قطاع غزة وصعوبة وصل ما انقطع

24 يناير 2020
حالة من الجمود (حسام سالم/ Getty)
+ الخط -
بعد عرضنا السابق لما هو عليه الوضع الطالبي إجمالاً في المناطق الفلسطينية الواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي، بما في ذلك الضفة الغربية، لا بدّ من الإضاءة على قطاع غزة الذي خرج عملياً من تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي المباشرة في عام 2005 في حين أنّ السيطرة عليه تبقى من خلال الحصار المفروض والمتحكّم بكلّ مقومات العيش من كهرباء وماء ورغيف خبز وحبة دواء وتنقّل وغيرها. والكلّ يدرك أنّ حركة المقاومة الفلسطينية في القطاع تغذّت تاريخياً من كتلة سكانية وشبابية كبرى موجودة على قطعة ضيقة من الأرض ومحاصرة كلياً، فيما تعاني من جرّاء فقدان أرضها ومقوّمات عيشها في ديارها وقد باتت لاجئة وسط ضائقة معيشية تسدّ على جميع المقيمين آفاق التقدّم وتدبير شؤونهم اليومية. وقد استطاع نضال هذه الكتلة وصبرها، وفي مقدّمتها الطلاب الجامعيون الذين تأثروا بالتجربة الناصريّة في مصر، أن يشعل الأرض تحت أقدام الاحتلال الذي وبعد 38 عاماً من السيطرة على الأرض لم يجد بداً من الانسحاب منها، متمنياً أن تغرق تلك الأرض بمن عليها في البحر ليرتاح من وجودها في الأساس.

المدّ الإسلامي منذ ثمانينيات القرن الماضي معطوفاً على فشل التجربة الوطنية والقومية الفلسطينية والعربية منذ حرب عام 1967، مروراً باحتلال بيروت وهزيمة حركة المقاومة الفلسطينية في لبنان والحركة الوطنية اللبنانية وانهيار الاتحاد السوفييتي وغيرها، كل ذلك قاد إلى خسارة الوجود القومي والتقدّمي مواقعه تباعاً. وهذا ما أدّى إلى نتائج على درجة بالغة من الاختلال، إذ انشطر المجتمع الفلسطيني على نفسه ومعه الحركة الطالبية، إلى جانب فقدان نقطة التوازن في الطروحات المتداولة من الجانبَين. وما زاد الطين بلّة تراجع مقدّرات السلطة الفلسطينية وانقسامها كمؤسسات سياسية وتشريعية وتنفيذية وأجهزة بين التنظيمَين الأساسيَّين حركة فتح ومعها منظمة التحرير الفلسطينية من جهة، وحركة حماس ومعها قوى التحالف الوطني والإسلامي من جهة أخرى. وقد تضاعف هذا الخلل مع حضور حاسم للمال السياسي باختلاف مصادره، الأمر الذي أدّى دوراً في إضعاف أكبر للقوى القومية والتقدمية، وساعد بالطبع على اكتساح القطاع من جانب حركة حماس وبناء سلطة آحادية عليها. وتبعاً لذلك، يمكن القول إنّ الصراع الذي اندلع بين "فتح" و"حماس" وما قاد إليه من انشطار في المجتمع الغزي، فضلاً عن تشققات سابقة فيه ما بين أبناء القطاع واللاجئين إليه، عدا عن تباينات الطروحات السياسية والفكرية لهذه القوى الفاعلة، كلّ هذا أدّى إلى تلاشي وإضعاف الكتلة الطالبية.



لقد قاد الانقسام الحاد بين الضفة الغربية وقطاع غزة، إلى جانب انتهاء انتفاضة الأقصى وتدهور الأوضاع الاقتصادية والتشوهات في البنية السياسية الفلسطينية، إلى تراجع دور الحركة الطالبية بشكل غير مسبوق في العمل النضالي، كذلك فإنّ إلغاء الانتخابات الطالبية في جامعات القطاع من قبل "حماس" أحبط التنافس الديمقراطي، فيما ازدادت عزلة القطاع برمّته. وهذه العوامل كلها تركت بصماتها على الواقع الطالبي الفلسطيني.

(باحث وأكاديمي)
المساهمون