قطر بعد 1000 يوم حصار... قفزة نوعية للاكتفاء ذاتياً

29 فبراير 2020
عزّزت قطر روابطها مع دول بينها تركيا (الأناضول)
+ الخط -

تمكنت قطر، بعد 1000 يوم من الحصار الذي فرضته السعودية والإمارات والبحرين ومصر في 5 يونيو/ حزيران 2017، من تحقيق قفزات نوعية اقتصاديا وتجاريا واستثماريا، ونجحت في تجاوز التحديات الناجمة عن إغلاق المعبر البري مع السعودية، والمجالات الجوية والبحرية مع الدول الأربع.

كما سجلت أرقام نمو مرتفعة تجاوزت معدلاتها في بعض فروع المواد الغذائية مستوى الاكتفاء الذاتي، ليصل إنتاج الألبان ومشتقاتها إلى 124% من حاجة السوق المحلية، فحوّلت الدوحة، بذلك، الحصار من نقمة إلى نعمة، حيث منذ البداية، وتحديدا في سبتمبر/ أيلول 2017، أعلن أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أن دولته تتحدى الحصار وستكون أفضل مما كانت عليه سابقا. 

في السياق، أشارت توقعات البنك الدولي في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، إلى أن نمو اقتصاد قطر سيرتفع إلى 3% عام 2020، وأنه سيقفز إلى 3.2% سنة 2021، وذلك بعدما اعتمدت الحكومة أعلى موازنة سنوية للعام الجاري هي الأعلى إنفاقا منذ 5 سنوات، فيما تتوقع وزارة المالية أن تسجل الموازنة فائضا بقيمة 4.3 مليارات ريال، تعادل 1.18 مليار دولار، نتيجة لإيرادات قيمتها 211 مليار ريال (57.9 مليار دولار)، مقابل نفقات قدرها 206.7 مليارات ريال (56.78 مليار دولار).

الصناعة والمركز المالي

قطاع الصناعة القطري حقق نموا لافتا منذ بدء الحصار، إذ تجاوز عدد المصانع التي أنشئت خلال نحو 3 سنوات 800 مصنع، وتخطى عدد المشاريع التي بدأت الإنتاج الفعلي بعد فرض الحصار 116 مشروعاً، وفقا لتأكيدات رئيس "غرفة تجارة وصناعة قطر"، خليفة بن جاسم آل ثاني.

كما قفز عدد الشركات المسجلة في "مركز قطر للمال" 33% عام 2019 إلى 816 شركة، مقابل 612 شركة في 2018، لتأتي الشركات الجديدة من دول عدة، منها الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وسويسرا والأردن والهند، في حين ذكر المركز في تقريره السنوي، أن نسبة النمو المحققة تؤكد سير المركز بخطى ثابتة باتجاه تحقيق هدفه الاستراتيجي المتمثل بتسجيل ألف شركة بحلول عام 2022.

"السيادي" و"قطر للبترول"

وفي الاتجاه عينه، أحرز "جهاز قطر للاستثمار" (الصندوق السيادي القطري)، مواقع متقدمة ضمن أقوى 10 صناديق في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، وفقاً لتصنيف معهد "إس.دبليو.إف" SWF المتخصص بدراسة استثمارات الحكومات والصناديق السيادية، حيث قفزت أصول الصندوق إلى 335 مليار دولار، بزيادة 79 مليار دولار، أي بارتفاع نسبته 31% عن استثمارات عام 2018.

وأعلنت "قطر للبترول" في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، أنها سترفع الطاقة الإنتاجية للغاز الطبيعي المسال 64% إلى 126 مليون طن سنويا بحلول عام 2027، بعد اكتشاف امتداد على اليابسة لحقل الشمال للغاز بمنطقة راس لفان على بعد 80 كيلومترا شمال شرقي الدوحة، وتتجاوز احتياطاته المؤكدة 1760 تريليون قدم مكعبة.

وكانت "قطر للبترول" قد أعلنت في سبتمبر/ أيلول 2018، زيادة إنتاجها من الغاز الطبيعي المسال من 77 مليون طن إلى 110 ملايين، عبر إنشاء خط إنتاج رابع عملاق يُضاف إلى الخطوط الثلاثة المُعلن عنها في يوليو/ تموز 2017.

بدائل لتوفير المواد الغذائية

وفي عودة لبدايات المقاطعة، وكيف واجهت قطر الحصار اقتصاديا على صعيد المواد الغذائية والمستلزمات التي كانت تستورد من دول الحصار أو عبر المنفذ البري الوحيد مع السعودية، يقول النائب الأول لرئيس غرفة التجارة والصناعة، محمد بن أحمد بن طوار الكواري لـ"العربي الجديد"، أنه منذ 1000 يوم، نجحت الدوحة في تجاوز تداعيات الحصار بفضل صلابة اقتصادها ومرونته في آن، ونتيجة الإجراءات السريعة التي اتخذتها الدولة من جهة، ودينامية القطاع الخاص المحلي مدعوما بتدابير غرفة قطر من جهة ثانية.

وأوضح أن الدولة أطلقت سلسلة خطوات ومبادرات لمواجهة الحصار، وضمان تزوّد البلاد بكل احتياجاتها، أكانت استهلاكية أو متعلقة باستكمال المشاريع الكبرى، وفي مقدمتها مشاريع "مونديال 2022".

وبذلك، استطاعت الجهات الرسمية، بالتعاون مع القطاع الخاص وغرفة قطر، أن تحوّل النقل البري الى البحر عن طريق ميناء حمد، واستحدثت خطوطا ملاحية جديدة.

ولفت إلى أن طريق المنفذ البري كان يؤمّن زهاء 800 حاوية وشاحنة يوميا من دول الحصار سابقا، وتم تحويلها خلال فترة قصيرة إلى الخط البحري، ودُشنت خطوط بحرية مباشرة مع عدد من الدول، مثل الكويت وعُمان وباكستان وتركيا، ووصل عددها بعد عام واحد إلى 23 خطا.

وبحسب الكواري، رفعت الدولة من وتيرة الشراكات مع العديد من البلدان باعتبارها سلاحا في معركتها التجارية مع دول الحصار، وقامت بالعديد من الإصلاحات الاقتصادية والتشريعية التي ساهمت في جذب الاستثمارات الأجنبية وزيادة الاستثمارات المحلية في قطاعات كثيرة، كما أطلقت وزارة التجارة والصناعة مبادرة "امتلك مصنعا في قطر خلال 72 ساعة"، وهي المبادرة الثانية لمشروع "النافذة الواحدة" الذي طرح 250 فرصة استثمار صناعي.

تعزيز الأمن الغذائي

وفي ما يخص الاكتفاء الذاتي، يقول الكواري لـ"العربي الجديد"، إن الدولة أعادت صياغة استراتيجية الأمن الغذائي، وعزّزت الاعتماد على الذات والسعي للاكتفاء الذاتي، والعمل على تنويع مصادر الاستيراد، إضافة إلى تحسين وتطوير البنية التحتية، فتم تشكيل لجنة للأمن الغذائي التي من أهم أهدافها وضع استراتيجيات ومراجعتها دوريا، ورصد المخاطر المحيطة بمنظومة الأمن الغذائي، وتغيير مستوى كفاءة الأداء لعناصرها ومتابعة المخزون الاستراتيجي.

في السياق، طُرحت عشرات المشاريع، مثل "مشروع الاستزراع السمكي"، وتخصيص أراض لـ"مشروع الأعلاف الخضراء والجافة"، و"مشروع البيوت المحمية لإنتاج الخضروات والفواكه".

وعلى ضوء تدابيرها الفعّالة، حققت قطر المرتبة الأولى عربيا و23 عالميا في "مؤشر الأمن الغذائي" الصادر عن وحدة "إيكونومست إنتلجنس" للأبحاث التابعة لمجلة "إيكونومست" البريطانية، بعدما حققت الدولة نسب اكتفاء ذاتي آمنة بنسبة 25% من الخضروات مقابل 110% للألبان و124% للدواجن و28% للبيض و85% للتمور.

زيادة أعداد المصانع وتنوّعها

وحول مدى تأثير الحصار على التجار والصناعيين القطريين، يقول الكواري إنه في بداية الحصار كان هناك تأثير طفيف على التجار والصناعيين، لكن سرعان ما ساهمت في تحقيق الإنجازات تلك الإجراءات الفورية التي تبنتها الدولة والدور المهم الذي لعبته غرفة قطر.

وأوضح أن الإجراءات ساهمت في زيادة عدد المصانع خلال العامين الأولين للحصار بنسبة 17%، وبلغ 823 مصنعا قائما حتى عام 2019، مقابل 707 مصانع في نهاية 2016، بزيادة 116 مصنعا، كما بلغ عدد التراخيص لإنشاء مصانع 613 ترخيصا باستثمارات قيمتها 34 مليار ريال، تعادل 9.3 مليارات دولار، مقابل 466 ترخيصا عام 2016 باستثمارات قيمتها 31 مليار ريال، تعادل 8.51 مليارات دولار، محققة زيادة في عدد التراخيص بواقع 147 ترخيصا وزيادة نسبتها 32%.

وبذلك، يكون إجمالي عدد المصانع القائمة وتحت الإنشاء 1436 مصنعا حتى عام 2019، مقابل 1173 مصنعا بنهاية 2016، بزيادة 263 مصنعا وبنسبة نمو 23%.

وفي ما يخص التجارة، يوضح الكواري أن الحصار لم يشكل عائقا كبيرا أمام نمو التجارة الخارجية لدولة قطر أو عمليات الاستيراد والتصدير، ولا سيما في ظل وجود علاقات متميزة تربطها بدول العالم ومع وجود خطوط ملاحية مباشرة.

تحديات جوية وبرية

وعلى صعيد الناقل الجوي الوطني، أكد الرئيس التنفيذي لمجموعة الخطوط الجوية القطرية، أكبر الباكر، زيادة العائدات السنوية (2018 - 2019) 14% إلى 48 مليار ريال تعادل 13.2 مليار دولار، رغم أن دول الحصار منعت الطائرات القطرية من التحليق فوق أجوائها أو تشغيل أي رحلات إلى مطاراتها، ومنعتها من استخدام الممرات الجوية الدولية فوق أجوائها، الأمر الذي أثر سلباً على عمليات "القطرية" بتقليص عدد الممرات الجوية التي تستخدمها من 18 ممراً إلى ممرين فقط، فيما انخفض عدد الرحلات اليومية إلى ما دون 600 رحلة.

وواجهت الناقلة العديد من التحديات والصعوبات التي أثرت على نتائجها المالية لتسجل صافي خسارة بقيمة 2.3 مليار ريال، تعادل 639 مليون دولار، بسبب خسارة وجهات كانت تحظى بإقبال كبير، وارتفاع أسعار الوقود وتقلبات أسعار الصرف.

لكن مع ذلك، أطلقت الشركة 11 وجهة جديدة عام 2019، وأضافت 31 وجهة إلى شبكة وجهاتها العالمية منذ بدء الحصار غير القانوني حتى 1 سبتمبر/ أيلول الماضي، ليتخطى عدد الوجهات 160 وجهة حول العالم.

كما أضافت "القطرية" 25 طائرة إلى أسطولها، حيث رحبت بالطائرة الرقم 250 ضمن أسطولها في مارس/ آذار 2019. ولديها أيضا أكثر من 300 طائرة تحت الطلب تتعدى قيمتها 85 مليار دولار، بما في ذلك طائرات اختيارية وطائرات ضمن اتفاقيات نيات.

وافتُتح "مطار حمد الدولي" جزئيا في نهاية إبريل/ نيسان 2014 بطاقة استيعابية تشمل 30 مليون مسافر سنويا، وهو يمتد على مساحة 29 كيلومترا مربعا، ويضم مدرجين بطول 4850 مترا و4250 مترا، هما الأكبر عالمياً، تفصل بينهما مسافة كيلومترين، وهما قادران على استقبال طائرات "إيرباص ايه 380" العملاقة.

كما اشتملت أعمال البناء على تشييد بنية تحتية للطرق تتضمّن 21 جسراً و5 أنفاق وما يزيد عن 44 كيلومترا من الطرق الداخلية والمحيطة بأرض المطار، وبلغت كلفة بنائه نحو 15 مليار دولار.

وفي إطار المشاريع الداعمة والمكملة لـ"مونديال 2022"، أنجزت دولة قطر 95% من شبكة الطرق التي تربط الملاعب المضيفة لمباريات كأس العالم، وأنجزت "هيئة الأشغال العامة (أشغال) خلال الأعوام الثلاثة الماضية شبكة من الطرق السريعة تفوق 750 كيلومترا، منها 120 كيلومترا خلال 2019 وحده.

في السياق أيضا، نجحت شركة "الريل" في تنفيذ المرحلة الأولى من "مترو الدوحة" الذي يتكوّن من 3 خطوط و37 محطة رئيسية، وبُنيت الأنفاق بواسطة 21 حفارة عملاقة عملت على مدار 3 سنوات لحفر أكثر من 111 كيلومتراً من الأنفاق، إضافة إلى بناء المحطات، ليكون عمرها الافتراضي ما يقارب 120 عاما.
المساهمون