كأنّ موتى مطمئنين جاؤوا للتوّ

08 أكتوبر 2016
عمرو الكفراوي/ مصر
+ الخط -

لم نقل شيئاً 
كنا نهجسُ 
"الوقتُ لا ينحني فقط 
الوقت ذو ألوان 
تسطع وتخبو"

كان ذلك الخريفُ سريعاً 
الأعشاب صفراءُ طويلةٌ 
حول بيوتٍ بحريةٍ مهجورةٍ 
قناطرها العالية مُشرعةٌ 
لصوت الموجِ والليل. 
والمساءُ هادئٌ، 
مثل آثار الرصاصٍ على إسمنت بناياتٍ 
خالية إلا من نباتات تسلَقتْها على مهلٍ، 
كنا وصلنا من بلادنا، 
من ضجيج قنابلَ وصواريخَ وحرائق، 
إلى ضجيج أحاديث بشرٍ في بلادهم. 
كان خريفاً وسريعاً، 
وبّختِني ذاك الصباح، 
لأني نمت طويلاً ونسيت موعدنا، 
نجوبُ شوارعَ مكتظة، 
أسواقاً، 
مقاهي، 
نصعدُ معاً أدراجاً ملوّنةً كبيانو، 
تتكئين من ألم في قدميك عليّ، 
وتغضبين من شرودي، 
عن رائحة البلل في جلدك حين أسهو، 
"كم سأحتاج لآلف نفسي في أشياء بلادٍ جديدة؟ 
كم آتٍ غامضٍ عليّ أن أحيا في برزخه، 
قبل أن آلفني في جسدك؟" 
كان سريعاً ذلك الخريف، 
كان شاسعاً كأنه لم يكن، 
لكنه الآن يرشحُ، 
من خريفٍ كلِيلٍ، 
بطيئاً بطيئاً.

الصمتُ 
يتلوّى 
مثل أعشابٍ بَحريٍة 
في أعماقٍ سحيقةٍ 
كأن موتى مطمئنينَ 
جاؤوا للتوّ 
موتى الشواطئ 
والطرقات 
والأنقاض 
والسجون 
يصلون 
من أحراشٍ قريبةٍ 
يحملون أطفالاً 
وأكياساً 
ساهمين 
في دروب تنحني كالذكريات 
في ذكريات تنحني كالدروب.

ربما رمى ثملٌ، 
لبّ درّاقةٍ، 
ثم مسح فمه بكمّه وواصل السير، 
ربما رماها دون اكتراثٍ، 
سائقٌ من شبّاك الشاحنة، 
أو سقطت من منقار طائرٍ، 
عبرَ المكان منذ سنين، 
ربما، 
ربما لا يهم، 
شجرة الدراق الوحيدة، 
التي نمت صدفة، 
خلف سياج الطريق السريعة، 
تصفرّ الآن، 
مصغيةً للفصول.


* شاعر سوري مقيم في نيويورك


المساهمون