19 أكتوبر 2019
قمة الناتو.. الإنفاق العسكري وغيره
سيطرت تغريدات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وتصريحاته النارية، في حق حلفائه الأوروبيين عموماً، بسبب الإنفاق العسكري، وألمانياً تحديداً بسبب مشروع مد أنابيب لنقل الغاز الروسي إلىها، على التغطية الإعلامية لقمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) المنعقدة في بروكسل يومي 11و12 يوليو/ تموز الجاري. وتعد مسألة الإنفاق العسكري لدول الحلف قضية حساسة للغاية، لأن أميركا تطالب حلفاءها، منذ سنوات، بضرورة رفع نفقاتهم العسكرية لتقاسم العبء العسكري - الأمني مع الولايات المتحدة، وبالتالي تخفيض الضغط على الأخيرة.
للإشارة، ليس المطلوب رفع مساهمات الحلفاء الأوروبيين في ميزانية "الناتو"، لأن هذه المسألة تُحسب وفق معيار حجم اقتصاد كل دولة عضو، وإنما رفع ميزانياتهم العسكرية الوطنية. وقد جاء في إعلان قمة بروكسل أن نصف الحلفاء يخصصون أكثر من 20% من نفقاتهم الدفاعية للعتاد الثقيل، بما في ذلك البحث والتطوير المتصلان بهما. ومن المنتظر أن تصل 24 دولة عضوا في الحلف إلى نسبة 20% بحلول 2014. وبالتالي، سيزداد حجم القدرات الثقيلة التي يضعها الحلفاء تحت تصرف "الناتو". ومن هنا يُفهم الإصرار الأميركي على زيادة الحلفاء الأوروبيين إنفاقهم العسكري، فذلك سيزيد من قدراتهم الثقيلة، وبالتالي من مساهمتهم في قدرات الحلف، ما سيسمح بتخفيض مساهمة أميركا، فالأخيرة تسهم بنسبة 20% في ميزانية الحلف، وبنسبة 70% في قدراته العسكرية.
التزم الحلفاء، في قمتهم في بلاد الغال في 2014، برفع إنفاقهم العسكري إلى نسبة 2% من إجمالي الناتج المحلي بحلول عام 2024. لكن ترامب يريد، منذ وصوله إلى السلطة، دفعهم ليس فقط إلى احترام التزاماتهم، وإنما أيضاً إلى الإسراع بإيفائها، ضاغطاً عليهم، إلى درجة أنه تحدث عن نفقاتٍ عسكريةٍ تمثل نسبة 4% من إجمالي الناتج المحلي، يجب الوصول إليها في المستقبل القريب. وهذا ما أثار امتعاض حلفائه الأوروبيين.. إذا كان بعض الحلفاء يقرّون بضرورة تقاسم الأعباء للحفاظ على الحلف، بل ولتقويته، فإنهم غير راضين على الطريقة التي يخاطبها بهم ترامب، وتغريداته المزاجية... ثم لا مجال في الراهن للتوفيق بين تسرّع ترامب وسرعة بعض الحلفاء الأوروبيين، بل وبطء بعضهم الآخر، ما يعني أن قضية الإنفاق العسكري ستعود مجدّداً على الطاولة في القمة المقبلة للدول الأعضاء في "الناتو"، فحوالي 15 دولة حليفة، منها ألمانيا (ثاني دولة في "الناتو" من حيث إمداده بالجنود) وإسبانيا وإيطاليا وبلجيكا وكندا، لا يتجاوز إنفاقها العسكري اليوم 1،4% من إجمالي الناتج المحلي، وبعضها لا يمكنه الوفاء بالالتزام الذي قطعته على نفسها في 2014. ومن بين 29 دولة عضوا في "الناتو"، أربعة فقط منها تحترم هذه القاعدة، منها الولايات المتحدة وبريطانيا، ومن المتوقع أن تلحق بها ثلاث أخريات مع نهاية العام الجاري. أما فرنسا فأعلنت العام الماضي أنها سترفع نسبة إنفاقها العسكري إلى 2% بحلول عام 2025، أي متأخرة سنة عن التزامات قمة "الناتو" لعام 2014.
بيد أن أجندة الحلف واهتماماته لا يمكن أن تُختزل في مزاج ترامب المتقلب وتغريداته، فهناك أمور كثيرة جدية تهم الحلفاء، وإن كانت غير مطروحة بالضرورة إعلامياً، أو تُعتبر غير جديرة بالنقاش. وهذا ما ستوضحه هذه القراءة المقتضبة في إعلان قمة الحلف المنعقدة أخيرا في بروكسل. غطى الإعلان كل المسائل التي تخص الحلف، وجاء، كما جرت العادة، مطولاً (26 صفحة) ومفصلاً بعض القضايا التي يعتبرها الحلفاء أساسية. ولا مجال هنا للإشارة إليها كلها، ولذا يُكتفي ببعضها.
بعد أن تحدث الإعلان عن تدهور البيئة الأمنية للحلفاء، والوضع في أوروبا، مع الأزمتين الأوكرانية والسورية، وضرورة وفاء الحلفاء بوعودهم التي قطعوها على أنفسهم في قمة الحلف في 2014 برفع إنفاقهم العسكري إلى 2%، خصص "الناتو"، على عادته في السنوات الأخيرة، حيزاً لا بأس به لروسيا، متوقفاً عند العلاقة معها، وعند الأزمة الأوكرانية، مذكّراً بتجميده الحوار مع روسيا بسببها. كما أشار أيضاً إلى قضية نزع التسلح وبعض القضايا الخلافية مع روسيا، نافياً أن تكون منظومته البالستية موجهة ضدها. والمثير في الإعلان ما ورد في الفقرة الخاصة بالأسلحة النووية، حيث جاء فيها أن "الناتو" سيبقى حلفاً نووياً ببقاء الأسلحة النووية، وأن قواتها الإستراتيجية، سيما التي تحوزها أميركا، هي الضمان الأعلى لأمن الحلفاء. أما القوات النووية المستقلة لبريطانيا وفرنسا، فلها دور ردع، وتسهم بشكل بليغ في الأمن الشامل للحلف. ويضيف الإعلان إن "الهدف الأساسي للقدرة النووية لحلف الناتو هي الحفاظ على السلام (...). وبالنظر إلى تدهور البيئة الأمنية في أوروبا، فإن حلفاً نووياً ذا مصدقية وموحد أساسي". كما جاء في الإعلان إن الأسلحة النووية فريدة من نوعها وإن احتمال استخدامها ضعيف للغاية، لكنه يحذّر من أنه لو هُدد أحد أعضائه فإن للحلف القدرة على الرد. ثم يتطرّق الإعلان، في فقرة أخرى، إلى رفضه فكرة نزع السلاح النووي، مدافعاً عن منظومة حظر انتشار الأسلحة النووية، وضرورة تدعيمها.
فضلاً عن حديثه عن الأزمة السورية، خصّ إعلان القمة الأطلسية أربع دول عربية بالذكر، مكرساً لكلٍّ منها فقرة. أولها العراق، حيث أعلن إرساله بعثة غير مقاتلة إلى هناك، بموجب
طلب تقدمت به الحكومة العراقية، لمساعدتها في إحلال الأمن في البلاد، ومحاربة الإرهاب، ولتقديم خبرة إستشارية، وتدريب أمنيين في وزارة الدفاع ومكتب الأمن القومي والمؤسسات الأمنية. ثانيها الأردن، حيث عبر الحلف عن دعمه النتائج المحققة في المساعدة التي يقدمها له، في إطار مبادرة دعم قدراته الدفاعية والأمنية، في بعض المجالات ذات الأولوية، مثل أمن الإنترنت ومحاربة المتفجرات، وتحضير القطاع المدني لإدارة الأزمات. ويعبر الحلف عن امتنانه للأردن لإسهامه في العمليات التي يقودها "الناتو"، ولإيوائه نشاطاته الخاصة بالتكوين، في مجال القدرات الدفاعية والأمنية، التي يقوم بها الحلفاء لفائدة العراق. ثالثها تونس التي يعتبرها "الناتو" شريكاً أساسياً في الحوار المتوسطي (يقيمه الحلف منذ 1994 من دول متوسطية)، حيث عبر عن عزمه الذهاب إلى الأمام، بالتعاون معها، وتبنيه إجراءات جديدة لفائدتها، في إطار دعم قدراتها الأمنية والدفاعية، لمساعدة السلطات التونسية في تطوير قدراتها في هذا المجال، كما في أمن الإنترنت، ومحاربة المتفجرات، وتحفيز الشفافية في تسيير الموارد. ويكون ذلك من خلال دورات تكوينية وتدريبية، وتبادل الخبرات والممارسات الأحسن، وفقاً لمعايير الحلف الأطلسي. آخرها ليبيا التي يقول "الناتو" إنه يدعم العملية السلمية فيها، ويجدد عزمه على مدّها بالاستشارة في مجال دعم مؤسسات الدفاع والأمن، وذلك بناء على طلبٍ تقدمت به حكومة الوفاق الوطني، على أن تأخذ المساعدة الأطلسية في الحسبان الوضع السياسي والأمني في البلاد، وأن تكون بتنسيق وثيق مع ما تقوم به الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي هناك. وعبّر الحلف عن استعداده لإقامة شراكة على المدى البعيد مع ليبيا، قد تفتح الباب لمشاركتها في الحور المتوسطي.
للإشارة، ليس المطلوب رفع مساهمات الحلفاء الأوروبيين في ميزانية "الناتو"، لأن هذه المسألة تُحسب وفق معيار حجم اقتصاد كل دولة عضو، وإنما رفع ميزانياتهم العسكرية الوطنية. وقد جاء في إعلان قمة بروكسل أن نصف الحلفاء يخصصون أكثر من 20% من نفقاتهم الدفاعية للعتاد الثقيل، بما في ذلك البحث والتطوير المتصلان بهما. ومن المنتظر أن تصل 24 دولة عضوا في الحلف إلى نسبة 20% بحلول 2014. وبالتالي، سيزداد حجم القدرات الثقيلة التي يضعها الحلفاء تحت تصرف "الناتو". ومن هنا يُفهم الإصرار الأميركي على زيادة الحلفاء الأوروبيين إنفاقهم العسكري، فذلك سيزيد من قدراتهم الثقيلة، وبالتالي من مساهمتهم في قدرات الحلف، ما سيسمح بتخفيض مساهمة أميركا، فالأخيرة تسهم بنسبة 20% في ميزانية الحلف، وبنسبة 70% في قدراته العسكرية.
التزم الحلفاء، في قمتهم في بلاد الغال في 2014، برفع إنفاقهم العسكري إلى نسبة 2% من إجمالي الناتج المحلي بحلول عام 2024. لكن ترامب يريد، منذ وصوله إلى السلطة، دفعهم ليس فقط إلى احترام التزاماتهم، وإنما أيضاً إلى الإسراع بإيفائها، ضاغطاً عليهم، إلى درجة أنه تحدث عن نفقاتٍ عسكريةٍ تمثل نسبة 4% من إجمالي الناتج المحلي، يجب الوصول إليها في المستقبل القريب. وهذا ما أثار امتعاض حلفائه الأوروبيين.. إذا كان بعض الحلفاء يقرّون بضرورة تقاسم الأعباء للحفاظ على الحلف، بل ولتقويته، فإنهم غير راضين على الطريقة التي يخاطبها بهم ترامب، وتغريداته المزاجية... ثم لا مجال في الراهن للتوفيق بين تسرّع ترامب وسرعة بعض الحلفاء الأوروبيين، بل وبطء بعضهم الآخر، ما يعني أن قضية الإنفاق العسكري ستعود مجدّداً على الطاولة في القمة المقبلة للدول الأعضاء في "الناتو"، فحوالي 15 دولة حليفة، منها ألمانيا (ثاني دولة في "الناتو" من حيث إمداده بالجنود) وإسبانيا وإيطاليا وبلجيكا وكندا، لا يتجاوز إنفاقها العسكري اليوم 1،4% من إجمالي الناتج المحلي، وبعضها لا يمكنه الوفاء بالالتزام الذي قطعته على نفسها في 2014. ومن بين 29 دولة عضوا في "الناتو"، أربعة فقط منها تحترم هذه القاعدة، منها الولايات المتحدة وبريطانيا، ومن المتوقع أن تلحق بها ثلاث أخريات مع نهاية العام الجاري. أما فرنسا فأعلنت العام الماضي أنها سترفع نسبة إنفاقها العسكري إلى 2% بحلول عام 2025، أي متأخرة سنة عن التزامات قمة "الناتو" لعام 2014.
بيد أن أجندة الحلف واهتماماته لا يمكن أن تُختزل في مزاج ترامب المتقلب وتغريداته، فهناك أمور كثيرة جدية تهم الحلفاء، وإن كانت غير مطروحة بالضرورة إعلامياً، أو تُعتبر غير جديرة بالنقاش. وهذا ما ستوضحه هذه القراءة المقتضبة في إعلان قمة الحلف المنعقدة أخيرا في بروكسل. غطى الإعلان كل المسائل التي تخص الحلف، وجاء، كما جرت العادة، مطولاً (26 صفحة) ومفصلاً بعض القضايا التي يعتبرها الحلفاء أساسية. ولا مجال هنا للإشارة إليها كلها، ولذا يُكتفي ببعضها.
بعد أن تحدث الإعلان عن تدهور البيئة الأمنية للحلفاء، والوضع في أوروبا، مع الأزمتين الأوكرانية والسورية، وضرورة وفاء الحلفاء بوعودهم التي قطعوها على أنفسهم في قمة الحلف في 2014 برفع إنفاقهم العسكري إلى 2%، خصص "الناتو"، على عادته في السنوات الأخيرة، حيزاً لا بأس به لروسيا، متوقفاً عند العلاقة معها، وعند الأزمة الأوكرانية، مذكّراً بتجميده الحوار مع روسيا بسببها. كما أشار أيضاً إلى قضية نزع التسلح وبعض القضايا الخلافية مع روسيا، نافياً أن تكون منظومته البالستية موجهة ضدها. والمثير في الإعلان ما ورد في الفقرة الخاصة بالأسلحة النووية، حيث جاء فيها أن "الناتو" سيبقى حلفاً نووياً ببقاء الأسلحة النووية، وأن قواتها الإستراتيجية، سيما التي تحوزها أميركا، هي الضمان الأعلى لأمن الحلفاء. أما القوات النووية المستقلة لبريطانيا وفرنسا، فلها دور ردع، وتسهم بشكل بليغ في الأمن الشامل للحلف. ويضيف الإعلان إن "الهدف الأساسي للقدرة النووية لحلف الناتو هي الحفاظ على السلام (...). وبالنظر إلى تدهور البيئة الأمنية في أوروبا، فإن حلفاً نووياً ذا مصدقية وموحد أساسي". كما جاء في الإعلان إن الأسلحة النووية فريدة من نوعها وإن احتمال استخدامها ضعيف للغاية، لكنه يحذّر من أنه لو هُدد أحد أعضائه فإن للحلف القدرة على الرد. ثم يتطرّق الإعلان، في فقرة أخرى، إلى رفضه فكرة نزع السلاح النووي، مدافعاً عن منظومة حظر انتشار الأسلحة النووية، وضرورة تدعيمها.
فضلاً عن حديثه عن الأزمة السورية، خصّ إعلان القمة الأطلسية أربع دول عربية بالذكر، مكرساً لكلٍّ منها فقرة. أولها العراق، حيث أعلن إرساله بعثة غير مقاتلة إلى هناك، بموجب