قوانين السوق تهدّد لغتنا

22 يوليو 2015
العربية تملك مؤهلات مجاراة التقدم (فرانس برس)
+ الخط -
عندما سئل أحد الطلاب الخريجين لدى اكتشاف عدم إجادته القراءة البسيطة بالعربية عن السبب، مع أنه عربي أباً عن جد، أجاب: "لم أشعر بالحاجة إليها. في سنوات الدراسة، درسنا كلّ المواد العلمية والأدبية بالإنجليزية والفرنسية. وبعد التخرّج كانت الطلبات التي تقدمت بها للعمل في الشركات العربية والدولية العاملة في المنطقة بالإنجليزية أو الفرنسية. لم أشعر بالنقص في حياتي يوماً لأنني لا أجيدها". ما ذكره الشاب الخريج هو مجرد عيّنة عن نتائج الطفرة التكنولوجية التي تهزّ أركان العالم يومياً. لكن هناك ما هو أبعد من ذلك.

أرست العولمة قوانين السوق على كل كبيرة وصغيرة، بما فيها التبادل الواسع للمعلومات والمعارف عبر مراكز أبحاث تعمل بأقصى طاقتها على ضخ المزيد من المواد في كامل الحقول. ولا شك أنّ قوانين السوق تترك مضاعفاتها على اللغات والهويات. بمعنى آخر فإنّ هذا التدفّق مصادره محددة بالمجتمعات الأكثر تقدماً، فيما الخصوصيات الضعيفة تدفع الثمن الأفدح. والمدخل لكلّ ذلك هو توسّع التداول في استعمال التقنيات الحديثة لأغراض إنتاجية وغير إنتاجية. ومن المعروف أن ذلك يتم باللغة الانجليزية في المقام الأول.

متانة موقع الانكليزية مردّه إلى الهيمنة الأميركية على العالم الحقيقي والافتراضي على حد سواء. هيمنة على عوالم السياسة والتكنولوجيا والمال والاقتصاد والثقافة والترفيه وسواها. لكن اللغة العربية لغة تستطيع وتملك مؤهلات مجاراة التقدم، لقدرتها الاشتقاقية. المشكلة لا تكمن في بنية اللغة مهما قيل عن صعوبة قواعدها. صعوبة القواعد تنطبق على معظم اللغات الحية ولا تقتصر على العربية. تملك لغتنا قدرة لامتناهية على توليد الكلمات، وأكثر من ذلك على استيعاب التطورات التقنية. وقد ثبت بالملموس أنها قادرة على تشرّب لغات ومصطلحات وعلوم ومعارف والإضافة إليها.

لكنّ الغائب هو مشروع النهضة العربية الذي تستطيع اللغة أن تواكبه عبر المساهمة في تجديد نفسها وتعبير المجتمعات العربية عن ذاتيتها وخصوصيتها بدلاً من السقوط تحت سنابك خيول النموذج الأميركي والغربي المهيمن. لا ليست اللغة مجرد أداة تواصل كما يحلو للبعض القول، بل هي أعمق من ذلك وترتبط بجذور تضرب عميقاً في دواخل أبنائها والناطقين بها. لذلك تسود المجتمعات العربية حمّى التقليد والتشبّه بلغة الغالب، على ما ذكر ابن خلدون في مقدمته الشهيرة. لكن هذا المسار هو الطريق الأقصر لاستمرار الدوران في الحلقة المفرغة. حلقة التخلّف الذي لن تقتصر ضحاياه على اللغة، بل سيكون الناس ومستقبلهم في الطليعة.

*أستاذ في كلية التربية ـ الجامعة اللبنانية

إقرأ أيضاً: لغتنا المهدّدة.. إطلالة على التحديات