث،
راحة من وقاحة
الخوف المخيم
على قلوبنا..
لن نجفل بعد اليوم
سنذوب في التراب
كما تذوي خيوط الشمس
أو كصافرة القطار من بعيد.


(3)

مثل الصدى
تتّسعُ دائرة الماءِ
كلّما رميت حجر
الانتظار في بحيرةِ الوقتْ؛
ويسعفني التأمّلُ في طائرةٍ
ورقيةٍ ملونة
في السماءِ النظيفة
كلّما اجتهدتُ
بتفسير هاجسي
الذي يلكِزني
ببندول الساعة،
الطائرةُ هناك ترّقص الريح
بمهارةٍ وتميد بخيطها
كبطن العروس
بخجلٍ وبتؤدة
على مهلٍ تنام على زند
الهواء وأُغمضُ عيني
كي يقبلها.

اقرأ أيضًا: أجلس على حافة الشفق

(4)

حين تضع
الحرب أوزارها
لن أكتب عن
الذين ماتوا
لن أجعل الموت
يرافقني إلى السلام
سأكتفي بقصّ
ذاكرتي المتوحشة
التي تنمو مثل عشب
حول زهور الطمأنينة
سأدرّب فمي على الغناء
وجسدي على الرقص
ويدي على حمل الوردة
ولمّا تنصرف أدخنة الطائرات
المتفحمة وتكنس الريح
غبار الدبابات
سأنضو شرشف
السرير وأبتسم
للديدان التي تنخر
ظهر الطاولة
ورسائلك المتشائمة.


(5)

كم أنت جميل أيها الحزن
مثل كاتدرائية منيفة؛
توشك أن تلد العالم
من بين زخارفك المهيبة،
أسطحك المدببة
تشخط روحي عند الشاطئ المالح..

كمثل ليلة ماطرة يدلف سقف الكون
بأنباء الموت، لا يكف عن سرد الفناء
أو الغناء بالويلات،
لكنه رغم الفجيعة
لا يزال النهر يروي
سيرة الشجر
حيث يستدرج السنجاب
حبة الجوز وينام
على كتف المساء.


(6)

قتلى الحرب
يموتون قبل أوانهم
وتذهب بقية
أعمارهم للأشجار في الغابات
حيث ينعمون بمطر فجائي
وبنساء لا يرتدين حمالة الصدر
وبرجال أحرار يساومون الفريسة قبل شيّها
........
........

قتلى الحرب يتنفسون الرذاذ
ويتقاسمون مع حيوان الشمبانزي
الأغصان وينامون بسلام
حيث لا يصيبهم الموت
وهم يرتّلون آية الكرسي.


(7)

كما لو كنتُ نديمك
سأقرع الكأسَ وأشربهُ
بصحةِ الرصيف،
سأكمشُ غبارَ الأرضِ
وأرشقهُ فوقَ السياراتِ
المحشوّة بلحمٍ وصخبْ،
وأرقيك بتمائمي وطلاسمي
بلسانيَ الثقيل،
ونلهو بما تيسّر من صحو
ونغني للسعاتِ البردِ
وابتسامات المشاة..
كما لو كنتُ نديمك
سأروي لك "حدوتة" الحياة
وأفضح ليلك ببكائي/ عوائي
سآخذُ بيدكَ نحو
النجوم التي تسكنها
أرواحُ مَن نحب
وسنرقص غيرَ آبهينَ
ببزّاتِ الشرطةِ
وآذان النائمين
كما لو كنتُ نديمك
سأهتفُ للوطنِ الغلبانْ،
وسأشيحُ بوجهي عنكَ
حين تبكي
لأنني مثلكَ أبكي
لأنني مثلك سكرانْ.

اقرأ أيضًا: أصداء وقصائد أخرى

(8)

تلك النجوم المغفلة
لم تعد تصلح
لإنارة شارع جانبي؛
حتى القمر ما عاد
كما كان:
أثر العابر
ووفرة البيادر
وشهقة الجد
الأخيرة
وملح يضيء
كمثل أغنية رائجة
ها إني اكتفيت بنور
المحسنين
وبالنوايا المثبتة
كلون الوردة
الأصلي.


(9)

تعالي نموت معًا
كي نعيش الأبدية
السمراء
في معاقل الموتى
ومتاريس الجثث
الباسمة،
لا أسف على الموت
هناك ما يجعلنا نخجل
من الحياة.


(10)

موحش منتصف العمر
كقوس الكمان يجرح
لحم القلب..
لا فراسة الذئب
في عيني تجدي
ولا ماضي الغزالة،
أعدو نحو آخرتي،
أحوش لعنات الأصدقاء
تذكارات وتحف
مثل شتائم محبوسة
في الأنفاس؛
ها نحن الآن معًا
زناة وتجار حرب وشعراء
سنشرق في أتون النار
كما يجري الغيم
كي يكشف تعاسة
القمر الكئيب،
سيفضحنا خريف المجد
وصدأ الأوسمة.
دلالات
المساهمون