08 نوفمبر 2024
كابوس السيسي
فاز زعيم الانقلاب في مصر، عبد الفتاح السيسي، في الانتخابات الرئاسية وأصبح "الرئيس" عبد الفتاح السيسي. وبغض النظر عن شرعية هذه الانتخابات من عدمها، وعن حقيقة النسبة الشعبية التي شاركت فيها، فإن الرجل أصبح رئيس الجمهورية العربية المصرية، وهو، بلا شك، سيحظى بالشرعيتين، العربية الرسمية والدولية، وإن بقيت دعاوى عدم الشرعية واغتصاب السلطة تطارده في مصر.
ليست الإشكالية هنا فحسب، أي في إصرار نسبة معتبرة من الشارع المصري على أنه مغتصب للسلطة، فثمة ما هو أخطر وينتظر "الرئيس" السيسي، فمصر التي جاء ليحكمها السيسي الآن هي ذاتها التي وَرَّثَها الرئيس المخلوع، حسني مبارك، لمن بعده، بل هي أسوأ اليوم.
إنها مصر الغارقة في ديون تتجاوز المائتين وثمانين مليار دولار، والتي يعشعش فيها الفساد، وينتشر فيها الفقر والبطالة والتفاوت الطبقي. إنها مصر نفسها، ببنيتها التحتية المهشمة، والنظام الأمني القمعي. إنها البلد التي يتكدس في سجونه عشرات آلاف المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي، ويملأ الحقد والغضب قلوب الملايين من أبنائها ممن مسّهم أذى الانقلاب وجرائمه. وفوق هذا وذاك، إنها مصر التي انهار فيها الإجماع الوطني بعد انقلاب 3 يوليو/تموز من العام الماضي، وأصبحت مجتمعاً هشَّاً قابلًا للاختراق، وهو كذلك اليوم، فمصر فقدت عمقها الأمني القومي.
هذه مصر التي "اختير" السيسي "لِيُنْتَخَبَ" لقيادتها. إنها مصر المهلهلة، والتي أضحت اليوم، بفعل الانقلاب، ملحقاً تابعاً، لا للسفارة الأميركية فحسب، بل ولدول خليجيةٍ مولت الانقلاب ودعمته ورعته. إنها مصر المقطورة، لا القاطرة.
حتى مليارات الدعم القادمة من بعض دول الخليج لن تكون قادرة على انتشال مصر من قعر الوادي الذي تقبع فيه، جرّاء عقود طويلة من الفساد وسوء الإدارة والسرقات. وهذا الدعم لابد أنه سيتوقف في لحظة ما، ولن تكون هذه اللحظة بعيدة.
مشكلات السيسي "الرئيس" ستكون بحجم الجبال، فهو، أولاً، مدين بمنصبه لمجلس عسكري له مصالحه، ولأفراده امتيازاتهم، ولضباط أمنٍ فاسدين، ويريدون الاحتفاظ بالحق الحصري في استمرار كبت الشعب وقمعه، ولطبقة رجال الأعمال والإعلام، من حلفاء حسني مبارك في الأمس، وهؤلاء كالسوس الذي ينخر الجسد، وهم، فعلاً، نخروا اقتصاد مصر ووعيها. فضلاً عن أنه مدين لرعاته الخليجيين، وفي إسرائيل، وفي الغرب الذين أسبغوا الشرعية على انقلابه على الدكتور محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر.
ستكون لكل أولئك اشتراطات وطلبات من "الرئيس" الجديد لسداد الدين الذي في رقبته لهم، ما لن يأتي من جيبه الخاص، بل سيأتي على حساب مصر وشعبها المسكين.
أبعد من ذلك، فـ"فقاعة" السيسي انفجرت، فلا هو بتلك الشخصية الكاريزمية، ولا هو رجل الدولة الذي رُوِجَ له على أنه "القائد الضرورة"، ولا هو صاحب مشروع ورؤية لمستقبل مصر. كشفت المقابلات التلفزيونية المعدّ لها بعناية، لتقديم السيسي للشعب المصري، عن شخصية ضحلة، منبتة الصلة بالواقع وأحوال البلد والناس. وأزعم أن في عقد المقارنات بينه وبين مرسي، ظلم كبير للأخير، فمرسي، اتفقنا معه أم اختلفنا، وضع تصوراً لمصر ناهضة بانية مكتفية بذاتها، لكنه لم يُمْهَل.
هذا رجل، أي السيسي، يريد أن يقنع المصريين بأن مشكلة توفير الخبز سيتم التغلب عليها لو قسم الرغيف إلى أربعة أقسام، وبأن مشكلات انقطاع الكهرباء ستحل، إن استخدموا "لمبات" اقتصادية، وبأن البطالة سيقضى عليها إذا مَوَلَتِ البنوك ألف سيارة نقل، ليعمل على كل واحدة منها ثلاثة أفراد.. إلخ! هل لا زال أحد يصدق أن هذا هو "القائد الملهم"، و"الزعيم الضرورة"، ورجل الدولة الذي جمع بين كاريزما جمال عبد الناصر ودهاء أنور السادات!؟
للأسف، نعم ثمة من لا زال يراهن على السيسي، في أوساط الشعب المصري البسيط، والذي يتعرض، صباح مساء، لعملية غسيل دماغ من إعلام لا يمت للمهنية والمصداقية بصلة. ولكن الأيام لن تلبث أن تكشف أن السيسي ما هو إلا شخصية بليدة وفاسدة أخرى، على غرار مبارك. بل قد يتجاوز السيسي مبارك لناحية سوئه على مصر، فمبارك لم يكن مديناً، بهذا الحد، لهذا الكم من أصحاب الأجندة والمصالح المتعارضة، أما السيسي فإنه مدين لكل هؤلاء الذين سبقت الإشارة إليهم، ومن ثمَّ سيكون أسيرهم جميعاً، بما يعنيه ذلك من تشتته بينهم.
بلادة السيسي وضحالته التي كشفها، مصادفة، الإعلام الذي أراد تلميعه، وارتهانه لذلك الكمِّ الكبير من التحالفات المدنسة، داخلياً وخارجياً، وعظم مشكلات مصر، وغياب أي مشروع، أو تصور، لدى الرجل لتلك الدولة المركزية في المنطقة، وحجمها الحقيقي، فيها، واستمرار الانقسام الشعبي جراء الانقلاب، وما خلفه من مرارات وأحقاد، وفوق هذا وذاك، الخطر الذي يتهدد مصر في ماء نيلها، ما هي إلا مقدمات لكابوس جديد قادم ستعرفه مصر. وغداً سيستيقظ كل من راهن عليه من بسطاء الشعب المصري، ليكتشفوا أن ما يعيشونه كابوس حقيقي، لا أضغاث أحلام. وإلى حين الثورة القادمة، كان الله في عون مصر وأهلها، وأجرنا، نحن العرب، في مصيبتنا في مصر.
ليست الإشكالية هنا فحسب، أي في إصرار نسبة معتبرة من الشارع المصري على أنه مغتصب للسلطة، فثمة ما هو أخطر وينتظر "الرئيس" السيسي، فمصر التي جاء ليحكمها السيسي الآن هي ذاتها التي وَرَّثَها الرئيس المخلوع، حسني مبارك، لمن بعده، بل هي أسوأ اليوم.
إنها مصر الغارقة في ديون تتجاوز المائتين وثمانين مليار دولار، والتي يعشعش فيها الفساد، وينتشر فيها الفقر والبطالة والتفاوت الطبقي. إنها مصر نفسها، ببنيتها التحتية المهشمة، والنظام الأمني القمعي. إنها البلد التي يتكدس في سجونه عشرات آلاف المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي، ويملأ الحقد والغضب قلوب الملايين من أبنائها ممن مسّهم أذى الانقلاب وجرائمه. وفوق هذا وذاك، إنها مصر التي انهار فيها الإجماع الوطني بعد انقلاب 3 يوليو/تموز من العام الماضي، وأصبحت مجتمعاً هشَّاً قابلًا للاختراق، وهو كذلك اليوم، فمصر فقدت عمقها الأمني القومي.
هذه مصر التي "اختير" السيسي "لِيُنْتَخَبَ" لقيادتها. إنها مصر المهلهلة، والتي أضحت اليوم، بفعل الانقلاب، ملحقاً تابعاً، لا للسفارة الأميركية فحسب، بل ولدول خليجيةٍ مولت الانقلاب ودعمته ورعته. إنها مصر المقطورة، لا القاطرة.
حتى مليارات الدعم القادمة من بعض دول الخليج لن تكون قادرة على انتشال مصر من قعر الوادي الذي تقبع فيه، جرّاء عقود طويلة من الفساد وسوء الإدارة والسرقات. وهذا الدعم لابد أنه سيتوقف في لحظة ما، ولن تكون هذه اللحظة بعيدة.
مشكلات السيسي "الرئيس" ستكون بحجم الجبال، فهو، أولاً، مدين بمنصبه لمجلس عسكري له مصالحه، ولأفراده امتيازاتهم، ولضباط أمنٍ فاسدين، ويريدون الاحتفاظ بالحق الحصري في استمرار كبت الشعب وقمعه، ولطبقة رجال الأعمال والإعلام، من حلفاء حسني مبارك في الأمس، وهؤلاء كالسوس الذي ينخر الجسد، وهم، فعلاً، نخروا اقتصاد مصر ووعيها. فضلاً عن أنه مدين لرعاته الخليجيين، وفي إسرائيل، وفي الغرب الذين أسبغوا الشرعية على انقلابه على الدكتور محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر.
ستكون لكل أولئك اشتراطات وطلبات من "الرئيس" الجديد لسداد الدين الذي في رقبته لهم، ما لن يأتي من جيبه الخاص، بل سيأتي على حساب مصر وشعبها المسكين.
أبعد من ذلك، فـ"فقاعة" السيسي انفجرت، فلا هو بتلك الشخصية الكاريزمية، ولا هو رجل الدولة الذي رُوِجَ له على أنه "القائد الضرورة"، ولا هو صاحب مشروع ورؤية لمستقبل مصر. كشفت المقابلات التلفزيونية المعدّ لها بعناية، لتقديم السيسي للشعب المصري، عن شخصية ضحلة، منبتة الصلة بالواقع وأحوال البلد والناس. وأزعم أن في عقد المقارنات بينه وبين مرسي، ظلم كبير للأخير، فمرسي، اتفقنا معه أم اختلفنا، وضع تصوراً لمصر ناهضة بانية مكتفية بذاتها، لكنه لم يُمْهَل.
هذا رجل، أي السيسي، يريد أن يقنع المصريين بأن مشكلة توفير الخبز سيتم التغلب عليها لو قسم الرغيف إلى أربعة أقسام، وبأن مشكلات انقطاع الكهرباء ستحل، إن استخدموا "لمبات" اقتصادية، وبأن البطالة سيقضى عليها إذا مَوَلَتِ البنوك ألف سيارة نقل، ليعمل على كل واحدة منها ثلاثة أفراد.. إلخ! هل لا زال أحد يصدق أن هذا هو "القائد الملهم"، و"الزعيم الضرورة"، ورجل الدولة الذي جمع بين كاريزما جمال عبد الناصر ودهاء أنور السادات!؟
للأسف، نعم ثمة من لا زال يراهن على السيسي، في أوساط الشعب المصري البسيط، والذي يتعرض، صباح مساء، لعملية غسيل دماغ من إعلام لا يمت للمهنية والمصداقية بصلة. ولكن الأيام لن تلبث أن تكشف أن السيسي ما هو إلا شخصية بليدة وفاسدة أخرى، على غرار مبارك. بل قد يتجاوز السيسي مبارك لناحية سوئه على مصر، فمبارك لم يكن مديناً، بهذا الحد، لهذا الكم من أصحاب الأجندة والمصالح المتعارضة، أما السيسي فإنه مدين لكل هؤلاء الذين سبقت الإشارة إليهم، ومن ثمَّ سيكون أسيرهم جميعاً، بما يعنيه ذلك من تشتته بينهم.
بلادة السيسي وضحالته التي كشفها، مصادفة، الإعلام الذي أراد تلميعه، وارتهانه لذلك الكمِّ الكبير من التحالفات المدنسة، داخلياً وخارجياً، وعظم مشكلات مصر، وغياب أي مشروع، أو تصور، لدى الرجل لتلك الدولة المركزية في المنطقة، وحجمها الحقيقي، فيها، واستمرار الانقسام الشعبي جراء الانقلاب، وما خلفه من مرارات وأحقاد، وفوق هذا وذاك، الخطر الذي يتهدد مصر في ماء نيلها، ما هي إلا مقدمات لكابوس جديد قادم ستعرفه مصر. وغداً سيستيقظ كل من راهن عليه من بسطاء الشعب المصري، ليكتشفوا أن ما يعيشونه كابوس حقيقي، لا أضغاث أحلام. وإلى حين الثورة القادمة، كان الله في عون مصر وأهلها، وأجرنا، نحن العرب، في مصيبتنا في مصر.