العنوان الاستباقي، الذي كرره المسؤولون الأردنيون في الإجازات الصحافية على هامش الاجتماعات التحضيرية لقمة البحر الميت، نسخة عن قمة عمّان الطارئة التي عقدت عام 1987، الثانية في تاريخ الاستضافة الأردنية للقمم العربية، بعد عام 1980، والتي ما يزال يروّج لها الأردن على اعتبارها "بصمة استثنائية في تاريخ القمم".
إسقاط العنوان التاريخي على المشهد الختامي للقمة التي أعدّ لها بعناية وحرص شديدين، منذ اعتذار اليمن في 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي عن استضافة القمة، وانتقالها دورياً إلى الأردن، تطلّب من صناع القرار الأردني اعتماد استراتيجية "الستار الحديدي". وعليه عُقدت الاجتماعات التحضيرية في عزلة تامة عن وسائل الإعلام، لتلافي أي انفجارات مفاجئة قد تحدثها تصريحات أو تسريبات الوفود العربية. وبذلك، تحت عنوان "الوفاق والاتفاق" سيجتمع الملوك والأمراء والرؤساء والقادة، في القاعة الرئيسية للقمة فتفصل بينهم مكانياً أمتار قليلة، ويحافظون على مسافة البعد التي تحكم مواقفهم حيال القضايا المطروحة، أو لناحية علاقاتهم.
وزير خارجية الأردن، أيمن الصفدي، وفور تسلمه رئاسة مجلس وزراء الخارجية، أكد في كلمته وجود اختلافات بين الدول العربية في الرؤى والسياسات، لكنه أكد أيضاً وجود توافقات تجمع الدول العربية. وفي هذا الصدد، أبلغ مصدر دبلوماسي "العربي الجديد"، بأن "الأردن حرص خلال الاجتماعات المغلقة، وخلال الترتيبات التي سبقت الاجتماعات، على استبعاد القضايا الخلافية التي قد تنتج عنها بعثرة الإجماع العربي. وهو ما استوجب بحسبه، تجنّب الغوص في تفصيلات القضايا المطروحة، والاكتفاء بتثبيت عناوين عريضة حيالها تكون محل إجماع المشاركين". ولخّص المصدر الأمر بقوله "اتفقنا على ما نحن متفقون عليه واستبعدنا كل ما يمكن أن يُختلف عليه".
الاتفاق العربي، حتى في حدوده الدنيا، رآه الوزير الأردني الأسبق محمد الحلايقة، في حديثه إلى "العربي الجديد"، بمثابة "ضرب من ضروب النجاح"، مضيفاً أنه "في الماضي فشلنا حتى في القضايا التي أخذنا فيها قراراً. حتماً الاتفاق على الحد الأدنى يعتبر مدخلاً لمناقشة القضايا الكبيرة، واليوم لم يعد الوضع العربي يحتمل العمل الفردي". قمة البحر الميت، دفعت بالقضية الفلسطينية لتحتلّ صدارة أولوياتها، وهو دفع استوجبته ظروف موضوعية خصوصاً لأنها القمة الأولى التي تعقد بعد انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، وتبنّيه، حتى قبل وصوله إلى سدّة الرئاسة، سياسة منحازة لإسرائيل، تجلّت في سعيه لنقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة، وتغاضيه عن السياسات الاستيطانية، وأخيراً ما أثاره من لغط حول مرجعية "حلّ الدولتين". الخلط الذي أحدثه ترامب، استوجب بالضرورة أن توجّه قرارات القمة رسالة واضحة للإدارة الأميركية، من خلال الزيارة المقررة لملك الأردن عبد الله الثاني، إلى واشنطن في إبريل/نيسان المقبل، وهي: "نحن أمة تنشد السلام وذات مصداقية في سعيها للسلام، وتريد التزاماً ومصداقية مماثلة من قبل إسرائيل".
أما القرار المتعلق بالقضية الفلسطينية، فبقي ضمن الثوابت العربية المعلنة، وجدد العرب التزامهم بـ "تحقيق السلام العادل والشامل وفقاً لقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية وبما يكفل إقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وتجديد المطالبة بضرورة تنفيذ قرار مجلس الأمن الرقم 2334 الخاص بعدم شرعنة الاستيطان".
حتى إن الإرباك المحدود الذي أثاره الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، حين أعلن عن مبادرة جديدة سيطرحها الجانب الفلسطيني، تم تجاوزه بشكل سريع، بسلسلة من التصريحات الفلسطينية التي دحضت ذلك الإعلان، وتأكيد أردني على التمسك بالمبادرة العربية سبيلاً وحيداً لحل القضية. غير أن أكثر التسريبات ظَرافَة حول الأمر ما نقله أحد المقربين من وفد الجامعة العربية حول "لاءات ثلاث، ستؤكد عليها القمة في ما يتعلق بالمبادرة العربية، وهي لا تبديل ولا تغيير ولا تعديل". مع العلم أن القرارات العربية باتت تسجل تراجعاً نسبياً في التعامل مع ملف القدس، وعلى الرغم من إعلان "رفض أي إجراء أحادي يؤثر على الوضع التاريخي والقانوني للمدينة المقدسة"، تجاهلت القمة التأكيد على قرار قمة عمّان الأولى في عام 1980 القاضي "بقطع جميع العلاقات مع الدول التي تنقل سفاراتها إلى القدس أو تعترف بها عاصمة لإسرائيل"، وهو القرار الذي عادت قمة عمّان الثالثة التي عقدت في عام 2001 للتأكيد عليه.
وفيما باتت الرسالة العربية إلى الإدارة الأميركية واضحة، فإن الرسالة التي سيحملها الموفد الأميركي إلى القمة ما تزال مثار تكهنات، وسط ترجيحات أن تتمحور بالحصول على ضوء أخضر عربي لدعم المؤتمر الإقليمي الذي يعتزم ترامب عقده لاستئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، ويراهن كما سبق وأعلن عن قدرة من يصنفهم دولاً عربية معتدلة على التأثير في القرار الفلسطيني.
لكن الحرص العربي على عدم الصدام مع الإدارة الأميركية، جاء في وقت تودد فيه مسؤولون أميركيون، أهمهم نائب الرئيس ترامب، مايك بنس، للوبي الصهيوني، حين أكد منذ أيام، أمام لجنة الشؤون العامة الأميركية-الإسرائيلية (أيباك)، عدم تخلي ترامب عن فكرة نقل السفارة، والتزامه بمحاربة إي قرار أممي ضد إسرائيل.
المعضلة الأكبر أمام القمة، كانت القضية السورية، التي أدرك المضيف الأردني مبكراً أن الخوض في تفصيلاتها بمثابة حقل ألغام، يكفل ليس إسقاط عنوان "الوفاق والاتفاق" فحسب، بل إفشال القمة، وتعميق الخلافات العربية.
الأردن حرص على توجيه رسائل إيجابية للنظام السوري الغائب التزاماً بقرار تعليق عضويته، عندما تحدث مسؤولو المملكة عن حضور الرموز السورية للقمة، رغم المقعد الفارغ، وقد تجاوز المسؤولون بحث مستقبل المقعد الشاغر، من خلال كلام المتحدث باسم الحكومة الأردنية محمد المومني، الذي قال إن "نجاح العملية السياسية يؤسس للعديد من النجاحات، بما فيها عودة من يمثل سورية ليشغل مقعدها".
بذلك ظلّت عبارة أبو الغيط التي قال فيها إنه "لا يصحّ أن يبقى النظام العربي بعيداً عن التعامل مع أكبر أزمة تشهدها المنطقة في تاريخها الحديث، وأعني بذلك المأساة السورية. لا يصحّ أن تُرحّل هذه الأزمة الخطيرة إلى الأطراف الدولية والإقليمية يديرونها كيف شاءوا ويتحكمون بخيوطها وفق مصالحهم"، تدل على أخفاقات العرب في التعامل مع القضايا العربية.
الاهتمام الأكبر في ما يتعلق بسورية، انصب على التعامل مع البعد الإنساني المتصل بقضية اللجوء وانعكاساتها على الدول المستضيفة. وهو ما طرحه الأردن الطامح للحصول على مساعدات لنجدة اقتصاده المتعثر والذي يعلق جزءاً كبيراً من تعثره على اللجوء السوري.
الطرح الأردني، وجد التأييد من دول تعاني المشكلة ذاتها، على غرار لبنان والعراق ومصر، أما مصير تطبيقه فمعلّق بما ستتوصل إليه الأمانة العامة للمجلس التي فوضت بوضع صيغة لمساعدة الدول المستضيفة للاجئين. وحرص الأردن أيضاً على تسويق الاستقرار في المملكة على اعتباره أهمية استراتيجية للمنطقة، بما يستوجب زيادة الدعم المالي تحديداً من السعودية، التي يعلق عليها المسؤولون الأردنيون آمالاً كبيرة.
أما في ملف العلاقة مع إيران، فقد حافظ القرار العربي، على أبواب مغلقة أمام الحوار معها، مع استمرار تحميلها مسؤولية إثارة المذهبية والطائفية في المنطقة وعرقلة حل الأزمات بالطرق السلمية، معلقاً أي تغير عربي على الموقف منها بمبادرة إيرانية تثبت التزامها بنسج علاقات قائمة على حسن الجوار والامتناع عن استخدام القوة أو التهديد، ووقف التصريحات الاستفزازية من قبل المسؤولين الإيرانيين.