قمة روسية-تركية-إيرانية لتجديد التفاهمات السورية على وقع إبادة الغوطة

09 فبراير 2018
مدنيون يهربون من القصف على الغوطة الشرقية(عبدالمنعم عيسى/فرانس برس)
+ الخط -


في موازاة استمرار تصعيد النظام السوري وروسيا في إدلب والغوطة الشرقية لدمشق، والذي حصد أرواح مئات القتلى والجرحى خلال الأيام الأخيرة، برز تحرك روسي تركي لعقد قمة ثلاثية في إسطنبول بمشاركة إيران، بدت كمحاولة لإنقاذ مسار أستانة، وإنجازه الرئيسي المتمثل في مناطق خفض التصعيد التي يتم خرقها يومياً من قِبل روسيا وقوات النظام والمليشيات. كما تأتي القمة في ظل انتقادات متبادلة بين هذه الأطراف الثلاثة الضامنة لمقررات لأستانة، لسلوك كل طرف منهم في إدلب والغوطة وعفرين.

وتبدو القمة التي ستجمع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بنظيريه الروسي فلاديمير بوتين والإيراني حسن روحاني في إسطنبول، محاولة لإعادة ترتيب التفاهمات التي أنتجتها لقاءات أستانة ومن ثم سوتشي، وذلك في الوقت الذي تنتظر فيه تركيا زيارة وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، ومستشار الأمن القومي الأميركي، هربرت ماكماستر، لإجراء محادثات لا تنتظر منها أنقرة الكثير.
واتفق أردوغان وبوتين، خلال اتصال هاتفي بينهما أمس الخميس، على عقد قمة في إسطنبول، على غرار قمة سوشي (في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017)، يشارك فيها روحاني، وذلك إثر الزيارة التي قام بها وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، إلى العاصمة الإيرانية طهران، فيما بدا رغبة من أنقرة لتجاوز الخلافات مع طهران التي اندلعت إثر عملية "غصن الزيتون" في عفرين وفي منطقة خفض التصعيد في إدلب. وقال المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، إن بوتين وأردوغان أكدا أهمية استمرار التعاون الروسي التركي الإيراني حول سورية، وشددا كذلك على أهمية الالتزام الصارم باتفاقيات أستانة. واتفق الرئيسان على الإسراع في إنشاء نقاط مراقبة جديدة في محافظة إدلب ضمن مناطق خفض التوتر المتفق عليها في أستانة.

كذلك أبدى روحاني ترحيبه بعقد القمة، وذلك خلال اتصال هاتفي تلقاه من نظيره التركي أمس. وأفاد موقع الرئاسة الإيرانية، بأن روحاني دعا خلال الاتصال لتطوير التعاون السياسي حول الأزمة السورية، فيما أشار أردوغان إلى أنه دعا دولاً غربية للمشاركة في القمة المرتقبة بين الرؤساء الثلاثة. وأكد أردوغان أيضاً أن التنسيق بين تركيا وإيران هام للوقوف بوجه التحديات الإقليمية والقضاء على الإرهاب، حسب الرئاسة الإيرانية.

وتُعقد القمة في الوقت الذي يبدو فيه انزعاج طهران واضحاً من تجاوز أنقرة وموسكو لها حول عملية "غصن الزيتون"، ما دفع الخارجية الإيرانية، في وقت سابق، لدعوة الإدارة التركية إلى وقف العمليات التركية في عفرين، وسط تصعيد كبير تقوده المليشيات الموالية لإيران بالتعاون مع مليشيات النظام في حلب وإدلب. ولا تقتصر الأزمة الحالية بين الأطراف الثلاثة على الخلاف التركي الإيراني، ولكن أيضاً على موسكو التي تجاوزت طهران وفتحت أجواء عفرين من دون أي تفاهمات مسبقة كما يبدو. وفي ما بدا محاولة لإرضاء إيران، عادت موسكو وأغلقت أجواء عفرين.

كما تأتي القمة وسط انتقادات متبادلة بين أطرافها، إذ قال نائب وزير الخارجية الروسي أوليغ سيرومولوتوف، إن تطور الأوضاع في مدينة عفرين السورية قد يؤدي إلى المزيد من زعزعة الاستقرار في المنطقة. من جهته، أعرب المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية حامي أقصوي، عن قلق بلاده من "تصعيد القوات السورية هجماتها على منطقة غوطة دمشق الشرقية"، المشمولة ضمن اتفاق مناطق خفض التوتر. وقال أقصوي، في بيان، إن "تزايد هجمات القوات السورية في الأيام الأخيرة على الغوطة الشرقية، يعتبر خرقاً واضحاً لما تم التوصل إليه في محادثات أستانة".

وفي السياق نفسه، أكد مصدر تركي مطلع لـ"العربي الجديد"، أن أنقرة لا زالت ترفض المحاولات الإيرانية الساعية للربط بين اتفاقيات خفض التصعيد في محافظة إدلب الناتجة عن أستانة، وعملية "غصن الزيتون"، موضحاً أن "الإيرانيين يحاولون الربط بين الأمرين في محاولة لانتزاع المزيد من التنازلات في ما يخص إدلب والدفع باتجاه فتح ممر للنظام باتجاه كل من كفريا والفوعة في إدلب، مقابل الصمت عن استمرار محدود لعملية غصن الزيتون بما يؤمن الحدود التركية ولا يسمح بفتح ممر بين درع الفرات وإدلب، الأمر الذي ترفضه أنقرة بشكل قاطع"، مضيفاً: "لمواجهة العمال الكردستاني تقدموا بخطة أخرى تكون فيها قوات النظام والمليشيات الإيرانية رأس الحربة بدعم تركي، ولكن لا أحد في أنقرة يثق بقدرة النظام على تحقيق أي تقدّم شرق الفرات ضد العمال الكردستاني، أو حتى قدرة الأخير على التخلي عن أي مساحات من الأراضي للنظام في إطار أي اتفاق، لأن الأمر بيد الأميركيين، ولن يقبلوا بذلك".

وأشار المصدر إلى أن الأتراك سيسعون في القمة لدفع طهران للضغط على بغداد لفتح جبهات سنجار التي يسيطر عليها "العمال الكردستاني" والسيطرة أيضا على معبر فيشخابور/ سيمالكة، والذي يعتبر شريان الحياة لـ"العمال الكردستاني" سواء لناحية تنقل مقاتليه بين شمال العراق وسورية، أو لناحية نقل الأسلحة والذخائر.

في غضون ذلك، يبدو أن أنقرة تحاول أن تمسك العصا من المنتصف على عدد من الجبهات، وبينما تحاول التوغل في عفرين وكذلك في إدلب، بالتفاهم مع إيران وروسيا، إلا أنها ترفض حتى الآن وبشكل قاطع أي اعتراف بشرعية النظام السوري. وشدد أردوغان، خلال كلمة له أمس، في القصر الرئاسي في أنقرة، على أن بلاده عازمة على إتمام عملية "غصن الزيتون" مهما كان الثمن، مضيفاً: "يقول (زعيم المعارضة التركية) يجب أن يتم الحديث مع الأسد، عمَّ سنتحدث مع من قتل مليوناً من مواطنيه؟"، في إشارة إلى بشار الأسد.
وعن دور تركيا في سورية، قال أردوغان: "سنحل مشكلة عفرين وإدلب، فنحن نريد عودة إخوتنا اللاجئين إلى ديارهم، وهم أيضاً يرغبون في العودة إلى أراضيهم بأسرع وقت ممكن، ولا يمكننا الاحتفاظ بـ3.5 ملايين لاجئ إلى ما لا نهاية، يمكن لقسم منهم أن يبقى هنا".


وحول الظروف التي تعقد فيها القمة الثلاثية والانتقادات الموجهة لتركيا بشأن إمكانية وجود صفقة بينها وبين روسيا لمبادلة إدلب بعفرين، قال المحلل التركي أوكتاي يلماز، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن تركيا لا يمكن أن تقبل بما يحدث في إدلب والغوطة الشرقية باعتبار ذلك خرقاً لتفاهمات أستانة، خصوصاً أن الهجمات تستهدف المدنيين بالدرجة الأولى، مشيراً إلى أن تركيا احتجّت أكثر من مرة لدى روسيا على هذه الخروقات.
لكن يلماز انتقد في المقابل سعي بعض الأطراف الغربية والعربية إلى تخريب مسار أستانة الذي قال إنه "ليس مثالياً، لكن في الوقت الحاضر لا يوجد أفضل منه، وأسهم خلال الأشهر الماضية في تحقيق تهدئة في مجمل الأراضي السورية بدرجة مقبولة"، مشيراً إلى أن روسيا تزعم أنها ترد على ما تعتبره استهدافاً متعمداً لها سواء عبر الطائرات من دون طيار في مطار حميميم أو عبر إسقاط إحدى طائراتها في إدلب.

وانتقد المحلل التركي ابتعاد الدول العربية عن الملف السوري، وترك تركيا وحيدة في مواجهة محور إيران - روسيا - النظام، وسعي بعض الأطراف العربية للتعاون مع الولايات المتحدة والغرب لإفشال مسار أستانة، من دون طرح أي مشروع بديل، معتبراً أنه ليس لدى الولايات المتحدة استراتيجية واضحة في سورية، لكن سياستها تقوم فقط على محاولة عرقلة جهود الآخرين، ومنعهم من تحقيق أي تقدم على الأرض. ورأى أن روسيا عبر تصعيدها الأخير تحاول فضلاً عن الانتقام لخسائرها، الضغط على المعارضة السورية لإجبارها على الالتحاق بالمسار السياسي من دون شروط، خصوصاً بعد تخلّف هذه المعارضة عن مؤتمر سوتشي، ووضعها بعض الشروط والتحفظات للقبول بنتائجه أو الانخراط في المفاوضات المقبلة في جنيف.

ميدانياً، واصلت روسيا والنظام، أمس، الوتيرة العنيفة لهجماتهما على كل من إدلب والغوطة الشرقية، ما أدى لسقوط المزيد من القتلى في صفوف المدنيين. وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، أمس، بأن حصيلة القتلى جراء الغارات الكثيفة للنظام على الغوطة الشرقية، حتى عصر أمس، بلغت 53 قتيلاً، بينهم عشرة أطفال، مشيراً إلى أن الحصيلة تواصل ارتفاعها نتيجة استمرار الغارات الجوية وعجز الفرق الطبية في الغوطة الشرقية المحاصرة مع استمرار توافد المصابين إليها.

كما قالت مصادر ميدانية لـ"العربي الجديد"، إن قتلى من المدنيين سقطوا بغارات على إدلب. وقال مصدر من الدفاع المدني في إدلب لـ"العربي الجديد"، إن غارة جوية روسية استهدفت الأحياء السكنية في بلدة مشمشان في جسر الشغور، غرب محافظة إدلب، أسفرت عن مقتل خمسة وإصابة ثلاثة عشر على الأقل. وأضاف المصدر أن الطيران الروسي شنّ ثلاث غارات أخرى على البلدة موقعاً أضراراً مادية جسيمة، فيما تواصل فرق الدفاع المدني تفقد الأماكن المقصوفة وإزالة الأنقاض، مشيراً إلى أن الصواريخ أصابت المستوصف الصحي في البلدة وقسماً من المدرسة الثانوية، ما أسفر عن أضرار مادية. كما قُتل مدني وجرح آخرون جراء غارة جوية روسية استهدفت مركز الحبوب في مدينة سراقب بريف إدلب الشرقي، بحسب "مركز إدلب الإعلامي".

وحول أسباب هذا التصعيد الروسي في الغوطة الشرقية، والذي لا يترافق مع محاولات تقدّم على الأرض، قال الناشط الإعلامي الموجود في الغوطة الشرقية قيس الحسن، لـ"العربي الجديد"، إن هناك ثلاثة ترجيحات متوقعة، أولها الانتقام لفشل مؤتمر سوتشي وعدم حضور المعارضة للمؤتمر، والثاني أن هناك مسعى إيرانياً لإنهاء ملف الغوطة وإدلب وحسمه عسكرياً لصالح النظام، وهذا مستبعد، لأن النظام يحاول منذ ثلاثة أشهر فك الحصار عن عناصره المحاصرين في إدارة المركبات، لكنه لم ينجح. أما الثالث فهو أن النظام وروسيا يلجآن إلى التصعيد والمجازر بغية إبعاد الأنظار عن الجهود الدولية لفتح ملف استخدام السلاح الكيميائي من جانب النظام.
في غضون ذلك، أعلنت قوات النظام أنها سيطرت على 29 قرية في ريف حماة الشرقي بعدما انتزعتها من يد تنظيم "داعش" في أقل من 24 ساعة. وكانت مساحة الجيب الذي يُحاصَر بداخله التنظيم، بلغت 1100 كيلومتر مربع، إلا أنها تقلصت إلى أقل من 900، وفق تقديرات "الإعلام الحربي".

المساهمون